مجلة الرسالة/العدد 885/البريد الأدبي
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 885 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 19 - 06 - 1950 |
في النظم الجامعية
يحسب الناس - كما كنت أحسب مثلهم من قبل - أن أمر التعليم الجامعي الذي هو أرقى درجات التعليم العصري في بلادنا يسير على منهاج قويم لا عوج فيه لا من حيث المناهج والبرامج، فهذا ما ليس من حديثنا اليوم، ولكن من حيث النظم الإدارية، ولكن من يدنو من كليات الجامعة ويذوق مرارة أعمالها يجد أنها تسير على نظم عقيمة لا تتفق مع الروح الجامعية في شيء ويستيقن أنها وقد انقضى عشرات السنين على إنشائها لا تبرح تتبع في النظم ما يتبع في المدارس الابتدائية!
فهذا طالب ينطق تاريخه الدراسي باجتهاده ونبوغه، لم يقبل بالطب البشري بالإسكندرية من أجل نصف درجة! في علم لا يتصل بالدراسة الطبية في شيء، فشق عليه ذلك، وما كاد يعلم أن الدراسة الإعدادية بكلية طب قصر العيني عامة للبشري والأسنان معاً، وأن توزيع الطلبة فيها سيجري حسب ترتيب النجاح في امتحان هذه الدراسة حتى سارع إلى التحول إليها، ليزاحم بمنكب الجد طلابها، ولم يقنع في امتحان هذه الدراسة بأقل من درجة (جيد جداً) وهي درجة لم ينلها معه إلا قليل، ومن ثم أيقن أنه بهذا التفوق قد أصبح له الحق كاملاً في دراسة الطب البشري.
ولكن ما كان أشد دهشته لما وجد أن هذه الكلية تحول بينه وبين هذه الدراسة، وهاله أن يراها وهي تصده - على تفوقه - عن هذه الدراسة قد أتاحتها للمتخلفين وراءه في النجاح من زملائه حتى الذين لم يستطيعوا أن ينالوا إلا درجة مقبول. . . وما كان هذا الظلم والعنت لا لأنه كان يزعمها مقيداً بالإسكندرية على طب الأسنان أي قبل أن يحول إليها! كأن حسن إسلامه وصالح أعماله لم يضعا عنه وزر الجاهلية ولا أغلالها!! وتلقاء هذا العنت والظلم لم يجد ملاذاً يفزع إليه إلا أن يلجأ إلى مجلس الدولة لكي ينصفه في هذا الظلم المبين.
وهؤلاء طلاب من مختلفي الكليات يبلغ عددهم مائة أو يزيدون تمنعهم كلياتهم من أداء امتحاناتهم بحجة عدم حصولهم على نسبة الحضور التي جعلتها نظمها شرطاً لأداء الامتحان كأنهم لا يزالون أطفالاً لا يختلفون إلى دروسهم إلا بعد أن ينتظموا طوابير ف دخولهم وخروجهم!
هذه أمثلة من النظم الإدارية التي تتبع في كليات جامعاتنا المصرية في القرن العشرين! وكأن الله لم يرد أن يذر أمر هذه الجامعة الكبيرة على ما هي عليه من تلك النظم العتيقة والقيود البالية فقيض لها أخيراً رجلاً أوفى على الغاية في فقه العلوم القانونية وبلغ درجة عالية من الثقافة الذاتية ذلك هو الدكتور محمد كامل مرسي باشا فإنه ما كاد يتولى أمرها حتى أنشأ يعمل بعقله الراجح وفكره الثاقب على صلاح نظمها وتقويم ما اعوج من لوائحها لكي تتبوأ مكانها الذي تستحقه بين جامعات الأمم. فتراه مثلاً ما كاد يعلم بأمر هذا الطالب الذي ذكرنا أمره حتى عز عليه أن ينظر أحد غيره في شأن من شئون الجامعة أو يفصل في أمر من أمورها وأسرع فأقام نفسه مقام مجلس الدولة في الفصل في قضيته وبخاصة فإنه قد كان من قبل رئيساً لهذا المجلس، ولما درس هذه القضية وتبين له حق هذا الطالب واضحاً قدم أمره إلى مجلس الجامعة الأعلى فأقر بالإجماع هذا الحق وبذلك حفظ مستقبل هذا الطالب المتفوق، ولو أن غير هذا العالم الجليل في منصب مدير الجامعة لسكت عن قضية هذا الطالب ولسوغ سكوته أن الأمر قد أصبح بين يدي القضاء.
أما هؤلاء المائة من الطلاب فقد رأى هذا العالم الجليل أن من الظلم أن يضيع عليهم ما حصلوه من علم لأمور شكلية وقضى بحكمته أن يؤدوا امتحاناتهم أسوة بسائر زملائهم.
وقد جرى بيني وبين هذا العالم الحجة حديث في أمر هذا الطالب خاصة وأمر هؤلاء الطلبة عامة فكان من كلامه أن من الظلم المبين أن يحرم طالب متفوق مثله ثمرة جده واجتهاده، وما شأنه بالإسكندرية وقد انقطعت صلته بها فدرس بالقاهرة مناهج غير مناهجها على نظم مغايرة لنظمها؟ ولو نحن هضمنا حقه لقضيتنا على مستقبله ولعقدنا عقدة نفسية عنده تظل طوال حياته تعتاده
هؤلاء الطلبة كيف تمنعهم من أداء امتحانهم وقد أذنا للمعتقلين من إخوانهم أن يؤدوا امتحانهم تحت حراسة الجلاوزة؟
هذا بعض ما سمعته من حديثه؛ القيم وإنا بعد ذلك لنرجو مخلصين أن يوفق هذا العالم الجليل في كل ما يبتغيه من صلاح لهذه الجامعة في نظمها وعلومها حتى تبلغ المكانة اللائقة بها.
محمود أبو ريه