مجلة الرسالة/العدد 856/الصديق الراحل
→ أحقا مات على محمود طه؟! | مجلة الرسالة - العدد 856 الصديق الراحل [[مؤلف:|]] |
سيف بن عمر ← |
بتاريخ: 28 - 11 - 1949 |
اليوم هادنت الحوادث، فاطرح ... عبء السنين، وألق عبء الداء
خلفت في الدنيا بياناً خالداً ... وتركت أجيالا من الأبناء
وغداً سيذكرك الزمان ولم يزل ... للدهر إنصاف وحسن جزاء
(شوقي)
للأستاذ كامل محمود حبيب
من ضنى قلبي أذرف عبرات الحنين على قبر ثوى فيه حبيب، ومن لوعة الفؤاد أرسل زفرات الأسى لفراقك أنت، أيها الرجل. . . أيها الإنسان. ومن لهفة الروح أعاني البثّ وهو يتدفق في أعماق دمي لأنني وجدت فقدك في قرارة نفسي، أيها الصديق.
فلقد كنت - يا صاحبي - غصناً رطيباً سما ثم ذوى وصوّحت أوراقه.
وكنت روحاً تتوهج نبوغاً أشرق وتألق ثم خبا وانطفأ.
وكنت جذوة من عبقريات سطعت في سماء الشعر ثم همدت وجفَّت ذبالتها.
وكنت في قيثارة الحياة وتراً حساساً داعبته أنّات الشجون فأهتز يشدو بأنغام السماء.
وكنت في قيثارة الحياة وتراً كلما أرسل لحناً هاج للحن فؤاد شجٍٍ أو حنَّ قلب طروب.
كنت في الدنيا لمعة الفن ونور العبقرية. فكان الربيع الغض من صوغ بنانك، وشذى عطر أفواه الرياحين من فيض جنانك، وبسمة الأمل الحلو من لحن قيثارك، والبهجة والشجو من سحر يراعك.
وكنت شباباً عارماً فاض بالبشر فغنى فطرب، وشدا بالسحر فألقى الدهر للألحان سمعه، وتغنى فهفا الطير إلىأنغام عوده.
فيا للفجيعة فيك - يا صاحبي - وأنت كنت غصناً رطيباً سما ثم ذوى وصوَّحت أوراقه.
صاحب الزورق جذلان استخفًّه الطرب؛ هزّ هـ نوح نايك فانتشى فتهادى يضرب الموج بكفي رقة وحنان.
تائهاً في لجة الدنيا يرنو إلىشطئآنها في قلق الحائر.
صاحب الزورق قم وانظر هل بلغت الشاطئ الأمين بعد تيه العمر في بيداء السنين، أم أخرس الردى نغم نايك الحبيب، وقدَّ وتر قيثارك الرفيق.
أم غمرت - الآن - أشجان نفسك وأفراح قلبك في كأس مترعة من دم القلوب. . . القلوب التي هدَّها الحزن لفراقك.
قم تر مأتم الشعر يندب ربَّه، مأتم الفن والهوى والشباب ينادي سيده والفجيعة تفعم نواحيه.
قم تر الدنيا - بعدك - خواء من مزامير الخلد ونجوى العاشقين.
قم فلقد كنت - يا صاحبي - شباباً عارماً فاض بالبشرى فغنى فطرب.
لدى مشرق الحياة تلاقينا، والدنيا رخاء ودعة. فكنت أنت ريحانة الجمع وروح المجلس وبهجة الحديث ثم مرت الأيام والعيش تلاق وافتراق.
ومنذ أيام تلاقينا وأنت على فراش المرض، فإنصدع قلبي؛ غير إنك كنت شجاع القلب جريء النفس ثابت الحنان.
ثم جاء النعي. . . فدعني انشر ضعف نفسي على أيدي رفاقي، فما بي قوة لأكتم ضنى قلبي، أو استر لوعة فؤادي أو أداري لهفة روحي.
دعني اذرف عبرات الحنين على قبر ثوى فيه حبيب. دعني أرسل زفرات الأسى لفراقك أنت أيها الرجل، أيها الإنسان. دعني أعاني البث وهو يتدفق في أعماق دمي لأنني وجدت فقدك أيها الصديق. . .
دعني أرق آلام نفسي بين يدي قبرك العزيز قبل أن يجرفني تيار الحياة القاسي. . .
دعني. . . دعني أشيعك بنظرات الأسى ونبضات الهم، ثم أناديك - وأنت في طريق الأبدية - وداعاً. . . وداعاً، أيها الحبيب. . .
كامل محمود حبيب