الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 865/ديوان الأمير تميم الفاطمي

مجلة الرسالة/العدد 865/ديوان الأمير تميم الفاطمي

مجلة الرسالة - العدد 865
ديوان الأمير تميم الفاطمي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 30 - 01 - 1950


للأستاذ محمد حسن الأعظمي

تقوم دار الكتب المصرية الملكية الآنبطبع ديوان الأمير تميم ابن المعز لدين الله الفاطمي بأني القاهرة ومشيد الأزهر. وهذا الديوان كنز من كنوز الأدب الغالية استطعت أن أستخرجه أولاً من مكتبة الفاطميين المحفوظة في الهند لدى خلفائهم وورثتهم وهم أحفاد أولئك الذين حملوا تراثا وفيرا من العلم والأدب إلى هذه الأقطار بعد انهيار الدولة الفاطمية في مصر وتغلب الدولة الأيوبية على البقية الباقية منها. وقد عاش هذا التراث بين جبال اليمن عدة قرون، ثم رأى هؤلاء الحافظون لتركة الفاطميين أن يغتربوا بها في أرض لا يعرف أهلها العربية. وذلك لكي يبقى هذا الكنز بعيداً عن متناول الأيدي، كجهول القيمة والقدر حتى لا يفطن إليه أحد فيصيبه ما أصاب غيره من الكنوز التي تبددت بين تلاعب الأيدي وعبث الرواة وتحريف الناقلين. وقد دفعني شغفي بالبحث وحبي للاطلاع إلى أن أجوب معاهد الهند ومكاتبهم الموزعة بين طوائفها المختلفة. ولم يكن يعنيني من ذلك كله سوى محاولة العثور على وثائق تاريخية أو أدبية يفيد منها المعنيون بالدراسات الإسلامية. وكانت مملكة الفاطميين الصغيرة في الهند إحدى المناطق التي زرتها واختلفت إليها وأمكنني أن أستنسخ منها عدداً من المخطوطات الهامة والكتب العلمية الأثرية مما صنعه ملوك الفاطميين ووزراء الدعاية في دولتهم؛ فمن منثورها محاضرات المؤيد الشيرازي الثمانمائة التي ألقاها بالأزهر منذ ألف عام وهي نماذج رائعة في الأدب الكلامي وبلاغة النثر العربي والحوار المنطقي والفلسفي ومن منظومها ديوان هذا الأمير الذي يتكنى باسمه المعز لدين الله إذ يقال له أبو تميم وكان لهذا العاهل الفاطمي الأول في مصر ابنان أكبرهما تسنم دولة الشعر، وكان أصغرهما ولي عهد أبيه وهو العزيز بالله.

وقد أتيح لي أن أراجع ديوان تميم هذا على سبع نسخ مخطوطة أخرى. ثم كان لزاما على أن أقول بشرح وتعليق المصطلحات والألفاظ الغريبة وأن أضع للكتاب مقدمة تكشف النقاب عن تسلسل هذه الدولة الفاطمية إلى أن شكل حكومتها في القاهرة.

أما الديوان نفسه فهو قبل كل شيء صورة من الأدب المصري. فيه الخصائص المصرية بقدر ما فيه من الخصائص العربية فهو شاعر مصري صميم، وإن لم يكن مص والنشأة والتربي.

يرى المتتبع هذا الديوان أسماء لمواطن وأوصافها لجهات معربة بالقاهرة وضواحيها حتى اليوم، كما يكشف هذا الكتاب عن الحالة الأدبية في العصر الفاطمي وكذلك المذاهب الإسلامية والحال المذهبي في ذلك العهد. والاحتفاظ بهذا الديوان ضروري للتاريخ والأدب المصريين ولاسيما إذا عرفنا أن العصر الفاطمي قد ذهب آثاره وانطوى سجل التاريخ على مخلفاته. فلم يفتح إلا إلى منها. فقد تقرأ في المصادر التاريخية أن مائة من الشعراء هجوا أو رثوا أو مدحوا أحد الخلفاء الفاطميين. ثم لا تجد هؤلاء الشعراء ولا أشعارهم فقد أحرقت مكتبات وضاع بعضها بين: الحوادث وأعاصير الانقلاب السياسي. فكل ورقة نعثر عليها تعد ذات قيمة غالية بالنسبة لموضوع الأدب المصري بالذات. هو الذي دفعني لتقديم الكتاب إلى الحكومة المصرية بمناسبة العيد الألفي للقاهرة والأزهر.

وقد عينت الحكومة منذ اثني عشر عاما لجنة من أعلام الأدب في مصر لمراجعة هذا الديوان. ثم انتهى الأمر بإقرار طبعة ونشره وتولت دار الكتب القيام بذلك. ولم يحل دون إتمام الطبع وإنجازه سوى أزمة الورق أثناء الحرب الأخيرة. وكانت تلك اللجنة الموقرة مشكلة من الدكتور عبد الوهاب عزام بك والدكتور طه حسين بك والأستاذ أحمد أمين بك.

ولما عدت إلى القاهرة لتشكل فرع لمؤتمر العالم الإسلامي الدائم رأيت أن أضيف إلى عمل لخدمة الإسلام جهداً أدبياً آخر وهو أن أذكر إدارة دار الكتب بمعاودة العمل على نشر ديوان تمم. وقد أبدت دار الكتب نشاطاً ملحوظاً في استئناف طبع الديوان وقطعت في ذلك شوطاً كبيراً. ولعل في هذا ما يبعث الطمأنينة إلى من ينتظرون صدور هذا الكتاب. سواء أكانوا من الحريصين على ترقب كل جديد خمن الأدب المصري. أم كانوا من طلبة كلية الآداب باعتباره مادة من موضوع الأدب المصري ومثالاً من إنتاج القومية المصرية. فإني أول من يرى في هذا الديوان ظاهرة جديرة بالنظر وهي أن تميم مع كونه نشأ في بلاد المغرب وتلقى ثقافته الأولى في مهد آبائه وأجداده نراه ما يكاد يحل بمصر حتى تصبح وطنه وأنشودة آماله وأغنية أحلامه وقبلة تفكيره. فكأنه قد نسي كل شيء في وجوده ليذكر شيئاً واحداً هو أنه في مصر التي تعيش بها ويترجم عن حبه لها وشعوره بجمال الحياة فيها.

وإلى أن يجد القارئ هذا الديوان منشوراً، فإني أضع بين يديه هذه النماذج دون تعليق أو شرح استكمالاً لهذه العجالة القصيرة التي قدمتها للتعريف بتميم.

قال يرثى والده الخليفة المعز لدين الله الفاطمي:

كيف لا تعدم الجسوم القلوبا ... وترى نضرة الوجوه شحوبا

فقدوا بعدك القلوب اللواتي ... يغتدي واجب فشقوا الجيوبا

وا معزاه وا معزاه حتى ... يغتدي الدمع بالدماء خضيبا

فليذق غيري الحياة فإني ... لا أرى للحياة بعدك طيبا

وقال يذم الدهر:

أفنيت دهرك تتقي ... فيه الحوادث والمصائب

ولو اتقيت معاصي الرحمن فيما أنت راكب ... لأمنت من نار الجحيم وفي الحياة من

النوائب

إن لم تراقب من له ... حكم عليك قمن تراقب

وقال يفتخر على ابني العباس:

أقروا لنا يا آل عباس بالعلا ... فلستم لها يا آل عباس أكسبا

سبقناكم للدين والهجرة التي ... تأخر عنها جدكم وتحجبا

وكنتم بني عم النبي محمد ... وكنا بنيه وهو كان لنا أبا

وليس بنو أعمامه في دنوهم ... كمثل بنيه خلطة وتنسبا

نباجدكم عن نصره يوم بعثه ... وجد على جدنا عنه مانبا

وقال في الزهد:

يا عجبا للناس كيف اغتدوا ... في غفلة عما وراء الممات

لو حاسبوا أنفسهم لم يكن ... لهم على إحدى المعاصي ثبات

من شك في الله فذاك الذي ... أصيب في تمييزه بالشتات

يحييهم بعد البلى مثل ما ... أخرجهم من عدم للحياة

وقال يمدح الخليفة المعز لدين الله ويهنئه في يوم عيد:

ألا كل يوم من زمانك عيد ... وهل فوق إشراق الضحاء مزيد ليهنك أن الله فوقك مالك ... ودونك كل المالكين عبيد

وقد شرد الله الأعادي والضنى ... وأعقب نار الحادثان خمود

وللناس آمال ضروب وأنفس ... تسوق إلى أوطارهم وتقود

وليس لنا إلا عليك معول ... وليس لنا إلا إليك محيد

وقال يمدح الإمام العزيز بالله وهي أول قصيدة قالها فيه عام 365هـ.

ما السيف أمضى منه في عزمه ... في غمده إذ سل من غمد

يا أيها البدر الذي جده ... محمد أكرم من جد

ويا عزيزاً هو عز الهدى ... والدين والدنيا بلا جحد

يا ليت خدي لك أرض فما ... آنف أن تمشي على خدي

وقال أيضاً:

دعا دمعهن فراق فجادا ... وأعجلهن المتنائي فزادا

فلم أرد دمعاً كأدماعهن ... يهيض الحشى ويذيب الفؤادا

ولما تيقن أن الفراق ... يزود عشاقهن البعادا

تأولن أن لباس الجداد ... أحق بمن صير الحزن زادا

فنشرن ما قد طوت خمرهن ... ليلبسن شعر النواصي حدادا

ولولا مراعاة عين الرقيب ... لبسن الثياب جهارا سوادا

محمد حسن الأعظمي

عميد كلية اللغة العربي بالباكستان