الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 868/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 868/البريد الأدبي

بتاريخ: 20 - 02 - 1950


الأداء النفسي في القصة المصرية القصيرة:

منذ أسابيع، وأنا أرقب من منظار النقد محاولة جديدة في بناء القصة المصرية القصيرة، وكانت نفسي وأنا أرقب هذه المحاولة، موزعة بين الإعجاب الخالص والإشفاق البالغ. . . أما الإعجاب فمبعثه إنني كنت - منذ أمد بعيد - أتطلع إلى ذلك اليوم الذي أعثر فيه على (الأداء النفسي) وقد غزا ميدان القصة، بعد أن عثرت عليه وقد غزا ميدان الشعر.

وحين عثرت على هذا الأداء - فجأة وعلى غير انتظار - غمرتني هذه النشوة التي تغمر كل صاحب فكرة تمليها وجهة من وجهات النقد، وتحققها دورة من دورات الزمن. . . ومن هنا كان هذا الإعجاب الخالص بتلك المحاولة التي بدأها على صفحات (المصري) منذ أسابيع، ذلك القصاص الشاب زكريا الحجاوي!

وقلت لنفسي بعد أن قرأت له أول قصة: ترى أيكون هذا القصاص قد اهتدى إلى النبع، نبع الأداء النفسي الذي كم تمنيت أن تكون أول ريشة تغمس فيه هي الريشة المصرية؟ وامتزج الإعجاب الخالص بالإشفاق البالغ، خشية أن تكون قصته الأولى رمية أصابت الهدف من غير قصد!. . . ونشر الأستاذ الحجاوي قصته الثانية وإذا أنا أرجع إلى نفسي وأراجع إشفاقي: لقد كان المنهج المرسوم والهدف المقصود واحدا في القصتين، ولم تهتز الريشة في يده. إنها تتجه إلى النبع الذي كنت أتطلع إليه في خط مستقيم لا انحراف فيه! وبقي الإعجاب كما كان وتبخر جزء كبير من الإشفاق. . . وحين دفع القصاص الشاب إلى القراء بقصته الثالثة ومن بعدها الرابعة، أدركت تماما أن هناك محاولة جديدة لخلق قصة جديدة، أو بدء محاولة تخطو إلى غايتها في وعي وثبات وهي مفتوحة العينين!

فقد اهتدى القصاص الشاب إلى النبع، وتلك محاولة من حقه علينا وعلى تاريخ الأدب أن نسجلها له. . . ونحن الذين قد قمنا من جانبنا بتلك المحاولة التي تهدف إلى مذهب جديد في النقد هو مذهب الأداء النفسي في الشعر، يسعدنا أن نعثر بين الكتاب المصريين على من يبدأ بمثل هذه المحاولة في ميدان آخر هو ميدان القصة القصيرة. ذلك لأننا مطالبون في هذه الفترة من حياتنا الأدبية بأن يكون لنا كيان فني قائم بنفسه مستقل بطابعه، أعني أنه قد آن لنا أن نتخطى مرحلة المحاكاة الناقلة إلى مرحلو الأصالة الخالقة، أو مرحلة الجلوس حول موائد الغير إلى مرحلة الجلوس حول موائدنا الخاصة!

. . نريد هذه المحاولات (المذهبية) المستقلة وندعو إليها في كل فن من فنون الأدب، فإذا تحقق هذا الحلم الجميل واستجاب له كان كاتب في محيط مواهبه الأصيلة وملكاته الذاتية، أمكننا أن نظفر بذلك (الأدب المصري) الذي تنسب فيه كلمة (المصرية) إلى منهجه الفني المتفرد بطبيعة التفكير وطريقة التعبير، قبل أن تنسب إلى موطنه الذي يضفي عليه ظلال البيئة ويغمره بأضواء المكان!

إننا نبارك هذه المحاولة الجديدة وقد ونلفت إليها الأنظار، وهي المحاولة التي طبقها الأستاذ الحجاوي على قصصه الأربع: (يوم الزفاف و (أنا قديس) و (الطريق الخامس) و (الشارع المسدود). . . وليثق هذا القصاص المصري الشاب أنه لو سار على هذا النهج (المنهج النفسي) الذي اختطه لفنه في بناء القصة القصيرة، ليثق كل الثقة من أننا سوف لا نكتفي بتسجيل محاولته، بل سنعمد إلى وضعها تحت مجهر النقد الذي يكرس وقته وجهده لتحليل كل ظاهرة مذهبية جديدة في حقل الأدب المصري الحديث. . علينا هذا، وعلى الأستاذ الحجاوي أن ينهض بإتمام محاولته!

سهو من الذاكرة

في مقالنا الذي ظهر في العدد الماضي من الرسالة وردت هذه الآية الكريمة: (ورأى جداراً يريد أن ينقض)، وهو سهو من الذاكرة. . . وصحتها: (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض)

أنور المعداوي

هل التواليت كلمة عربية؟

اذكر في جلسة بندوة الرسالة أن تحلقنا حول الأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات، وتطرق الحديث إلى شئون وشجون حول انحرافات اللغة العربية ولهجتها في الأقطار الناطقة، وكم كان جميلا أن يدلي كل منا بدلوه. فقد كان خليطا من أبناء تلك الأقطار أو رواد بعضها أو من العارفين ببعض اللغات الأوروبية.

ودار الحديث حول بعض ألفاظ من اللغة الفرنسية ذوات أصول من اللغة العربية مثل واصلها قميص، ` واصلها بطيخ، واصلها أمير البحر. . .

وهنا قلت مع القائلين: الرفاق وقالوا: فما أصلها؟ قلت أصلها من (التولة). قالوا: وما التولة؟ قلت: قال رسول الله ﷺ (الرقى والنمائم والتولة شرك) وجاء في لسان العرب: والتولة (بضم التاء وفتح الواو واللام) ضرب من الخرز يوضع للسحر أو لتحبيب المرأة زوجها أو هو ما يحبب المرأة إلى الزوج من الخاتم. وعند صاحب القاموس المحيط التولة هي السحر أو شبهه في خرزة تحبب معها المرأة زوجها، وزاد على ذلك رسمها بكسر التاء ومرة أخرى بفتحها مع تسكين الواو والجمع تولات، وتال يتول عالج السحر. وفلان ذو تولات أي ذو لطف وسحر.

أما الكلمة الفرنسية هي تصغير ومعناها (الزينة أي وكذلك (قطعة الأثاث المزودة بكل الأدوات الخاصة بلوازم الرأس والملبس).

لا عجب إذن في أن تكون الكلمة الفرنسية مأخوذة من الكلمة العربية، وورودها في حديث الرسول عليه السلام قبل فتح الاندلس، بل قبل الاتساع والاتصال والترجمة في الزمن العباسي.

والكلمة العربية فضلا عن ذلك غنية بمشتقاتها فمنها الاسم والفعل والصفة. وجدير بنا أن نعمل على إحيائها وتداولها، وتلك الرسالة منوطة بمجلة الرسالة الغراء والمجمع اللغوي الموقر.

محمد محمود زيتون

ذكرى صادق عنبر

حلت الذكرى الثانية عشر لوفاة فقيد اللغة والأدب المرحوم محمد صادق عنبر، فذرفت عليه ابنته دمعة تقاطرت في هذه الأبيات:

أواه من ذكرى إذا هي أقبلت ... لم تُبق في سكينة ركونا

أواه منها حين تأسر مهجتي ... فتثير فيها لوعة وشجونا

يا نسمة من والد ترك ألدُّنا ... أجريت دمعاً كان قبل مصونا

يا أدمع الذكرى حنانك أشفقي ... فالدمع أوجع ما يكون سخينا

يا قلبي الملهوف هل لك سلوة ... تُهدي إلي وداعة وسكونا؟ أبتاه! والذكرى حياة طلقة ... تفني السنين وإن مررن قرونا

قد كنت لي عموناً فصرت بغيره ... لا أعرفن على الزمان معينا

قد مر عيشي بعد فقدك علقما ... ولقيتُ من دنيا الهموم فنونا. . .

وألفت أُكدر الحياة كريهةً ... ورضيت بعدك أن أذوق الهُونا

لو كنت حياً لم تكن لي غصة ... ولكان همي عارضاً مرهونا. . .

أشتاق طيفك في المنام يزورني ... فيخاصم النومُ العنيدُ جفونا

فأزور قبرك في الغداة يهزني ... شغف بقربك لا يزال كمينا

وأطوف بالقبر الذي أودعته ... أملا عزيزاً في التراب دفينا

ويطول بي التطواف غير ملولة ... أعلي النداء تشوفا وحنينا

ويظل صوتي هاتفا في كربة ... حتى يمزقه الهتاف أنينا

وأروح من بعد الطواف حسيرة ... في سكرة تدع الفؤاد طعينا

أبتاه! إن بكت الرفاق فقد بكي ... قلما يتيه به الأديب مبينا

وبكت إخاءك إذ رحلت مصافيا ... ثبت المقام على الإخاء أمينا

وأنا التي أبكيك. كنز أبوة ... أبكيك ركنا في الحياة ركينا

أبكيك قلبا خافقا لي رحمة ... ما إن يزال بها الزمان ضنينا

أبكي منار هدى، وظل هناءة ... ومناط عز لا يرام مكينا

فلئن ذكرتك في مغيبك، إن لي ... قلبا بموصول الوقاء ضمينا

وداد صادق عنبر