مجلة الرسالة/العدد 863/أرجواش المنصوري
→ رابعة العدوية | مجلة الرسالة - العدد 863 أرجواش المنصوري [[مؤلف:|]] |
مسابقة الفلسفة لطلاب السنة لتوجيهية (2): ← |
بتاريخ: 16 - 01 - 1950 |
للأستاذ عطية الشيخ
مهداة إلى أبطال الفلوجة
خاتمة قرن:
نحن الآن في السنة الأخيرة من القرن السابع الهجري، قرن المصائب والآلام على العالم الإسلامي، فقد اجتاح فيه التتار ممالك آسيا الإسلامية، وقوضوا بغداد، وختموا الخلافة الإسلامية أفجع خاتمة. ولولا أن الله قيض لهم من جيش مصر الباسل حاجزاً دفعهم عن بلاد الشام، لما أوقفهم عن تخريب أفريقية الإسلامية إلا ساحل بحر الظلمات، وقد جعلوا (تبريز) المدينة الإسلامية الفاضلة عاصمة لهم، استعداداً للقصاص من المصريين، إذا لاحت الفرصة، وواتت الأحوال.
الخونة الثلاثة:
وقد لاحت الفرصة للتتار، عندما فر ثلاثة من كبار أمراء مصر، وقواد جيشها، من القاهرة إلى تبريز، واحتموا بقازان، ملك التتار وحفيد هولا كوخان، فأكرم وفادتهم وأحسن لقياهم، وأخذ يفتلهم في الذروة والغارب، حتى أطلعوه على العورات، وهوّنوا عليه أمر المصريين، وذكروه بدماء آبائه وأجداده، التي سفكها المصريون في عين جالوت، وبينوا له ما بين سلطان مصر وشعبه من جفاء، بسبب وزيره المستبد بالرعية، المحتجن للارزاق، المضطهد للنابهين والأمراء والعظماء، وقد لحق بهؤلاء الخونة الثلاثة أشياعهم وأذنابهم، والناقمون على السلطان (المنصور لا جين) نقمتهم، وزينوا لملك التتار ما زينوا، وحسنوا ما حسنوا، حتى صح عزم قازان على مهاجمة مصر والشام، وما بقى من بلاد الإسلام وهكذا باع الخونة الثلاثة: (قبجق وبكتمر والألبكي) بلادهم، وظاهروا على قومهم وأهليهم وحاربوا سلطانهم.
في قصر قازان:
قازان على عرشه ضاحك السن مستبشر، ومن حوله الخونة الثلاثة، وقد دخل قائده بولاي مع الرسول، راجياً أن يكون استدعاؤه لحرب جديدة تروي نفسه المتعطشة للدماء، وتق عينيه المغوليتين بمصارع الهيجاء، وتشنف أذنيه الوحشيتين بصليل السيوف وصهيل الخيول وانين المكلومين، وتملأ جيوبه من سلب المهزومبن، وأموال المغلوبين؛ وقد شاع الفرح في وجهه عندما سمع مقالة الملك له: (يا بولاي، أنت قائدي المغوار، وداهية التتار، وتعلم مالي ولك قبل المصريين من دخول وثارات، تنادي بها دماء آبائي وآبائك المسفوكة بسيوفهم، المطلولة برماحهم، فقد دسنا الدنيا وداسونا، وأذللنا الشعوب وأذلونا، ولم يكفهم رد غاراتنا، حتى هاجمونا في عقر دارنا، غزونا في بلادنا، وما تزال سيوفهم تقطر بدمائنا، وقد آن الأوان لنأخذ بالثأر، ونكيل بالصاع صاعين، ونرد لهم الدين) ثم اشتد غضب قازان وتطاير الشرر من عينيه، وصاح صيحة منكرة، كاد من هولها يخشى على كل من في المنزل: (يا بولاي، اجمع فرسان التتار، وأبطال التركمان، ورماة المغول، ولا تدع ضارباً بسيف، ولا طاعناُ برمح ولا رامياً بسهم إلا جيشه) ثم سكت قليلا وقال:
(يا بولاي الحرب خدعة، والواقعة يجب أن تكون فاصلة، والعدو صعب المراس، تعود أكل لحومنا، واستمرأ شرب دمائنا، فاستعن في هذه الواقعية بجميع أعداء المصريين، من صليبين وروم وأرمن، واضرب المصريين ضربة تنسى العالم هزائمنا المتوالية أمامهم، وتحسم الأمر بيننا وبينهم.)
أجاب بولاي بالسمع والطاعة، وسجد للملك وقبل الأرض بين يديه، ثم قام وهم بالانصراف، فاستدعاه الملك ثانياً وقال له: يابولاي، لا تعبا بالوقت، فإنا لا اطلب العجلة وإنما أطلب النصر، فلا تتحرك بالجيش إلا إذاتم استعدادك، وصار النصر منك على طرف التمام، واقطع على المصريين الأخبار حتى تفاجئهم غير مستعدين).
الشام في فزع:
تم استعداد بولاي وتحرك جيشه نحو الشرق، ووصلت الأنباء بذلك بلاد الشام، بعد أن كشف السر، وعرف عزم التتار، فجفل أهل الشام، وتفرقوا في السواحل، وتشتتوا من الفرات إلى غزة. . . وعظم خوف الناس وصياحهم على الإسلام وأهله) ولولا أن سلطان مصر بعد أن بلغه الخبر أخذ يبعث البعوث لطمأنة خواطرهم، ما بقي منهم في الشام أحد؛ لأن أهوال التتار في البلاد المغلوبة معروفة للخاص والعام، وهم وشيكو عهد بمذابح بغداد وفظائع هولاكو خان في العراقين، لم يرحم شيخاً ولا طفلاُ ولا امرأة، ولا عف عن منكر، ولم يبق من البلاد التي اجتاحها إلا ما تبقى النيران من الهشيم، والسيول الطائحة من الجحيم.
في أرباص حمص:
وتحرك المصريون إلى بلاد الشام ليحموها من الطغاة الطارئين، ومرت الجيوش المصرية على دمشق، متجهة صوب الشمال، وابتهل الناس لها بالدعاء، والتقى الجمعان قرب حمص، وحمل المصريون على التتار حملة صادقة، فقتلوا منهم نحو خمسة آلاف دون أن يقتل منهم إلا قليل. وفكر التتار في الفرار، وزلزلو زلزالا شديداً.
بعد أن لاح النصر:
ما أعجب شان الحروب، وما أكثر التشابه بين حوادث التاريخ، وما أشبه واقعة حمص بغزوة أحد، فإن المصريين بعد أن لاح لهم النصر، ابتلوا بتخاذل مفاجئ، (واتكل بعضهم على بعض. . فانهزمت الميمنة أولا ثم تبعها جميع العساكر، أمعنوا في الهزيمة، حتى رمى الجند خوذهم وسلاحهم. . . واخذوا يغيرون ازيائهم، ويحلقون شعورهم تنكراً من العامة الذين كانوا يوبخونهم ويشتمونهم كلما مروا عليهم منهزمين أمام التتار)
أحزان دمشق:
بلغت كسرت المصريين دمشق (فخرجت المخدرات حاسرات لا يعرفن أين يذهبن، وأطفالهن بأيديهن، ومن استطاع النجاة بنفسه، فر تاركاً أهله وولده. وتشاور جماعة من عظمائها في الخروج إلى التتار طلباً للصلح قبل أن يدخلوا دمشق عنوة، وكان ممن يرى هذا الرأي، قاضي القضاة ابن جماعة، وشيخ الإسلام ابن تيميه ثم وصل خمسة من كبار التتار إلى دمشق ومعهم فرمان بالأمان، قرء على باب الجامع الأموي، فاطمأن الناس، وسكت عنهم الفزع، وزاح الهلع، وانتظروا الغيث من هذا البزق الخلب.
إذا دخلوا قرية:
تدفقت جموع التتار على دمشق يتقدمها الخونة الثلاثة واستسلم لهم بلد عز عليهم أيام الظاهر بيبرس مناطه، فهل وفى الملوك بعهدهم؟ وهل أغنى الفرمان عن الدمشقين شيئا؟ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة. وكذلك فعل التتار، وهم أولى من غيرهم بقبيح الفعال عند من لم يكن بينهم وبينه ثأر، فما بالك وقد تمكنوا من بلد تقطعت على أبوابه في الماضي القريب أوصالهم، وأريقت دمائهم، وزينت أسواره بالرماح المشرعة عليها رؤوس قتلاهم؟ لقد عاثوا في دمشق وما حولها من القرى، (المساجد تشرب فيها الخمور، وتهتك الستور، وتفتض البكور، ويقتل المجاورون، ويؤسر الخطباء والمؤذنون، بل على قبر خليل الرحمن، وفي حرم بيت المقدس، هتكت النسوان، وعلقت الصلبان)
هاتان الطائفتان:
والطائفتان هم أهل الدنيا من علماء الدين والمتصوفة، ما خطبهم؟! فردوا على النفاق، فواتّهم بلاغته، وعنت لهم فصاحته، لا يجاوز العلم حناجرهم، ولا التصوف ألسنتهم، طرفت الدنيا أعينهم، وبدا الترف في ملبسهم ومسكنهم ومأكلهم، واستعبدتهم الشهوات، فكانوا أنكى على الإسلام في كل عصوره من الأعداء المغيرين. ومن العجب العاجب أن الحجج والبراهين والأدلة تتدفق على أقلامهم وألسنتهم، فمنذ عهد قريب أفتوا للمسلمين بأن هولاكو أولى بالملك من الخفاء العباسيين، (لأن الملك يدوم على الكفر، ولا يدوم على الظلم) وهم الآنما كاد المقام يستقر بالتتار في دمشق حتى إذا عوا على جميع المسجد أن يدعى لقازان الكافر التتري في الجمع والأعياد بالدعاء الآتي: (مولانا السلطان الأعظم، سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود قازان) فهل تعجب بعد ذلك إذا سمعت ممن خلفهم في العصر الحديث، عبد الله نابليون، ومحمد هتلر، وسيف الإسلام موسوليني! أما إمام المتصوفة الشيخ الحريري، فقد سار ابناه (الحن والبن) في ركاب التتار، يأكلون من فضلاتهم ويوطدون لهم المقام في بلادهم، ويمكنونهم من رقاب ذويهم، وما أحسن قول الجوزي أحمد شعراء ذلك العصر:
بُلينا بقوم كالكلاب أخسة ... علينا بغارات المخاوف قد شنوا
هم الجن حقاً ليس في ذاك ريبة ... ومع ذا فقد والاهمُ الحن والبنُّ
وقول الوداعي:
أتى الشام مع قازان شيخ مسلك ... على يده تاب الورى وتزهدوا
فخلوا عن الأموال والأهل جملةٌ ... فما منهمُ إلا فقير مجردُ ولا يفوتنك جمال التورية في البيتين لأخيرين.
حاج الحرمين:
ما أكثر ما خدع المسلمون بالألقاب؛ فاستغلها للتمكن منهم أعداؤهم، وهاجم أولاء التتار يكافئون قبجق أحد الخونة الثلاثة بأن يولوه من قبلهم على الشام، ويتركوا معه جيوشهم بقيادة بولاي، ليفتح ما بقي بالخديعة كلما أغنت عن الحرب، استبقاء للجيوش، حتى دخل مصر قبل الكلال، وضياع الوقت في الحصار والنضال، وأخذ قبجق الخائن، يرسل إلى البلاد المنيعة طالباً التسليم، يوقع على كتبه: (سلطان الشاتم، حاج الحرمين، سيف الدين، قبجق) فيالمهازل الحجاج وسيوف الدين!
بطل مصري:
علمت جميع مدن الشام الحصينة أن لا طاقة لها بالصمود أمام التتار، بعد أن سلمت دمشق، وثبتت بها قدم التتار، ودُعي لسطانهم في المساجد، وسار في ركابه الحِن والبنّ، وأرتد الجيش المصري إلى ما رواء غزة. لهذا أذعن بلد إثر بلد، واستسلم حصن بعد حصن، وظن التتار أنه قضي الأمر، ولم يبق عليهم إلا الاتجاه إلى مصر، ليدخلوها آمنين، ولكن أيصح ذلك وما زال (أرْجَواش المنصوري المصري) في أقرب المواطن إليهم، معتصماً بقلعة دمشق، ويأبى مع البقية الباقية من المصريين التسليم؟ لقد استهانوا به أول الأمر لأن دمشق نفسها في أيديهم، ويكفي أن يقطعوا عنه الميرة والذخيرة، ليتقدم بنفسه طالباً التسليم، ولكن خاب ظنهم، ورأوه بنقض عليهم من القلعة، الفينة بعد الفينة، ليستخلص من أيديهم، ما يقيم أوده، ويعينه على قتالهم. آنئذ لجأ العدو إلى الخديعة والليان، فتوجه الثلاثة الخونة يتزعمون قبجق إلى القلعة، وهم زملاء سابقون في السلاح لأرَجواش؛ فنادوه ونصخوه بالتسليم. ولما رفض في إباء وشمم وبخوه ما شاءهم البذاء، واتهموه بخيانة المسلمين وإهدار دمائهم! وقالوا له: (دم المسلمين في عنقك إن لم تسلمها).
لا تعجب أيها القارئ الكريم، فما زال الباطل يتطاول على الحق، وتقلب السياسة الأمور، حتى يأذن الله وينكشف للناس ما كانوا عنه غافلين، ويندمون على جهلهم حين لا ينفع الندم. أتدرى بماذا أجاب أرجواش الخونة الثلاثة! لقد قال لهم: (دم المسلمين في أعناقكم أنتم الذين خرجتم على بلادكم، وتوجهتم إلى قازان، وحسنتم له المجيء إلى دمشق وغيرها من بلاد الإسلام) وسكت عند ذلك، وكان يستطيع أن يوسعهم سباً، ولكن من يحسن العمل داماً لا يُحسن القول، وأبطال النضال يغنيهم الحسام عن الكلام، وقديماً قال قائد عربي لم يُفتح عليه بكلام حين وقف للخطبة:
إذأ لم أكن فيكم خطيباً فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب
وقال الرشيد ملك العرب لنقفوز ملك الروم رداً على تهديده:
(الجواب ما ترى لا ما تسمع).
في قلعة دمشق:
تهيأ أرجوش للحصار والقتال وأجمع أمره على الموت دون التسليم، وشد
أزره من معه من أبناء مصر وأبطال النيل، وصح عزم الجميع على ألا يدخل القلعة تتري وفيهم عرق ينبض، وتوالت وثباتهم من القلعة على دمشق لأخذ ما يحتاجون. . .
ومن تكن الأسد الضواري جدوده ... يكن ليله صبحا ومطعمه غصبا
وترادفت رسل قازان إلى أرجواش بالوعد مرة وبالوعيد والتهديد مرة أخرى، وطال الأخذ والرد، وخطباء المساجد عون على المنابر لسطان الإسلام والمسلمين قازان، وكل شيء حول أرجواش يدعو إلى التسليم، ولكنه هو ومن معه لا يزدادون إلا عزماً وتصميماً وثباتاً ويقيناً.
أغنى عن أمة:
نسى التتار أمر الهجوم على مصر، واستحوذ الخوف عليهم من قلعة دمشق. إنها شوكة في جبينهم وهلاك مشرق عليهم، ولا مقلم لهم في نفسها ما لم يقتحموها على من فيها، وقد يئسوا من جدوى السياسة والخداع، وبات لا يطرف عينهم نعاس، ولا يغشى جفونهم الكرى، ولا يذوقون النوم إلا غراراً، خوفا من هجمات من بالقلعة، وكانت تزداد وتشتد، كلما أمل التتار الإذعان والتسليم، فجاءوا جميعاً وأطبقوا على القلعة من جهاتها الأربع، وهجموا عليها هجمة رجل واحد بخيلهم ورجلهم. ولا يحسن أحد كالتتار مثل هذا الهجوم الخاطف. رمت المجانيق بأحجارها، وهجمت الخيول بفرسانها، وأسرعت المشاة بعجلاتها ودباباتها، كأنما ثار بكان، أو أشعلت نيران، أو طغى طوفان، وأظلم الجو من الغبار المتطاير، والعثير السائر، وما هي إلا ساعات حتى انجلت الموقعة، عن القعلة الرهيبة سليمة حصينة كعملاق جبار يعبث بشسع نعلة أطفال، أو كالهرم الخالد تتدهدى عليه حبات الرمال، بل كثلان تغدو وتروح عليه النمال. ثم انجلت الموقعة عن بحار من دم التتار، وأكوام من أشلائهم وتلال من رءوسهم، أما أرجواش وصحبه قهم في قلعتهم سالمون، وبالنصر فرحون مستبشرون (فلله درَّهم ما كان أثبت جأشهم وأقوى جنانهم.)
احكمي يا مصر:
لقد كانت الموقعة هائلة، وكان وقعها في نفوس التتار أهول، فلم يطيقوا في الشام كلها بعد ذلك بقاء، وولوا الأدبار بمن بقي معهم إلى بلادهم هاربين، وفي إثرهم قبجث الخائن وصحبه، ونزل أرجواش من القلعة واستولى على دمشق، وأعاد الخطبة لسلطان مصر وزينت البلاد ابتهاجاً بهذا النصر، وطار الحمام الزاجل بالنبأ إلى قلعة صلاح الدين بالقاهرة، فعاد جيش مصر إلى الشام، وهناك أمام قلعة دمشق انحنى قائد الجيش المصري العائد (سلاَّر) لحماة مصر والشام، وأبطال قلعة دمشق؛ تمجيداً وتعظيماً (وفرح أهل الشام قاطبة، وعلموا أن في عسكر الإسلام القوة والمنعة، ولله الحمد)
يأبكم المفتون:
أتدر بماذا ينعت العلماء والمتصوفة أرجواش؟ أنهم يصفونه بالغفلة والجنون، ويكثرون التندر عليه والتهكم منه ويسوقون في ذلك حكايات كثيرة برهاناً على صدقهم. وهاك حكاية واحدة لا شك أنها في وضعهم، وما أقدرهم على الكذب، وإنما اخترت هذه الحكاية دون غيرها لأنها من رواية عالم هو الصفدي عن متصوف هو عبد الغني الفقير، قال سامحه الله:
(لما مات الملك المنصور قلاوون - أستاذ أرجواش - قال لي:
أحضر لي مقرئين، يقرءون ختمة للسلطان، فأحضرت إليه جماعة جعلوا يقرءون القراءة العادية، فأحضر أرجواش سيفاً وقال:
كيف تقرءون للسلطان هذه القراءة! أقرءوا عالياً، فضجوا بالقراءة جهدهم، فلما فرغوا منها قلت: (يا خونْد) أي يا سيد فرغت الختمة، فقال: يقرءون أخرى، فقرءوها وقفزوا كثيراً ليفرغوا، فلا انتهوا أعلمته وطبت لهم أجرهم، فقال: ويلك! السماء ثلاثة والأرض ثلاثة، والأيام ثلاثة، والمعادن ثلاثة، وكل ما في الدنيا ثلاثة! يقرءون. فذهبت إليهم وأخبرتهم بالخبر، وقلت: احمدوا الله تعالى على أنه ما علم أن هذه الأشياء سبعة سبعة. فلما فرغوا عن الثلاثة، وقد هلكوا من صراخهم طلبت أجرهم، فقال: اكتب عليهم حجة أن ثواب هذه الختمات لمولانا السلطان دون غيره، ففعلت ذلك وجئت إليه بالحجة، فقال: هذا جيد وصرف لهم أجرتهم.) ويعقب المؤرخون على ذلك بقولهم:
حكي عن أرجواش حكايات كثيرة، تدل على تغفل كبير، وتلحقه بعقلاء المجانين، وإن مصر لتصيح وقد مرَّ على أرجواشن نحو سبعة قرون: ألا ليتكم أيها المؤرخون والعلماء والمتصوفون في مثل غفلة أرجواش وشجاعته وأياديه على بلاده.
عطية الشيخ
مفتش المعارف بالمنيا