الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 866/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 866/الكتب

بتاريخ: 06 - 02 - 1950


(عثرات اللسان)

صنفه الأستاذ عبد القادر المغربي عضو مجمع فؤاد الأول

للغة العربية

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

لا عجب أن يصنف الأستاذ المغربي هذا الكتاب فهو من أشد العرب حرصاً على سلامة العربية. وهو في تصنيفه هذا الكتاب يسير على منهج كثير ممن سبقوه من أعلام اللغة العربية الذين كانوا يجدون في كل عصر ما يثير حفيظتهم ويحفزهم إلى حماية اللغة العربية مما لا يفتأ يهاجمها من اللحن والخطأ.

وقد دب اللحن إلى العربية منذ أكثر من عشرة قرون وكان فصحاء العرب كالحجاج بن يوسف نفسه يحاذرون أن يقعوا فيه ولا كاد أحدهم ينجو منه.

والكتاب ينطوي على ثلاثمائة وخمسين كلمة بوبها الأستاذ على أقسام تجري على ترتيب حروف المعجم. ولاشك في أن اللحن في اللغة يقع في ألوف من الألفاظ فحبذا لو استطاع الأستاذ أن يمضي في إحصائه بعد ذلك حتى يستوعب بالتصحيح كل الأخطاء الجارية على الألسن.

ولمثل هذا الكتاب فائدة غير فائدته في التصحيح وذلك أن الأستاذ المصنف إنما يتناول الخطأ الجاري على السنة قطره ونستطيع منه أن توازن بين لهجات الأقطار العربية لعل بعضها ييسر للبعض الآخر تصحيح الخطأ. وقد لاحظت في تلك الأخطاء التي أحصاها الأستاذ أن كثيراً منها يستقيم في لهجة العوام في مصر. فالنذر مثلاً في لهجة الشام النذر بكسر النون هو في لهجة مصر النذر بفتح النون. والنثارة في الشام بكسر النون أيضاً وهي في مصر بضمها وهو الصحيح. وكذلك النخالة في الشام بكسر النون ونونها في مصر مضمومة صحيحة. ويمكن أن نحصي من هذا النوع عدداً كبيراً نجده سليماً في لهجة مصر محرفاً في لهجة الشام فمن ذلك المجون بضم الميم والمغربي بفتح الميم ومتر مكعب بضم الميم وتشديد العين المفتوحة ومساحة بكسر الميم ولجنة بفتح اللام وكناسة بضم الكاف وقنينة بكسر القاف وكرة القدم بفتح الراء وتخفيفها وقرض بفتح القاف وقدوم بفتح القاف وتخفيف الدال وهكذا.

واللغة العربية ليست ملكاً لقطر واحد من الأقطار بل هي ملك مشاع بين جميع الشعوب العربية ولعله من الجدير بنا إذا أردنا تقويم اللسان في الألفاظ الشائعة أن نبدأ بحصر المحرف في اللهجات العامية على اختلافها حصراً شاملاً ثم نعمد إلى جمع ذلك كله في شبه قاموس نذكر فيه اللفظ العربي السليم ونوجه أنظار الناشئة إليه في معاهد التعليم في البلاد كلها. فالاكتفاء ببيان بعض الأخطاء عمل مشكور ولكنه لا يعالج الداء علاجاً شافياً.

ولا يفوتني هنا أن أشير إلى رأي ذهب إليه الأستاذ الفاضل في مقدمة كتابه إذ قال:

(ولا يخفى أن إحياء اللغة الفصحى بيننا لا يمكن حصوله بمراعاة قواعد النحو فقط ولا بالتزام حركات الإعراب في أواخر الكلمات التي نتكلم بها في كلامنا الدارج فان هذا ليس بالميسور ولا المستطاع للجمهور. وإنما المستطاع هو تطهير كلامنا من الكلمات العامية المبتذلة واستعمال كلمات فصيحة مكانها.)

وهذا موضوع له خطورته فأنا أعرضه لطرافته وحسبي منه أنه دليل على ما للأستاذ من سعة الصدر وما عنده من الحماسة المشكورة على جعل لغة الحديث والحياة سليمة حية تقترب من لغة الكتابة في فصاحة اللفظ وتجعل لغة الأدب مستساغة عند جمهور الناس

وبعد فإذا كان لي أن استدرك به على الأستاذ الفاضل فاني أظنه يذهب إلى نوع من التشدد الذي يجعل مهمة التقريب عسيرة مع أنه يسعى إليها ويدعو إليها. فإذا كان لفظ يحتمل الإجازة على وجه من الوجوه كان الأجدر بنا أن نقره ولا نتشدد في تخطيئه ما دامت اللغة الفصحى لا تنكره ولا تأباه. فالبرسيم مثلاً يجري على الألسنة بفتح الباء وهو كلمة غير عربية الأصل على أكبر الظن إذ قد وجد في عصر أقدم من الكلمة العربية مكسورة الباء فلا ضير في بقاء اللفظ كما يستعمله الناس في مثل هذه الحالة ومثل هذا نقول في جرجير بفتح الجيم بدل جرها وكذلك لفظ ثكنة بضم الثاء وأظن أن تخطئه الذين يفتحون الثاء والكاف فيه شيء من النظر فجمع هذا اللفظ على وجهين أولهما تكن بضم الثاء وفتح الكاف والآخر بفتح الثاء والكاف وهذا يشعر بأن اللفظ كان مستعملاً في المفرد بفتح الثاء والكاف وإن لم يسمعه صاحب المعجم. والأستاذ يخطئ من قال الدخان يوزن رمان مع أن القاموس نص على صحة هذا الوزن.

وهو يخطئ من قال الدفعة بضم الدال والقاموس المحيط يذكر الدفعة من المطر. كما أنه لا يرضى أن نقول على الرحب بفتح الراء والرحب المكان المتسع ففيه وجه حسن.

وهو يصحح لفظ السحنة بفتح السين والحاء معاً مع أنه يصح أن نقول السحنة بفتح السين واسكان الحاء وهذا أقرب في التصحيح وأيسر كما أنه يصحح لفظ قروي بضم القاف فيجعلها بفتح القاف مع أنه يجوز على أنه نسبة للجمع وهو مقبول لغة ويكون معناه النسبة إلى القرى عامة لا إلى قرية معنية وقد جرى الاستعمال على إطلاق لفظ القروي على الذي يعيش في قرى الريف

هذه بعض الملاحظات صغيرة أعتقد أن الأستاذ الفاضل يرحب بمثلها فهو في عمله وتحقيقه من الأعلام الذين يرضون عن الحقيقة أكثر من رضاتهم عن الموافقة ولا يمكن أن تكون مثل هذه الملاحظات اليسيرة إلا دليلاً على فضل الأستاذ وتحية لجهده المشكور.

محمد فريد أبو حديد