مجلة الرسالة/العدد 861/عمر بن شبة
→ تهويمة صوفية | مجلة الرسالة - العدد 861 عمر بن شبة [[مؤلف:|]] |
أبو بكر الرازي ← |
بتاريخ: 02 - 01 - 1950 |
للدكتور جواد علي
هذا مؤرخ من مدينة البصرة، صاحب مؤلفات عديدة، كانت مورداً لعدد غير قليل من مشاهير المؤرخين. رضي عنه أكثر رجال الحديث، فقالوا عنه أنه كان صدوقاً صادق اللهجة غير مدخول الرواية. ساهم في علم الحديث كما ساهم في علم الفقه. وأضاف إلى ذلك نظم الشعر، وهو أمر صعب اجتماعه مع العلم بالحديث والفقه. ولكنه لم يستعمل شعره في الأغراض التي كانت تحط من قدر العالم، كالابتذال، والمجون، فعد من طبقات الشعراء، ولم يثر شعره عليه الشكوك. ولم يخفض من منزلته ومكانته بين أصحاب الصرامة والجد من العلماء.
والصفة الغالبة على صاحبنا رواية الأخبار، لذلك تجد اسمه في اكثر كتب الأخبار القديمة والتاريخ. له فيها مقام وحظوة، هذا البلاذري يأخذ منه ويدون أقواله في مواضع متعددة من كتابه (أنساب الشراف) ويقول (حدثني عمر بن شبة) وقد كان معاصراً له وزميلاً. وهذا الطبري يأخذ منه وينقل من كتبه وقد كان في جملة الذين أخذوا إجازتهم منه. وقد ذكر اسمه في نحو من (200) موضع من كتابه تاريخ الرسل والملوك. وأشار إلى اسم كتاب من كتب (عمر) التي نقل منها وهو (كتاب البصرة) فقال (وحدثني عمر مرة أخرى في كتابه الذي سماه كتاب أهل البصرة فقال. . .) وقد نقل من كتبه الأخرى غير أنه لم يشر كعادته إليها، حيث يهمل أسماء الكتب مكتفياً بالسند.
كان (عمر بن شبة) مولى لبني نمير، ولد سنة 173 للهجرة. ونشأ في البصرة، وله في القبيلة التي انتمى إليها مؤلف قيل له (كتاب أخبار بني نمير) وله مؤلفات أخرى في الأخبار والتاريخ والأدب بلغت (22) مؤلفاً في وصف بعض المدن الإسلامية الكبيرة وفي مقدمتها البصرة، والكوفة، والمدينة، ومكة، ألف في كل واحدة من هذه المدن كتاباً وفي أمراءها كتاباً آخر ولم يسجل له ابن النديم كتاباً في تاريخ بغداد، عاصمة الخلافة ومقر الملك، والمشائخ والعلم، ولعله كان قد ألف فيها كتاباً لم تعه ذاكرة ابن النديم لأننا نجد له في الطبري أخباراً في تأسيس مدينة بغداد تدل على أنه كان قد خصص لها كتاباً ولم يسجل له ابن النديم اسم كتاب في تاريخ مدينة (سامراء) عاصمة الخلافة العباسية الأخرى، وقد عاش فشها، ونال جوائزها، والظاهر أنها كانت غاضبة عليه فلم تستطع ضبط نفسها، أو أنها أشفقت عليه، فقبضت على روحه، وهو فيها، وأدخلت جسمه في جوفها، سنة اثنتين وستين ومائتين، ولكن بعد عمر طويل مديد، بعد تسعين سنة من حياة شاقة متعبة. فأراحته من الحياة، ومن حر البصرة الذي يشوي ذلك الجسم الذابل، فيجعله يرقص رقصة (الرومبا). وأنعمت عليه بتربة جافة لطيفة يستقي فيها إلى يوم يبعثون.
ولعمر كتب في الشعر والشعراء، وفي الأغاني، وله كتاب في أخبار الخليفة المنصور وفي أخبار محمد وإبراهيم بن عبد الله بن حسن. وقد نقل منه الطبري في أخباره عن خلافة أبي جعفر وأعتمد عليه في أخبار خروج محمد بن عبد الله ومقتله، ومعاملة المنصور للطالبيين. وقد دون عمر صور بعض الوثائق وذكر بعض أساليب الخليفة في استدراج خصومه، فقال (كان أبو جعفر يكتب إلى محمد عن ألسن قواده بدعوته إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه، فكان محمد يقول لو التقينا مال إلي القواد كلهم.)
وقد سجل عدداً من هذه الرسائل والكتب التي بعث بها المنصور. أخذها من مظانها، ومن الأشخاص الذين كانوا أصحاب علم بها. ومن السجلات الرسمية التي كانت في قصور الخلفاء، وعند أمناء القصور، ولذلك كان عمل عمر بن شبة من هذه الجهة عملاً رائعاً بالنسبة إلى طريقة الاستعانة بالنصوص والوثائق لتدوين التاريخ.
وفي جملة كتب عمر بن شبة التي ذكرها ابن النديم (كتاب أشعار الشراة) و (كتاب النسب) و (كتاب التاريخ) و (كتاب السلطان) و (كتاب مقتل عثمان) ونجد نتفاً من هذا الكتاب الأخير في ثنايا تأريخ الطبري، في حوادث مقتل الخليفة عثمان بن عفان. يظهر منها أن ابن شبة كان قد أخذ كتابه من كتاب آخر لمؤلف اقدم منه هو علي بن محمد المدائني المتوفى سنة 225 للهجرة. وهو من مشاهير المؤرخين وقد ألف كتباً كثيرة ذكر أكثرها ابن النديم. وذكر قسماً منها مؤرخون آخرون. استعان بها جماعة من علماء الأخبار والتاريخ. وقد كان للمدائني مؤلف في مقتل الخليفة عثمان ابن عفان قال له ابن النديم (كتاب مقتل عثمان بن عفان). يظهر من تأريخ الطبري أن ابن شبة رواه عنه وعن طريق ابن شبة نقل الطبري منه. وأن كتاب عمر إنما بني عليه.
ونجد في الصفحات التي دونها الطبري عن خروج علي بن أبيطالب إلى البصرة ومعركة الجمل أخباراً مصدرها عمر بن شبة، يظهر منها أن هذا المؤرخ كان قد ألف كتاباً في معركة الجمل، أو أنه روى للطبري كتاب شيخه المدائني وهو كتابه الذي قيل له (كتاب الجمل). ويظهر أيضاً أن عمر بن شبة قد استفاد من كتب المدائني في تأليف كتبه. وأنه كان لتوجيهه أثر كبير في طريقة عمر في التاريخ.
وكان في جملة مشايخ عمر جماعة من جهابذة الأدباء، مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي المتوفى بين سنتي 215و217 للهجرة. من كبار علماء البصرة ومن المقربين للخلفاء، وصاحب علم غزير في اللغة والأدب والنحو والأخبار. ومثل محمد بن سلام الجمحي المتوفى سنة 231 أو 232 للهجرة. كما أخذ من جماعة من كبار رجال الحديث. وقد روي عنه عدد من مشاهير رجال الأدب والأخبار مثل أحمد بن يحيى ثعلب العالم النحوي الشهير. وأحمد بن يحيى البلاذري، والطبري، وغيرهم فضلاً عن عدد آخر نقل من كتب هذا المؤرخ الذي يمثل طريقة أهل البصرة في رواية الأخبار. أما أحمد بن عمر بن شبة أبوطاهر فقد كان شاعراً ظريفاً مجيداً راوية ولكنه لم يكن مؤلفاً ومؤرخاً على شاكلة أبيه. لقد ورث كتب أبيه، ولكنه باعها إلى علي بن يحيى أبي الحسن، وقد ضاعت مع الأسف ولم يبق منها غير القليل.
الدكتور جواد علي