الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 836/طمأنينة السماء

مجلة الرسالة/العدد 836/طمأنينة السماء

مجلة الرسالة - العدد 836
طمأنينة السماء
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 11 - 07 - 1949


للآنسة فدوى عبد الفتاح طوقان

عج الأسى في نفسها الشاعرة ... في ليلة مقرورة كافره!

وحيدة؛ ضاق بها مخدع ... توغل فيه الوحشة السادرة!

كم شهد المكبوت من شجونها ... تثيره خلجاتها الثائرة. . .

كم التوت فيه على قلبها ... تبكي أماني قلبها العاثره

وكم!. وكم!. ولا يدٌ برةٌ ... تأسو جراح الزمن الغائره!

تنهدت مما عراها وقد ... مالت على شرفتها حانيه

وقلبته بصراً تائهاً ... في قلب تلك الظلمة الغاشيه

لا ومضة تخفق من كوة ... لا نبأة تصعد من ناحيه

سوى هزيز الريح تهتاجها ... أصداؤه المفجوعة الباكيه

وقلبها المحروم ما يأتلى ... يدق خلف الأضلع الواهيه!.

ورجت الوحشة أعماقها ... في هيكل الليل الكثيب الضرير

فاصطرعت فيها أحاسيسها ... كاللج يطغى في الخضمَّ الكبير

ووثبت أشباح آلامها ... مجنونة، تشبُّ شبَّ السعير

فجمدت في جفنها دمعة ... تصاعدت من قلبها المستطير

ثم همت محرورة، مرَّةً ... كأنها تضرّع المستجير

تلفتت وراءها في أسىً ... نحو مهاوي أمسها الغابر

لعل في أغواره لمحة ... تلوح من ذكر ى سنيً عابرة

لعل في المضي وأطيافه ... عزاَءها من قسوة الحاضر!.

فما رأت غير حطام المنى ... على صخور القدر الغادر. .

وبعض أشلاء هوًى حالمٍ. . ... مرتطم بالواقع الساخر. . .

وسرَّحت أمامها طرفها ... عبر غدٍ مكتنف بالضباب!

فأبصرت، ما أبصرت؟ مهمهاً ... مستبهم الأفق، مخوف ألشعاب

تبعثرت فيه الصوى واختفت ... معالم السبل وراء اليباب وهي على الدرب ذعور الخطى. . ... رفيقها الوحدة. . والاغتراب.

والظمأ الكاسر لا يرتوي ... في قلبها الهائم خلف السراب!

وكان أقسى ما شجي نفسها ... وابتعث الراعب من هجم

تدفق الظلمة في يومها ... في غدها المحروم. . في أمسها.

ظلمة عمر، كل أيامه ... ليل تدجى في مدى حسم

النور، أين النور؟ هل قطرة ... تسيل منه في دجى يأسم

من أين؟ والأقدار قد جففت ... منابع الأضواء من نفسها!

وفي شرود مبهم غامض ... تعلقت مقلتها بالسماء!

فأنشق صدر الليل عن كوكب ... مشعشع الوهج، دفوق الضياء

كأن روح الله من فوقه ... تمده بنورها عن سخاء

فأنخطفت في ذهلة روحها، ... خلف النهايات، وراء الفضاء.

هناك، حيث النور لا ينتهي، ... هناك حيث النور فوق الفناء

هناك غشتها طمأنينةٌ ... علوية، ما لمداها حدود

وصاح عن أعماقها هاتف ... ينتظم الأرض مداها البعيد:

يا أرض، أهواؤك مهما طغت ... وأقعدت خطوى بثقل القيود. .

يا أرض، أحزانك مهما قست ... وطبقت حولي مجالي الوجود

هيهات أن تلمس روحاً سرى ... فيها من الله ضياء الخلود!.

(نابلس)

فدوى عبد الفتاح طوقان