مجلة الرسالة/العدد 878/حول دراسة العربية
→ احتكاك الحضارات | مجلة الرسالة - العدد 878 حول دراسة العربية [[مؤلف:|]] |
الشعر المصري في مائة عام ← |
بتاريخ: 01 - 05 - 1950 |
تعقيد (التعقيد). .!
للأستاذ أحمد عبد اللطيف بدر
قرأت ما دار حول تدريس العربية في الأزهر، ولقد أثرت هذا الموضوع في جريدة المقطم في 26 - 8 - 1937، فلم يبد أحد رأيا حوله، لوقوف الاتجاهات الفكرية، وعدم الخروج عن دائرة التزمت العلمي، لكن الأيام تغير الأفكار، وتلاين الصلابة الفكرية، فيعاد تساؤلنا الذي بسطناه حينئذ: (هل تلك التواليف المتعددة. . على تباينها - قد حصرت القواعد حصرا يمكن الأخذبها؟ أو أنها تناثرت واضطربت وكانت عقبة يتعذر بها على متشوف العلم التفهم والاستقلال في التعرف؟!. . . (أن التصانيف الموضوعة في هذه العلوم على ركاكة أسلوبها، وتنافر بحوثها غير مجدية غير مجدية في باب الإنتاج العلمي، والمدارسة في مجموعها سائرة على غرارها، ويكاد الآخذون يرددون ألفاظها من دون أن يجعلوا للابتكار والتفنن في التعابير وظيفة يعتمدون عليها في إيضاح الطريق وكشف الأسرار عن المعميات الملغزة بألاغيز ومناقشات جوفاء لا تمت إلى البحت العلمي بأدنى صلة، ثم (التقيد) بتعابير موضوعة كالقوانين التي لا يتصرف فيها أقل تصرف، فغدت القواعد تحاكي (الاسطوانات) المكرورة - وبقيت اللغة محرومة من المقايسة المعقولة وحددها المصنفون الأعاجم ذوو البيان الملتوي، والمنطق الأبكم تحديد وضعها في الأغلال، ولم ينظر إليها المحدثون نضر البصير بل ازدادوا في تمحلاتهم والعصر يتطلب السهولة، والبراعة، والسرعة وطلاقة الفكر، والتجديد، ومراوضة العقول على كيفية التعقيل. . .)
(إن الحياة تتطلب ألوان من التفكير تابعة لألوان الأيام. وإذا كان الكاتبون في علوم البلاغة، والنحو، والصرف، قد أنتجوا إلى الناحية اللفظية وخلطوا، واضطربوا، فليس لنا أن نأخذ منهم طريقتهم، لأن عصرنا يخالف عصرهم والأفكار تتمشى بطبعها مع العصور. . .
برمت العقول بما تحدثة (الحواشي) وأثباهها من الافتراضات البعيدة الذاهبة بحقيقية العلوم إلى ما وراء الخيال، ووقفت الإفادة إلى حد المناقشة في أسلوب التعاريف البلاغية والنحوية ونقد حدودها بأسلوب يحتاج إلى النقد، وبدى أن طالب الاستفادة لا يشغله غير م يدله على موطن استفادته، أما الأوهام التي يدل عليها قولهم: (فإن قيل)، فليس لها مدخل في الصميم فمتى تشذب هذه التواليف وتؤخذ الزبدة حتى تكون سائغة مقبولة؟
(إن الأعراب كانوا ينطقون بالسليقة والفطرة، فلم يعرفوا التنافر وضعف التأليف، والحركة الظاهرة والمقدرة، والإظهار، والإضمار، والاتصال، والانفصال - بل كانوا يرسلون القول إرسالا).
(إن معرفة الآراء واجبة، لكن التكليف والإرغام، والموافقة والاستسلام، لا يجب أن تكون حاجزا بين المناقشة وطرد مالا تستسيغه العقول فليس واجبا حصر العقول في خلافات سيبويه والكسائي والفراء وابن خروف وابن جنى، أو متابعة أقوال السكاكي والزمخشري والقزويني - لأن بحوثهم استطرادية). . .
(الطريقة المثلى التي يجب أن تدرس بها علوم اللغة تكون في الاقتصار على الاستشهاد من أقوال العرب الخالصين بالقواعد التي وضعها الأقدمون ثم الإشارة إلى المواضع التي اختلفت فيها الأقوال).
(يجب أن يقوم بعض المضطلعين بعلوم اللغة، والواقفين على أسرارها بوضع كتب علمية خالصة تحمل القواعد في أسلوب بعيد عن التلوى والتأويل، والتجوز، والمحاورة).
وقلت في جريدة (الجهاد): إن لغة التأليف في كتب الأزهر تقوم على التلوى والمداورة، والتأويل، والتحوير، والإلفاز والتعمية - واللغة العربية هينة لينة بعيدة عن التكلف والغموض بل هي احفل اللغات في التوسع والتجوز، وحفلت الفاظها بالمترادفات، وكثرت التعابير المجازية والكنائية في سلاسة وقرب مأخذ.
لكن السادة المؤلفين - رحمهم الله! - كانوا يرون البراعة من حيث الإعراب ويعدون الدقة في فصل العبارات بعضها عن بعض وتقديم الصفة على الموصوف والمتعلق على ما تعلق به، وعود الضمير على المتأخر في اللفظ والرتبة، والاستطراد، والإشارة البعيدة، والرمز الخفي، إلى غير هذه الأمور (المصطنقة) في التأليف العلمي.
هذا وكان الوقوف عند القديم وتمسك القائمين على التعليم في الأزهر (بالعبارة العلمية) المقصود بها (الحفظ الأعمى لا الفهم المبصر).
مما سبب عدم العناية بتلك التواليف الجامعة بين الورود والأشواك!! وبعد؛ فالحياة قد تغيرت، والعقول تفتحت، والمواهب تععدت؛ وليس عسيرا على أصحاب الوعي من علماء الأزهر تكوين هيئة تبرز العلم الصحيح في أسلوب واضح، سلس، شائق.
بور سعيد
أحمد عبد اللطيف بدر