مجلة الرسالة/العدد 861/نور وصحراء
→ أبو بكر الرازي | مجلة الرسالة - العدد 861 نور وصحراء [[مؤلف:|]] |
من رجال الحديث في عصر الحروب الصليبية ← |
بتاريخ: 02 - 01 - 1950 |
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
سارٍ على البْيدِ، هزَّ الكون مَسراهُ ... صلى عليه، وحَيَّا نورَه الله
الله أكبر! لا خطوٌ ولا قدَّمٌ ... لكن شعاعٌ بقُدس الوحي تيَّاهُ
شَقْ الصحارى فحَّيتْه سباسِبُها ... وأوشكتْ برياض الخُلْد تلْقاهُ
ترعْرَعَتْ قَفْرةً، واخضوْضَرتْ جبلاً ... وبثَّ فيها ضحى الدنيا مُحيَّاهُ
وزَمزَمتْ. . فهي تَرتيلٌ، ومسْبَحَةُ ... ودعوةٌ بأمانِ الله تَرعاهُ
لم يبق في صدرها حادٍ ولا نغَمٌ ... إلا بما يسْحَرَ الأيامَ غَنَّاهُ
ما لِلْخيام اسْتَطَارَتْ في مَرابِعِها ... مَحْرُورةً مِنْ عذاب الشوق تهْواهُ
ومالها رَفْرفتْ والريحُ تجْذِبُها ... طيراً إلى الفجرِ يَهديه جَناحاهُ؟
وما لكلِّ ثرىً نَسَّتْه عُزلتَه ... ملاعبُ الجِنِّ، لم تهدأ ثناياهُ؟
همسٌ عَلَى الذَّرة الصغرى، وهيْنَمَةٌ ... على سفوح الذرىَ، والكلُّ أشباهُ
تنَبَّهت غفلةٌ، واستيقظتْ سنةٌ ... وهبَّ نعسانُ ليلُ الدَّهر غشَّاهُ
وفي ضمير الفلاَ ما شئتَ من لهفٍ ... تكادُ تمتدُّ للأنوار كفاهُ
تبارك الله! كل الأرض ناضرةٌ ... وكلها مُهَجٌ تهفو لِمرآهُ
تَلفَّت الغيبُ، والتفَّت عنايتُه ... بمن تحمَّل سر الغيب جَنباهُ
مُحمدٌ، وصلاة الله يا لَفمٍ ... صلىَّ! =وقلب على التوحيد ناجاهُ!
حقيقتان هما حقٌ ولو قدَرَتْ ... نفسي لما شربتُ في الحبِّ إلاَّهُ
هاجت على وحيهِ العُلويَّ شِرْذِمةٌ ... مُحيرونَ على أصنامهم تاهوا
مِنْ كلِّ عاتِ من الأعرابِ، صَوْلَتُهُ ... يَدرِي تَعَفُّرَها بالترْبِ (عُزَّاهُ)
راموا خُطاهُ. . . فكان الغارُ، وارتَجَزَتْ ... حمامتاهُ، وراغَ البِيدَ مأواهُ
وشدَّ أنوَالَهُ شيخٌ له نَسَبٌ ... بالوَهمِ. . . آخرُ ما يبنيه ينساهُ
بَنى مِن الضعفِ حِصناً لو تساقُ له ... شمُّ المقادير، لاندكَّتْ لِرؤْياهُ
العنكبوتُ! وما أدراكَ ما صَنَعتْ ... يداه. . بأساً شعوبُ الأرض تُخْشاهُ
ألْقَى بفارسِهِمْ والخيلُ تعشَقُهُ ... في موْكب صهواتُ الخيل تأباهُ غاصتْ قوائمها في الرمل من خَجَلٍ ... ولعنةٍ أوشكت للرمل تَنعاهُ
يا فارسَ الشرك! لا فاتتكَ خيبَتهُ ... بَشَّرْ سِلاحَك أنَّ اللهَ أرْداهُ
وقُل لِقومِكَ، لا سرَّا ولا علناً ... تألَّق النورُ، حتّى عزَّ مَرْقاهُ!
سَرى (مُحَمَّدُ) تطوي الشمسَ رايَتُهُ ... في عَسكرٍ قبلَ هذا ما سَمِعناهُ. .
يَمشي وصاحِبُهُ (الصِّدِّيقُ) وحدهُما ... في مَهْمَةٍ يقرعُ الأيامَ لُقْياهُ
عقيدةٌ جَنبَها الإيمانُ، يَمْلَؤُها ... صَفْواً، وتملأ بالبُشرى حناياهُ
ويَخطِفان الثَرى نَصراً إلى بَلَدٍ ... لا خيَّبَ اللهُ مَنْ يَسْعَى لمَغْناهُ!
يَمشي، فتحسَبُه الأقدارَ جاريةً ... لها من الغيب ما للغَيْب ترْضاهُ
مُبَشَّرٌ بضُحى للْكَوْنِ، يُنقِذُهُ ... من ظلْمةٍ لَيْلُها لَجَّتْ خطاياهُ
ظلمٌ، وشِركٌ، وقومٌ عاكِفون على ... ربٍّ، من الصخرِ مِسكين عَرَفْناهُ
. . صخرٌ ذليلٌ يعافُ الوحْشُ جِيرَتَهُ ... ودُودَةُ الأرض لا ترضَى بمثْواهُ!
أتى إليهم بِبَحرٍ لا ضفافَ لهُ ... مِن الضَّياءِ، يَرُوعُ الشمسَ ضَحْواهُ
سِرٌّ من اللهِ ذابَ العقلُ، وانكفَاَت ... أطوارُهُ الشُّمُّ في أغوار مَعْناهُ
وحي من الله، فرقانٌ، هُدى زَمَنٍ ... سيفٌ يَفُلُّ حديد الدهر حدّاهُ
ربَّاه مهما رجتْ أيامُنا فلها ... في كلِّ حرفٍ به نور نُلَقَّاهُ
بحق من سار بالإعجاز يُبلِغُهُ ... للخافِقَينِ، ومنْ للحقِّ أنشأهُ
بحقِّ هذا الذي غَنَّتْ بهجرَتِهِ ... كلُّ العوالِمِ أرواحٌ وأفواهُ،
تُعطي سرائرنا لمحاً ننم به ... إنَّ الطريقَ زحامُ الشرِّ لوَّاهُ!
وتنفخُ النيلَ هدياً في مسالِكِه ... فإنما في مدار الشمس نجواهُ
وتهلك الحفنةُ الفوضى مطامعها ... فإنهم كخشاش الأرض تأباه
ليس الوجود لهم مأوى ولا سكنٌ ... ولن يكون لهم فوق الثرى جاهُ
عاثوا فعذَّبَهم جيشَ لمصر مَضَى ... يَسقيهِمُ الموتَ لا يُبقي أشِدَّاهُ
ما زالَ في البِيد مِنْ آثامِهمْ صَخبٌ ... واللاّجِئُونَ هُم في التِّيهِ شكواهُ
ربّاه فاجعلْ تُرابَ الشرقِ مَهلكَةً ... لِكلِّ باغٍ عَوت بالقيد كَفّاهُ
ربّاه واسكُب غنائي في جوانحه ... ناراً ونوراً أذانُ البعثِ ناداهُ ملَّت رباباتيَ التغريدَ في زمنٍ ... تَعْشَى على خطفة الإلهامَ عيناهُ
إلاّ (محمدٌ)!. . فالأوتارُ إن بليت=عادت به أُرْغُناً بالسحر غَنّاهُ!!
محمود حسين إسماعيل