الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 838/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 838/البريد الأدبي

بتاريخ: 25 - 07 - 1949


بيان وتنبيه!

1 - قرأت للمرة الأولى كتاب التصوف وفريد الدين العطار للدكتور عبد الوهاب عزام بك مع نقده في مجلة الكتاب الغراء، وقد طلب الناقد الكشف عن فقرة فشرحتها، ولم يتيسر إيضاح الفقرة الثانية.

ثم قرأته للمرة الثانية ولا زالت تلك الكلمة أمام ناظري، حتى تبين لي وجه الصواب فيها. وتلك الكلمة هي قول الجنيد كما وردت في الكتاب المذكور (ليس الاعتبار بالخرقة، إنما الاعتبار باُلحرقة).

وقد قال الناقد عنها في مجلة الكتاب (وهذا يدعو أن نسأل الدكتور عن تساهله أحياناً في إيراد القول الواحد على وجهين قد لا يتأثر بهما المعنى، ولكن تتأثر بهما إرادة التحقيق، فقد روى في ص 29 عن الجنيد أنه قال: ليس الاعتبار بالخرقة، إنما الاعتبار بالحرقة) وفي ص 31 ذكر أن الجنيد قال: إنما الاعتبار بالحرقة وليس الاعتبار بالخرقة (ومؤدي الروايتين وملفوظهما يكاد يكون واحداً لولا الفرق بين إيراد النفي أولاً والحصر بإنما ثانياً وما يتبع ذلك من فرق دقيق في المعنى من حيث علم المعاني. . .).

وأقول: إن الصوفية همهم العمل ظاهراً وباطناً، فظاهراً الاحتراف وعدم الكسل، وباطناً تنقية النفس من أدرانها حتى تكون العبادة على صفاء. وقد كان الأكابر من رجال الطريق عندما يأخذون على أحد العهد يقرونه على حرفته ويطلبونه منه عدم تركها والإحسان فيها. ولذا كان الخواص يقول: إن الذي يأكل من كسبه ولو مكروهاً كالحجام أحسن من المتعبد الذي يأكل بدينه ويطعمه الناس لصلاحه. وكان رضي الله عنه لا يجيب فقيراً إلى طعامه إلا إذا علم أن له كسباً شرعياً من تجارة أو زراعة أو صنعة. وقد سأل شخص من الأمراء أن يعمل له مولداً فأبى الشيخ وقال: والله إن كسبي من هذا الخوص لا يعجبني الأكل منه، فكيف آكل من كسب الأمراء أو أدعو الناس إلى الأكل منه!

مما ذكر يتضح أن التصوف الحق هو العمل وهو المراد من قول الجنيد رضى الله عنه. وصحة قول هو: ليس الاعتبار بالخرقة، أي بلبس ثياب المتصوفة، إنما الاعتبار بالِحرفة أي الصنعة، بمعنى أن الدين الصحيح والعبادة الحقة ليس لبس الإنسان لباس التقشف والمعيشة على حساب الغير وترك التكسب، وإنما هو الإحتراف ومنفعة العباد، فلا خير في شخص لا فائدة في حياته. وهذا بنى الله داود عليه السلام مع مرتبته (كان يأكل من عمل يده).

فالعمل في نظر المتصوفة هو الحياة، ولا خير في حياة بلا عمل.

2 - ظللت أرتع في رياض كتاب (عبقرية محمد) للأستاذ عباس محمود العقاد وأستمتع بالنظر إليها وبأريجها، وبما فيها من جمال وجلال، ولكني وجدت نبتة صغيرة - ليس لها مكان - يسهل اقتلاعها إذ لا يصح أن يشملها هذا الروض العطر.

وأفصح فأقول وجدت حديثاً في ص 239 وهو (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف. . .).

وهذا الحديث القدسي ليس مذكوراً في الكتب المعتمدة في الحديث، وقد قال عنه ابن تيمية: ليس من كلام النبي عليه السلام ولا يعرف له سند صحيح. (وتبعه الزركشي وابن حجر والسيوطي وغيرهم، ومن المتأخرين من أفتى ببطلانه. ولو ورد على لسان بعض المتصوفة فليس لبعضهم باع في ذلك وقد قال أحد أكابرهم وهو الغزالي (أنا مزجي البضاعة في الحديث). ولأن مدار صحة الحديث على السند، وهذا الحديث الذي معنا لا سند له.

ولو خلا منه كتاب الأستاذ العقاد لما أثر فيه ولما ذهب من جماله شيء بل يزيده جمالاً فوق جماله.

(شطانوف)

محمد منصور خضر

حب عذري

يكاد يجتمع الكاتبون في عصرنا على أن الحب الطاهر لم يعد له وجود إلا في بطون الكتب، وخيالات الشعراء، وأدمغة المحررين، ويرون أن الحب إن كان بالأمس سمواً بالنفس عن الدنيات، واتفاعاً بالروح عن أوضار التراب، فإنه اليوم شهوة جسد إلى جسد، ورغبة جنس في جنس، قالوا، ولا يدعي الهوى الطاهر إلا أحد رجلين إما مجنون أو مغالط.

وقد حدثني صاحبي - وما عهدته يكذب - بقصة أسوقها لقراء الرسالة، أنا أعلم أن الجم الفقير منهم سيزم شفتيه، وبجحظ بعينيه، ويرسل خياله في الأفق ثم يقول: أين، ومتى؟ وأن القليل، أو الأقل من القليل، سيتغافل، ويقول: يحتمل، ولكنني على كلُّ حال واثق من صدق صاحبي، مؤمن بما قال، وقد أوجز قصة صاحبته فقال: هي فتاة لم تبلغ العشرين من عمرها، وهذه السن هي سن الطيش والنزق عند الفتيان والفتيات، ولكن هذه الآنسة أثبتت بسلوكها أن الفتاة المتدنية المحافظة، المترفعة بنفسها، الخاضعة لكبريائها، تستطيع أن تكون قوية الإرادة، صادقة العزيمة، فلا تندفع وراء عواطفها، ولا يجرفها التيار، رأته فأحبته، أحبته حباً شديداً ملك عليها نفسها، وسيطر على مشاعرها، وكما يقول الرافعي رحمه الله: (أراه حباً فالقاً كبدي) كان شاباً مديد القامة، أبيض الوجه، مفتول العضل؛ وكان فوق ذلك (فناناً)، أحبته، وتطلعت نفسها إليه، وأوشكت أن تنزل إلى الشارع لتتحدث إليه، وتنعم بقربه، ولكنها - بعد جهاد نفسي عنيف - خضعت لكبريائها، ونزلت عند تقاليد أسرتها، فآلت على نفسها أن تتجلد، وتتحمل، وأن تترك حبه يفعل في نفسها ما يفعل.

قال صاحبي: وأتيح لي أن أطلع على سرها وأن أتحدث إليها فيه، فسألتها مرة: كيف عرفت هذا الفتى؟ قالت: ذلك أسم مقدس، لا أسمح لنفسي أن تنطق به، ولا أبيح لغيري أن ينطق به أمامي، قلت: هل تريدينه زوجاً لك؟ قالت: لا. أنه جميل، إنه أجمل مني، وأنا لا أصلح له. إن يتزوج بفتاة جميلة تسعده، ولا أريد أن يضحي بعواطفه في سبيلي. قلت: كأنه يحب أخرى، قالت نعم، قلت هذا شاب صغير النفس، قالت تريد شيدي، أرجو أن تتأدب في الحديث عنه. إنني أحبه حباً خالصاً؟، لا أريد من ورائه ما تريده الفتيات أمثالي، وسأضل وفية له، ولو أحب مائة فتاة أخرى. ويا حبذا لو استطعت أن أقدم إليه ما يساعده على بلوغ آماله.

تلك هي قصة هذه الفتاة المثالية، فما رأي قراء الرسالة؟

علي العماري

الجمع بين الأختين: ورد في القصة التي نشرتها السيدة بنت الشاطئ في مجلة الهلال لشهر حزيران (يونيه) إن الزواج قد جمع بين أختين في زواج واحد، حيث قالت الكاتبه: (حيث شاع في الحي بعد حين أنه تزوج من أختها وهي أرملة. . .) وجاء أيضاً في الصفحة ذاتها (. . . فسكنت حيث هي، تضع عيناً على طفلتها، وترسل الأخرى وراء الزوج والضرة الأخت وبنتيها).

ولما كان أدب القصة يقضي أن تكون القصة منتزعة من صميم المجتمع مصورة تقاليده، واعية شعائره، ممثلة لشتى النزعات والخلجات التي تدور في نفوس أشخاصه لكي يسهل أداء الرسالة وتحقيق الغاية التي يهدف من ورائها القاص. ولست أدري كيف غرب عن بال الكاتبة الفاضلة أن الجمع بين الأختين محرم في الشريعة الإسلامية السمحة، إذ أن القاعدة فيها أنه يحرم الجمع بين الأختين وبين امرأة وعمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها. لأنه لو كانت إحداهما رجلاً كانت الأخرى أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته وذلك لقوله تعالى في كتابه الكريم: (وأن تجمعوا بين الأختين). ولقول الرسول الأعظم ﷺ: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها، فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم) وبهذه المناسبة أقول إن الجعفرية تذهب إلى أنه يجوز للرجل أن يتزوج على امرأته بنت أخيها أو بنت أختها برضاً من امرأته. وبعمتها وخالتها مطلقاً قاصرين الجمع على ما ورد في النص.

هذا وللكاتبة الفاضلة ولصاحب (الرسالة) الغراء جزيل الشكر.

(بغداد - كرخ)

محمد العبطة المحامي