مجلة الرسالة/العدد 858/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 858 الكتب [[مؤلف:|]] |
مبادئ علم النفس التعليمي ← |
بتاريخ: 12 - 12 - 1949 |
معنى النكبة
للأستاذ قسطنطين زريق
الأستاذ قسطنطين زريق عميد الجامعة السورية رجل من الرجال المشهود لهم بالقدوة والكفاية في المؤلفات الوطنية والقومية، وقد كان كتابه الأول (الوعي القومي) من الكتب القيمة التي تفخر بها المكتبة العربية. ولا ريب أننا بحاجة ماسة إلى مثل هذه الكتب. أما كتابه (معنى النكبة) فيعالج نكبة فلسطين وما انطوت عليه من دروس وعبر؛ وهو يدعو كل فرد من أفراد الأمة أن يؤدي واجبه لا أن يلقى التبعة على غيره فيقول: (لست ادعي أنني في هذه الدراسة المقتضية لمحنة العرب في فلسطين قد اخترعت البارود أو بلغة هذا العصر القنبلة الذرية، أو أني اكتشفت الدواء الشافي لعلاتنا جميعا، وإنما هي محاولة لتصفية تفكيري في هذه الأزمة الخانقة التي يترتب فيها على كل فرد من أفراد الأمة قسطه من الواجب ونصيبه من التبعة. ولا شك في أن أول شرط لحسن القيام في هذا الواجب، صحة الفكر واستواء الخطة) ويحتوي الكتاب على ثمانية أبواب هي (فداحة النكبة)، وفيها يبين لنا فداحة النكبة التي أصابت العرب في مأساة فلسطين؛ فهي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ومحنة من اشد المحن التي ابتلى بها العرب في تاريخها الطويل على مافية من محن ومآسي. سبع دول تعلن الحرب على الصهيونية في فلسطين فتقف أنأيتها عاجزة ثم تنكص على أعقابها، ثم يجد الجد فإذا النار خافتة باهتة، وإذا القنابل جوفاء فارغة لا تحدث أذى ولا تصيب مقتلا. ويمضي أستاذنا على هذا النحو فيشرح في الفصل الثاني (واجب المفكر) وما هي رسالته فيقول: (هي أن يأخذ على عاتقه قيادة الرأي وسط الاضطراب والحيرة، هي أن يلقى ضوءا على الوضع المتخبط فيظهره على حقيقته ويميز بين مختلف عناصره ووجوهه. وظيفته أن يفرق بين الأسباب والنتائج فلا يقدم الثانية على الأولى، وأن يفصل بين الأسباب البعيدة والقريبة، وبين الأصول والفروع، فيعطي لكل شيء أهميته وبقدره قدره في العملية المعقدة المتشابكة) ويتناول في الفصل الثالث (المعالجة القريبة) وأركانها خمسة في نظره. . . تقوية الإحساس بالخطر، إرادة الكفاح، التعبئة العامة، والتوحيد بين جهود الدول العربية، وإشراك القوى الشعبية والمساومة الدولية الواعية وهي شروط أساسية للنجاح في رد الخطر الصهيوني وحفظ كيان العرب أما الفصل الرابع وعنوانه الحل السياسي فيتناول فيه رأيه في الحل الأساسي فيقول (أن ما أحرز الصهيونيون من نصر ليس مرده تفوق قوم على قوم، بل تميز نظام على نظام، سببه أنهم يعيشون في الحاضر والمستقبل في حين أننا لا نزال نحلم أحلام الماضي ونخدر أنفسنا بمجده الغابر. الخطر الصهيوني، بل كان خطر اعتدائي علينا لا يرده إلا كيان عربي نتحد تقدمي. وصفات هذا الكيان العربي المنشود هي الاتحاد الفعلي في السياسة الخارجية والاقتصادية والزراعية، وتدرب العقل وتنظيمه بالإقبال على العلوم الوضعية والتجريبية، وتوجيه الجهد الثقافي في الأمة إلى تحقيق أكبر قدر من هذا الانتظام العملي، وفتح للصدر واسعا لاكتساب خير ما حققته الإنسانية من قيم عقلية وروحية) ثم يشرح بعد ذلك معنى النكبة وما أفادتنا من دروس وعبر فيقول: (إن المصائب والشدائد حتى النكبات حافزا للأفراد والجماعات، وعلة من علل تنبهها، ونهضتها ولكنه ليست كذلك في جميع الأحوال؛ ففي بعضها تكون سببا للتقدم، وفي البعض الآخر تكون سببا للانهيار والتبديد والزوال، وهي محك لوضعنا الداخلي الحاضر. فإذا كانت عوامل الرجعية والآن حلال هي المسيطرة علينا فإن هذه النكبة ستزيدنا ضعفا وانحلالا. أما إذا كان لعوامل التقدم والنمو بعض القوة فإن الصدمة العنيفة التي تلقيناها خليقة أن تعزز من قوتنا ونمشي بها قدما إلى الأمام. وعلى كل عربي أن يتفحص حاله ويتبين قدره وليمتحن نفسه ومقدرته على الصمود في وجههم التعسف والإغراء، وليختبر عقيدته إزاء المحن والخطوب ليتفحص تقدميته أما الرجعية وحملاتها. عندها وعندها فقط يكون للنكبة معنى إيجابي بناء.
وأخيرا يختتم الأستاذ قسطنطين زريق كتابه بمقالين نشر أحدهما في جريدة العمل البيروتية بعنوان (صراع بين المبدأ والقوة) والثاني أذاعه من محطة الإذاعة اللبنانية (لماذا نجاهد في فلسطين) والكتاب يقع في 88 صفحة وهو من الكتب التي تفخر بها المكتبة العربية ويجدر بكل مثقف أن يقتنيه.
جمال الدين الحجازي
- * * نقص * * *