الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 872/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 872/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 872
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 20 - 03 - 1950


إلى صديقي الأستاذ عباس خضر:

. . . تطيب نفسي بقراءة بعض ما تنشره في باب الأدب والفن، لما فيك من براعة في التقاط (القفشات) وتصيد (النكات) في مجالس الأدب وتسجيلها، ولكم أثنيت عليك ودعوتك إلى المزيد من الانتباه والإتقان.

كأني بك يا صاحبي أردت إقامة دليل يقنعني بأنك (أتقنت الصفة) فعمدت إلى مداعبتي مداعبة حلوة خفيفة الروح والظل ولكن؟. . ولكنها برغم حلاوتها وخفتها، لم يكن لك فيها سوى فضل الناقل المسجل فقط، أما خلق المناسبة للنكات، وتهيئة الجو لها، ولمحها ببراعة فهو راجع (للمعداوي) مرة و (للزيات) مرات، ولإنسان آخر.

وكأني بك، مرة ثانية، أردت أن تحذو حذوي فيمن أخاصم وأصادق من الأدباءفخاصمتني، ولكنك تعثرت في الخطوة الأولى، وأزعم أن الذي يتعثر ويكبو في الخصام قد لا يهتدي إلى السبيل المؤدي إلى الفوز والنصر.

تعال معي يا صاحبي إلى صميم الموضوع بغير خصام، قلت (أني جنحت في تأبين فقيدنا العزيز علي محمود طه إلى القضايا العقلية ولم أعن بتندية كلامي بماء العاطفة)

أجل لقد جنحت إلى العقل في رثاء الصديق الشاعر الذي فقدنا صداقته وشعره، وتعمدت إبراز الصفات والسجايا والخلائق والمزايا التي عرفته بها حساً ومعنى وعدتها، ولعل صفة البوهيمية التي اجتذب بها جل أصحابه كانت أبرز صفاته وأحلاها في حياته الواقعية والخيالية، ولم أنزع إلى محاكاة الشعراء الذين عناهم فيلسوف المعرة بقوله (كذب يقال على المنابر دائما) لهذا قلت في مستهل خطابي (ما جئت أبكي صديقي الراحل) ثم ما قيمة البكاء على الميت؟ وهل إذا نديت كلامي بماء العاطفة كنت أضفت صفة جديدة إلى الصفات التي اجتمعنا للاحتفال بها، أو أن الاحتفال لا يكون ذا قيمة بغير دموع؟ إن البكاء صناعة يعرفها الشعراء البكاءون الندابون. . . الحريصون على استبكاء الناس في المآتم حرصهم على استضحاكهم في الأفراح. ألم تسمع يا صاحبي إلى شاعر من شعراء تلك الحفلة وقد عتب على الله كيف انتزع الورد - أي علي محمود طه - وسأله سؤال اللائم لماذا أبقى على (الشوك) أي على جميع من بقي يمشي على الأرض بعد موت الشاعر!! ألم تقتبس أبياتا من قصيدة قلت أنها (جيدة) أي فوق الدون والوسط من الشعر الذي أنشده شعراء الحفلة أليس معنى تلك الأبيات، إذا ترجمت إلى لغة النثر هي الإهابة بالناس المترقبين عودة صاحب الملاح من الشاطئ المهجور والقول لهم (لا تحلموا بمجيئه لا تحلموا)

لندع الشعراء جانبا لأنهم في واد غير وادينا، ولأننا نفهم نحن غير الشعراء أن حفلات التأبين إنما تقام لذكر المناقب وغير المناقب التي أحدثت حدثها وتركت أثرها في الناس، واسمع ما قاله (الزيات صاحب الرسالة) في صديقه علي محمود طه، وكيف عرفه وأحبه، وقد رأى انطواء الفيلسوف المفكر والشاعر الحالم ثم كيف لقيه في زحمة الحياة وقد تشعبت فيه أصول الجمال والحب واتسع في قلبه الحب للخير والإخاء والمروءة، وكيف كان طاغي الشخصية مستبدا بالحديث وكان شعره صورة لشخصه ومرآة لنفسه؛ ثم قارن ما ذكرته أنا من صفات عرفتها في الفقيد، في حالتين متباينتين، في الخصومة الأدبية العنيفة، وفي الصداقة الطيبة والعربدة أيضا، تجد أننا اتفقنا - أنا والزيات - في رسم الخطوط الرئيسية لمن يتوفر على دراسة لشاعر الصديق علي محمود طه. وأزعم أن صدر الأستاذ الزيات ينطوي على معلومات في حياة الفقيد الخاصة والعامة، تماثل وتزيد على معلوماتي عنه، وإن من الخير أن نشر تلك المعلومات ليتيسر للباحث الكلام عن الشاعر الذي خلده شعره.

كلمة أخيرة أقولها للأستاذ عباس، إن جميع حفلات التكريم والتأبين في وقتنا الحاضر إنما تقام للإعلان والظهور، وأن ليس للإعلان معنى غير النفاق والرياء والمجاملات الكاذبة، وأن من أوجب واجبات الكاتب محاربة الطبالين والزمارين في حفلات التكريم، والندابين النواحين في المآتم، وأعتقد فيك الكفاءة لشن هذه الغارة.

حبيب الزحلاوي

حول الأزهر - إلى ضياء الحائر

ليس عيبا أن نرى شكاة لطالب نجيب مثلك يا ضياء. يبعثها ضيق بتلك المواد العقيمة التي تدرسها في كليتك. ولكن العجب أن لا تجد هذه الشكاية ومثيلاتها آذانا مضغية لدى المهيمنين على شئون الأزهر.

إن مناهج الدراسة في كليات الأزهر مبنية على أسس غير سليمة، ذلك لأن العنصر الأول الذي تقوم عليه الحياة الجامعية - وهو حرية البحث - ليس له أثر في تلك الكليات. ولن ترى إلا كتبا - هي بدار الآثار الأولى -. وهذه الكتب يكلف الطلاب دراستها. ويقع العبء الأكبر من ذلك على كواهلهم ولكن ما الحيلة والطالب لا يستطيع فهمها منفرداً؟

إذا فليتسلح ليلتهمها التهاما وليذهب بصره، ولتضعف صحته ولتنهد قواه، وما هو ببالغ شيئا من الفهم الدقيق، والاستيعاب الذي يقوم على التحليل والتفصيل. فطالب الأزهر مثله كمثل شخص لا يعرف (السباحة) ألقيته في (البحر) ثم قلت له اسبح يا عزيزي.

وإذا كان هذا شأن الدراسة في كليات الأزهر - ونحن في عصر التخصص - فما بالك به في معاهده؟ هناك العجب العجاب هناك ما يبعث الحسرة في النفوس، ويطبع اللوعة في القلوب. هناك ويا هول ما هناك: ملكات تقبر، ومواهب تقتل، وعقول تسخر، فأول ما يفاجأ الطالب في أول عام من التحاقه بالأزهر أن يكلف بحفظ ما يتلقاه من علوم. ويدرس دراسة يعوزها التوجيه والإرشاد. ولهذه الطريقة أثرها السيئ في حياة الطالب فلا يلبث - بعد أن تتقدم به الحياة الدراسية - أن يرى ظلالا قائمة تنعكس على حياته. مما يبعث على تشاؤمه وحيرته.

لا بد للأزهر أن ينظر في برامجه نظرة تربوية - على وفق ما تسير عليه وزارة المعارف - وليس بضائرنا أن نقلد ما دمنا نروم الصالح للجيل الجديد؛ فنحن حياله مقصرون جد التقصير، ونحن محاسبون عن ذلك أشد الحساب.

ولدى ضياء: عنى المفكرون وأعلام الثقافة في مصر بإصلاح الأزهر. وكأني بهم قد أسفوا لما لحق بالأزهر من ركود وتخلف عن ركب الحياة. وكانت لهم آراء سديدة لها وجهاتها وأصالتها. ولو أخذ بها لكان للأزهر شأن أي شأن. ومنزلة سامية بين جامعات العالم الحديثة.

أي بني: لا يصلح الأزهر إلا بالمدرس الصالح، والكتاب الصالح ونحن لا نقول عن المدرس إلا أنه - في ثقافته وإنتاجه - مازال عالة على غيره وإلا فإمامنا الكتاب والمؤلفون والمفكرون في مصر أفلا نرى أن جلهم من أبناء الجامعة. تلك التي طغت على الأزهر ظهرت عليه. والفرق بينهما أنها سايرت العصر وواكبت الحياة، ونهلت من ثقافة الغرب، فوقفت في مصاف الجامعات الأوربية. أما الأزهر - أقدم الجامعات في العالم - فقد على عض كتب القدامى بالنواجذ. ولم يتصرف فيها بشيء من التهذيب والتنظيم. وفضلا عن ذلك فإنه لم يراع ظروف الحياة ولا تقدم العصر. فتأخر عن الصفوف ورجع القهقرى، أما الكتاب الصالح فلن تجده في الأزهر. وتبعة ذلك تعود على المدرسين. يا ضياء لك من اسمك ما يهديك. فلم الحيرة يا بني؟ هذه هي حياة الأزهر فاعتصم بالصبر وسر على بركة الله في الدراسة واستمد منه العون في استذكار دروسك. ولا تجعل للحيرة إلى قلبك سبيلا.

أزهري عجوز

حول (حيرة الجيل الجديد في الأزهر)

شيئان يعيبان التعليم في الأزهر وهما سبب ما يعاني الشباب الأزهري من حيرة وتعب، الكتب الأزهرية العتيقة: وليست مشقتها في تعقيدها فقط بل هي أيضا تفاهتها وخلطها بين مختلف العلوم في سياق واحد وفي بعدها عن الحياة ومجافاتها روح التعليم بل التربية. ثم منهج التعليم نفسه؛ فهو يحرص على قطع الصلة بين المتعلمين والبيئة التي يعيشون فيها ويعني عناية كبرى بالمواد التي تتوقف على الحفظ ويعني في هذه المواد أيضا يحفظ التعريف والشروط والأقسام بينما يهمل النواحي التطبيقية التي تدرب الناشئ على الفهم والإنشاء والجغرافيا والحساب والهندسة والجبر تدرس بصورة شكلية وأكثرها درس في الأقسام الابتدائية ثم يتفرع المنهج للعلوم النظرية الكلامية وفي تلك الكتب التي تعنى بمضغ الألفاظ وإثارة الجدل الكلامي فيما لا جدوى منه

وهذا هو سبب شعور الطالب الأزهري بالغربة عن مجتمعه وإحساسه بعدم القدرة على الاندماج في الناس لأن آراءه وأفكاره ومناقشاته تتأثر بطريقة تعليمه وهي طريقة غريبة على الناس في هذه الأيام - ثم هو يشعر في قرارة نفسه بنقص ثقافته وضيق أفقه في التفكير وعدم قدرته على تعليل الأشياء بعللها الحقيقية. وهذا أيضا هو سر اعتكاف الأزهريين حتى بعد تخرجهم فهم يعيشون في محيط خاص ولا يقربون الناس إلا بحذر.

ويبدو أن الشباب الأزهري بدأ يتمرد على هذا الأسلوب العتيق من التعليم بعد أن كثر المدرسون الأزهريون في المدارس ورأوا نمطا من التربية ونظما من المناهج والكتب خيرا مما درسوا ولعل المسؤولين في الأزهر ومن بيدهم الأمر فيه يستجيبون لصوت الشباب فيتخلوا عن كتبهم التي لم تعد تصلح للتعليم ولا عيب على الأزهر أن يستعين في درس علومه بكتب غير أزهرية مما ألف حديثا في كليات الجامعات الأخرى.

إن هذه الكتب الأزهرية لا جدوى ورائها غير ضياع الجهد والوقت وإنفاق أيام الشباب وزهرة العمر رخيصة في هذا السبيل ولكن هل يقرأ شيوخ الأزهر شيئا من شكوى الشباب؟

معهد سوهاج

عصام الدين شلبي