مجلة الرسالة/العدد 85/البريد الأدبي
→ نزهات بين الصخور | مجلة الرسالة - العدد 85 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 18 - 02 - 1935 |
الأكاديمية الفرنسية لمناسبة عيدها الثلثمائة
في شهر يناير الماضي بلغت الأكاديمية الفرنسية ثلثمائة عام من عمرها، وهي تتأهب للاحتفاء بهذه الذكرى؛ وهي ذكرى نادرة في تاريخ الجمعيات العلمية، إذ قلما تبلغ الجمعيات العلمية مثل هذا العمر المديد، قوية مزدهرة، تغالب دائماً أعاصير السياسة والأهواء المختلفة، وقد بدأت الأكاديمية الفرنسية حياتها متواضعة جداً؛ ويمكن أن نرجع فكرة قيامها إلى سنة 1629 في عهد لويس الثالث عشر، ففي ذلك العام اتفق السيد فالنتان كونراد سكرتير الملك مع بضعة من أصدقائه الشعراء والأدباء على الاجتماع معاً في جلسات دورية منتظمة يتجاذبون فيها الأحاديث الأدبية، ويتحدثون عن الشئون والأخبار والكتب، وكانت هذه الاجتماعات سرية خاصة في المبدأ، واستمرت كذلك زهاء خمسة أعوام؛ وفي أوائل سنة 1634 وقف الكردينال ريشيليو وزير لويس الثالث عشر على خبر هذه الجماعة الأدبية من أحد أعضائها فجالت في الحال في ذهنه فكرة (الأكاديمية) الرسمية. ولم يكن أحد من الجماعة المتواضعة يفكر يومئذ في مثل هذا المشروع؛ وكانت فكرة ريشيليو أن ينظم الجماعة وأن يخضعها لأشراف السلطات الرسمية؛ فدعاها إلى أن تؤلف هيئة منظمة وأن تجتمع بانتظام تحت رعاية سلطة رسمية، وذلك مقابل تعهدها بالحماية وإعطائها سلطة محترمة. فترددت الجماعة في القبول باديء بدء خشية على استقلالها، واستمر هذا التردد طوال سنة 1634، ثم انتهت بالقبول؛ وفي 29 يناير سنة 1635 صدرت الأوامر الرسمية بتشكيل الأكاديمية الفرنسية، وبذلك تكون في 29 يناير الماضي قد قطعت ثلاثة قرون كالمة من حياتها الرسمية
وعلى أثر ذلك وضعت الأكاديمية لنفسها لائحة خاصة تتألف من خمسين مادة؛ وقبل الكردينال أن بعضها تحت رعايته، وصادق على هذه اللائحة في 22 فبراير؛ من نفس العام؛ ثم اتخذت بعد ذلك الاجراءات لمصادقة البرلمان على وجودها، وصدرت هذه المصادقة في يوليه سنة 1637، وتمت بذلك جميع الاجراءات الرسمية والدستورية التي تجعلها هيئة رسمية عامة؛ وعني البرلمان عناية خاصة بأن يحدد مهمة هذه الهيئة الوليدة خشية أن تنافسه في شيء من مهامه أو سلطانه في المستقبل، فعرف مهمتها بأنها تعم على: (تنميق اللغة وتحسينها وتوسيعها)، وأنها لا تشغل بأمور أخرى.
ومنذ ثلاثة قرون تضطلع الأكاديمية بأعظم دور في الحياة الأدبية الفرنسية، وينمو نفوذها وأهميتها، حتى غدا الظفر بعضويتها أسمى ما يتشرف به كاتب أو شاعر؛ وقد استمرت الأكاديمية تقاوم ل ما يضطرم حولها من أعاصير الثورات السياسية والاجتماعية؛ ولم تنلها الثورة الفرنسية الكبرى التي اجتاحت كل النظم والهيئات القديمة بأذى؛ وأعضاء الأكاديمية الفرنسية أربعون لا يزيدون، ويطلق عليهم اسم (الخالدين)؛ وإذا توفي أحدهم، رشح لكرسيه من أعلام الكتاب والمفكرين من يجدر ترشيحه؛ ويقع اختيار العضوية بالانتخاب. ونستطيع أن نذكر من بين أعضاء الأكاديمية الحاليين بول بورجيه، وهو أقدمهم جميعاً إذ دخل الأكاديمية منذ سنة 1896، والشاعر بول فاليري، ولوي مادلان، وإبيل ديرمان، وهنري رنييه، ومارسل بريفو، وجورج جوايو، ولوي برتران، وبيير بنوا وهو أصغر الأعضاء سناً، وموريس دوناي، والمؤرخ دي نولهاك، والمؤرخ لي نوتر، والدوق دي بروجلي وهو أحدث الأعضاء إذ دخل الأكاديمية في الشهر الماضي فقط
وتشتغل الأكاديمية منذ أعوام بوضع قاموس رسمي للغة الفرنسية، وذلك تحقيقاً لمهمتها التاريخية وهي العمل على تحسين اللغة الفرنسية وتجميلها، وسيكون هذا القاموس متى تم وضعه مرجعاً رسمياً لألفاظ اللغة ومعانيها؛ وسيكون له في تطور اللغة الفرنسية أعظم الآثار
حول رواية نهر الجنون
صديقي العزيز الأستاذ الزيات:
قرأت في العدد الأخير من جلة (الرسالة) الغراء كلمة لأديب فاضل عن فكرة (نهر الجنون) وتماثلها مع فكرة قطعة نثرية لجبران خليل جبران. وقد حار الأديب في علة هذا التشابه، وافترض بعض الفروض، وعقبت (الرسالة) كذلك بفرض قريب من الحقيقة. ورداً على كل ذلك أقول إني سمعت هذه القصة لأول مرة منذ نيف وعشرين سنة، وقد وجدتها شائعة على الألسنة كغيرها من الأساطير. ولا ريب عندي أن جبران خليل جبران لم يخترع هذه القصة اختراعاً، وإنما دونها كما سمعها من الناس. ومثل هذه الأساطير ما ابتدعها كاتب، وإنما نبتت من قديم الزمان بين الشعوب والأجناس كأكثر النوادر والحكم والأمثال. وإني لم أكن أعلم قط قبل اطلاعي على عدد الرسالة الأخير أن أحداً من الكتاب أو الشعراء قد تناول من قبل هذه الأسطورة، ولم يصل إلى خبرها عن طريق شيء مكتوب، وإنما عن طريق أفواه الناس
وتقبل أطيب تحيات
المخلص
توفيق الحكيم
الترشيح لجائزة نوبل للسلام
تحدثت بعض الصحف الألمانية أخيراً عن الترشيح لجائزة نوبل عن السلام، ومعروف أن هذه الجائزة يمنحها معهد نويل في كل عام للرجل الذي قام بأعظم الخدمات في سبيل السلام العالمي سواء كان من رجال السياسة أو القلم؛ وقد أعطيت هذه الجائزة في العام الماضي لاثنين من الانكليز هما السير نورمان أنجل الكاتب والصحفي الذي اشتهر بكتبه ومقالاته ضد الحرب وفي سبيل السلام، ومستر ارثر هندرسون رئيس مؤتمر نزع السلاح. والآن تتساءل بعض الصحف الألمانية لماذا لا يرشح معهد نوبل الهير هتلر رئيس الدولة الألمانية لنيل جائزة السلام؟ وتقول إن أحداً من رجال الحرب أو السياسة أو القلم لم يخدم قضية السلام في العامين الأخيرين قدر ما خدمها هتلر، فهو يتجه بجميع جهوده الداخلية والخارجية إلى توطيد دعائم السلم، وحديث الصحف الألمانية في ذلك طريف في غرابته وتناقضه؛ فلم ينس إنسان بعد كيف قام النظام الهتلري في ألمانيا، ولا كيف يستند في بقائه إلى أشنع وسائل الضغط والنعنف، ولم ينس إنسان بعد تلك الدماء التي سالت في ألمانيا غزيرة في 30 يونية الماضي دون أي وازع أو محاكمة بحجة التآمر على هتلر، ولا يستطيع أخذ أن ينسى أن النظام الهتلري يقوم من أساسه على صيحة الحرب وعلى المبادئ العسكرية والأحفاد الجنسية المغرقة، ولكن الصحافة الألمانية التي أصبحت أداة مستعبدة في يد وزارة الدعوة لا تتحرج عن اتحدث عن السلام ودعائه على هذا النحو الغريب
كتاب طريف عن نابليون صدر بالفرنسية كتاب جديد عن نابليون بورنابارت، ولكنه كتاب من نوع خاص وعنوانه: (بؤس نابليون) ومؤلفه لورنزي دي برادي؛ وهو كاتب ورسيكي الأصل، يهدي كتابه إلى جميع الكورسيكيين حتى لا ينسوا أن نابليون يمت اليهم بصلة الجنس، وطرافة هذا المؤلف ترجع إلى أنه يصور لنا أي بؤس كان يعانيه ذلك الإمبراطور العظيم منذ نشأته حتى وفاته؛ فهو قد بدأ الحياة ضابطاً بائساً يعاني أمر ضورب الفقر بعد أن طرد من وطنه الأصلي، ولما وصل إلى قمة المجد وبسط سيادته على أوربا، كان يبدو في ثوب من السعادة والهناء، ولكنه كان أبعد الناس عن التمتع بوفاة أصاحبه، وكان صحبه أشد الناس خيانة له وتوثباً إلى الغدر به. ويقول لنا دي برادي إنه أراد أن يصور كل ضروب الشقاء التي عاناه نابليون، وأن يوضحها بأقوال ذلك الذي عاناها؛ وأنه متى شرحت هذه الآلام استطاع القارئ أن يفهم الروح النابوليونية حق الفهم، وأن يتتبعها خلال تلك الحياة الشقية التي ارتضاها الإمبراطور في فلسفة واستكانة وتسليم
وفاة علامة نمسوي
من أنباء فينا أن العلامة الرياضي الشهير الأستاذ الدكتور جوستاف ايشريخ قد توفي في السادسة والثمانين من عمره، وقد بدأ الأستاذ ايشريخ حياته العامة مدرساً للرياضة في جامعة جراتز منذ سنة 1874؛ ولم يلبث أن ظهر ببراعته ومباحثه المبتكرة؛ وفي سنة 1884 عين أستاذاً للرياضيات بجامعة فينا، وهو الكرسي الذي شغله مدى خمسين عاماً حتى وفاته، وقد نشر عدة مؤلفات رياضية هامة أشهرها مباحثه عن (التبلور) وتوجت مباحثه غير مرة من أكاديمية العلوم؛ وبوفاته يخسر العلم النمسوي أحد أقطابه وأركانه من العهد القديم