الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 873/الكُتُب

مجلة الرسالة/العدد 873/الكُتُب

بتاريخ: 27 - 03 - 1950


جنة الحيوان

تأليف الأستاذ طه حسين بك

للأستاذ إبراهيم محمد نجا

(الفن للفن) و (الفن لخدمة المجتمع)، نظريتان تؤثران أعمق التأثير فيما ينتجه الأدباء والفنانون المعاصرون من ألوان الفن والأدب، من حيث طبيعة هذا الإنتاج، والمنابع التي ينبع منها، والمؤثرات التي يتأثر بها، والأهداف التي يهدف إليها. ولكل نظرية من هاتين النظريتين أدباء وفنانون يتشيعون لها، ويخضعون في إنتاجهم لمناهجها المقررة، ومبادئها المحررة، وأهدافها المرسومة، إن صح أن يخضع الفنانون والأدباء للمناهج والمبادئ والأهداف!

فالذين يذهبون في إنتاجهم مذهب الفن للفن يتسم إنتاجهم بالذاتية، ويمتاز بالتجارب الخاصة. وهم لا يريدون بإنتاجهم شيئاً غير التنفيس عن مشاعرهم وأحاسيسهم بالتعبير عنها تعبيراً يكفل لأنفسهم الهدوء والراحة، بعد القلق والعناء، دون أن يقصدوا إلى إمتاع الناس أو نفعهم، وإن كان أدبهم في ذاته يحقق بعض ذلك أو كله للناس.

والذين يذهبون في إنتاجهم مذهب الفن لخدمة المجتمع يعرضون في هذا الإنتاج لما يفيض به المجتمع الذي يعيشون فيه من المشكلات الكثيرة المتنوعة، سواء أكانت هذه المشكلات مادية أم مذهبية أم نفسية. ولا يبغون من وراء ذلك إلا أن توجد الحلول المناسبة لهذه المشكلات فيتحقق بذلك نفع الناس وخدمة المجتمع ولا يعنينا هنا أن نوازن بين أدب هؤلاء وأدب أولئك، وإنما يعنينا أن نذكر هذين اللونين من ألوان الأدب والفن لنقول إن القراء يختلفون اختلافاً شديداً في الإقبال على هذا اللون دون ذاك؛ فبعض القراء يؤثر اللون الذاتي الذي يحقق له المتعة النفسية الكاملة، ويكلف به، ويقبل عليه، وبعضهم الآخر يؤثر اللون الاجتماعي الذي يجد فيه صدى قوياً لحاجاته المادية، ومطالبه الاجتماعية، ويعرض عن سواه مما لا يجد فيه شيئاً من ذلك.

نعم، ولكن هناك لوناً فريداً من ألوان الأدب استطاع أن يلائم بين هاتين النظريتين ملاءمة قوية ناجحة، فاستطاع بذلك أن يجمع هاتين الطائفتين المختلفتين من القراء على الإقبال عليه، والإعجاب به، والتشييع له؛ لأنه جمع بين المتعة الفنية الكاملة التي يحققها التعبير الرائع، والتصوير البارع، والعرض الخلاب، والمنفعة الاجتماعية التي يجلبها تصوير المشكلات الاجتماعية المختلفة تصويراً دقيقاً، والدعوة القوية إلى حياة تقل فيها المشكلات إن لم تنعدم، وتتحقق فيها العدالة الاجتماعية، والحرية الإنسانية، على نحو يرتفع بالحياة البشرية عن المستوى الذي نزلت إليه.

وهذا اللون نادر في أدبنا العربي المعاصر. ولا يوجد في هذا الأدب ما يمثل اللون الفريد النادر كما يمثله أدب طه حسين في كتبه الكثيرة المنوعة.

من هذه الكتب التي تمثل هذا اللون من ألوان الأدب، كتاب (جنة الحيوان) الذي أخرجه عميد الأدب العربي للناس منذ قريب. وهذا الكتاب إنما هو صور نفسية دقيقة لبعض الشخصيات المعاصرة التي عرفها الكاتب العظيم معرفة خبرة وتجربة ثم صورها بقلمه الساحر القدير هذا التصوير الدقيق الذي يخلع عنها ما تصطنعه من العظمة، وتتكلفه من المظاهر، فتبدو أمامنا عارية إلا من مباذلها ونقائصها.

ومن خلال هذا التصوير الدقيق لتلك الشخصيات المعاصرة تظهر لنا الأفكار الإنسانية السامية، والمبادئ الاجتماعية النبيلة التي يعتنقها الكاتب العظيم عن يقين وإيمان، ويدعو إليها في قوة وإخلاص. وقد أصبحت هذه الأفكار والمبادئ في غنى عن التعريف بما أذاع عنها الأستاذ العميد، ودعا إليها في الصحف والمجلات والمنتديات.

وموقف الكاتب من شخصياته التي يصورها في هذا الكتاب يختلف تبعاً لطبيعة هذه الشخصيات، ومكانها من نفسه.

فهو يسخر من بعضها سخرية مرة، ويتهكم به تهكماً لاذعاً، كما يبدو في حديثه عن (ثعلب) و (الطفل) وأمثالها من الصور النفسية والنماذج البشرية. وهو يداعب بعضها مداعبة محرجة، ويعاتبه عتاباً مؤثراً، كما يبدو ذلك في (حديث القلوب) وهو في كل ما تحدث به في هذا الكتاب، صاحب القلب الإنساني الكبير الذي يقول بعد أن يعرض لما تشقى به بعض الأسر من دفع نفقات التعليم، ولما يفعله بعض كبار وزارة المعارف الذين تعلموا على نفقة الدولة، ثم يريدون أن يحرموا غيرهم من أن يتعلموا على نفقة الدولة كما تعلموا: (اللهم اشهد إني ما ذهبت قط إلى الجامعة أو إلى وزارة المعارف إلا كانت هذه القصة ملء قلبي، وإلا ذكرت أني كنت سعيداً حين تعلمت على حساب الدولة، فمن الحق أن أتيح بعض هذه السعادة لأكبر عدد ممكن من شباب مصر، ولو استطعت لأتحتها لهم جميعاً. ومن يدري فما لم نستطعه أمس قد نستطيعه غداً. ولابد أن يبلغ الكتاب أجله، ولابد لمصر من أن تظفر بحقها من العدل في يوم من الأيام).

هذه كلمات لا يقولها إلا من كان ممتلئ النفس بحب الإنسانية، قوي العزم على العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية. بل هذا اعتراف لا يصدر إلا عن صاحب (الأيام) وأمثاله من ذوي العظمة النفسية، والضمائر الحية.

وأسلوب طه حسين في هذا الكتاب هو أسلوبه في كل ما كتب. . . أسلوب سهل المفردات، واضح التركيب، ينساب في حرية، ويسترسل في طلاقة. وميزة هذا الأسلوب كامنة في موجاته الموسيقية الطويلة التي هي من خصائص الموسيقى التصويرية، ولهذا استطاع طه حسين أن يصور بهذا الأسلوب ما يشاء من المشاعر والأفكار تصويراً دقيقاً رائعاً مؤثراً. ومن عجائب هذا الأسلوب أن القارئ حين يقرؤه يظن بنفسه القدرة على الإتيان بمثله، فإذا حاول ذلك انقطع وتحير، وأنه يحتفظ بكل خصائصه الفنية حتى حين يتناول مشكلات المادة، وشئون المعيشة، ومطالب الموظفين!.

ونستطيع أن نقول إن أسلوب طه حسين هو خير نموذج للشعر الحر الذي يخلص من قيود الوزن الموحد، والقافية المشتركة: ولهذا فقد استطاع صاحب هذا الأسلوب أن يجعل نثره شعراً. . . شعراً موزوناً مقفى سواء أراد ذلك أم لم يرده؛ فقد بدأ الفصل الذي عقده في كتابه وسماه (الفانيات) بهذه العبارات المنثورة التي ننسقها تنسيق الشعر، ونسميها (طيف)، ونوردها فيما يلي:

من أين أقبلت يا ابنتي؟ ... من حيث لا تبلغ الظنون!

ماذا تريدين يا ابنتي؟ ... أقول ما لا تصدرون!

كيف تقولين يا ابنتي؟ ... أقول ما لا تصدقون!

أسرفت في الرمز يا ابنتي ... بل مالكم كيف تحكمون؟

وينظر الشيخ حوله ... فلا يرى من يحاوره وينكر الشيخ نفسه ... ولا شكوك تساوره

فقد رأى شخصها الجميل ... تظله هذه الغصون

ولم يزل صوتها الضئيل ... يثير في نفسه الشجون

وكانت الشمس قد تولت ... كالأمل الخائب الكذوب

وظلمة الليل قد أظلت ... كاليأس إذ يغمر القلوب

أما بعد، فخلاصة ما يقال في هذا الكتاب أنه صور نفسية دقيقة لبعض الشخصيات المعاصرة، وأنه يجمع بين التصوير الفني الذي يحقق للنفس المتاع، والهدف الاجتماعي النبيل الذي يجلب للناس الخير. ولهذا فقد لازم بين النظريتين المختلفتين، وجمع بين الطائفتين المختصمتين!

وليس ذلك بعزيز على عبقرية طه حسين، ومقدرته الفنية الفائقة.

إبراهيم محمد نجا

ابن المعتز

وتراثه في النقد والأدب والبيان

سفر جديد ألفه الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي الأستاذ بكلية اللغة العربية، ونشرته مكتبة الحسين التجارية بأرل السكة الجديدة بمصر لصاحبها محمود توفيق، في أربعمائة صفحة من الحجم الكبير على ورق أبيض مصقول.

تناول مؤلفه فيه، هذا العالم الفذ، والشاعر العبقري، والكاتب البليغ، والناقد الأديب، والعالم المجلى في حلبة العلم والعلماء، والمؤلف الممتع فيما كتبه من مؤلفات وبحوث؛ في تفصيل واسع، وتحليل دقيق، لحياته وشخصيته وشعره وأدبه وأثره في النقد والبيان.

وهو أول كتاب في الأدب العربي، يؤلف وينشر في حياة ابن المعتز الخليفة العباسي م 296هـ وآثاره الفنية والأدبية والعلمية ويمتاز بدقة البحث وعمق الفهم والاستنتاج وكثرة المصادر وتنوعها وتعدد ألوان التجديد في الدراسة الأدبية.

وقد صدره مؤلفه بكلمة عن عهد الفاروق الزاهر، وفيض رعايته وتشجيعه وعطفه على النهضة الفكرية والعلمية والأدبية في وطننا الخالد وفي شتى بلاد الشرق العربي.

ولاشك أنه سفر نفيس، جدير بالاهتمام وبعناية القارئ وحرصه على اقتنائه.

وفيات الأعيان لابن خلسكان

يعد هذا الكتاب موسوعة تاريخية قيمة، ومرجع من أوثق المراجع في تراجم الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي منذ فجره إلى القرن السابع. ويعد مؤلفه من خيرة من كتبوا في التراجم من حيث تحري الدقة في البحث، والأمانة في النقل، وذكر المراجع التي يأخذ عنها، وعدم تحكيم عواطفه الخاصة في كتاباته. ولعل مرد هذه الخصائص يرجع إلى طول اشتغاله بالقضاء. غير أن هذا الكتاب قد أصابه من التحريف، ورداءة الطبع، وندوة بسخه ما جنى على قيمته، ونال من مكانته، كمرجع من أهم المراجع التاريخية للباحث. وقد توفر على مراجعة هذا الكتاب، وتحقيق نصوصه وضبطها، وشرحها ووضع فهارس له فضيلة الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد وتسنى له إخراجه في سبعة أجزاء. والعمل الجدير بالتنويه والشكر هو دقة فهارسه وشمولها. ومن أهم ما تحتاج إليه أمثال هذه الموسوعات هو الفهارس الدقيقة الشاملة فهي بمثابة المعالم التي تحدد المواقع وترشده إلى الأهداف وتعيين السالك في فجاجها، تعصمه في مناهاتها من الضنى أو الضلال. وقد ركز أستاذنا - جهده فيما يستحق الجهد من عمل هذه الفهارس، فقد وضع فهرساً عاماً تناول فيه الأعلام بحسب اسم الشخص وأبيه وجده وما اشتهر به من كنية أو لقب. وفهرساً للقرون يذكر فيه شخصيات كل قرن، ثم فهرساً للطبقات العلمية يذكر فيه كل طبقة على حدة - طبقة الشعراء والمغنيين والقضاء والولاة والمتكلمين وغيرهم كل طبقة في إطار فهرسها الخاص، ثم فهرساً بالكلمات التي ضبطها المؤلف نفسه من نسبة أو اسم بلد أو علم غريب أو كلمة لغوية أو مثل. فمتى يتاح لذخائرنا أن تبعث ولتراثنا أن يحقق وينشر؟

محمد عبد الحليم أبو زيد