مجلة الرسالة/العدد 835/حرارة الصيف بين العلم والأدب
→ أثر العظماء في التاريخ | مجلة الرسالة - العدد 835 حرارة الصيف بين العلم والأدب [[مؤلف:|]] |
رثاء الجارم ← |
بتاريخ: 04 - 07 - 1949 |
للأستاذ ضياء الدخيلي
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
ومن ظريف ما ينقل عن تدابير القدماء في اتقاء قسوة الحر ما نقله ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء في ترجمة الطبيب بختيشوع بن جبرئيل، وقد قال عنه الدكتور أمين أسعد خير الله في كتابه عن (الطب العربي) إنه كان مقرباً من الخليفة المتوكل وكان غنياً وأنيقاُ يشابه الخلفاء من حيث اللبس والحاشية والمعيشة. ومن الطريف أنه كان أول من استعمل طريقة تكييف الهواء والحرارة كما حدث عنه أبو محمد بدر. قال ابن أبي أصيبعة (حدث) أبو محمد بدر بن أبي الأصبع الكاتب قال حدثني جدي قال دخلت إلى بختيشوع في يوم شديد الحر وهو جالس في مجلس مخيش بعدة طاقات من الخيش وفي وسطها قبة عليها جلال من قصب مظهر بدبيقي قد صبغ بماء الورد والكافور والصندل وعليه جبة يماني سعيدي مثقلة ومطرف قد التحف به، فعجبت من زيه، فحين حصلت معه في القبة نالني من البرد أمر عظيم، فضحك وأمر لي بجبة ومطرف وقال يا غلام اكشف جوانب القبة، فكشفت فإذا أبواب مفتوحة من جوانب الإيوان إلى مواضع مكبوسة بالثلج وغلمان يروحون ذلك الثلج فيخرج منه البرد الذي لحقني، ثم دعا بطعامه، فأتي بمائدة في غاية الحسن عليها كل شيء ظريف، ثم أتى بفراريج مشوية في نهاية الحمرة، وجاء الطباخ فنفضها كلها فانتفضت، وقال هذه فراريج تعلف اللوز و (البزر قطونا) وتسقى ماء الرمان.
ولما كان في صلب الشتاء دخلت عليه يوماً والبرد شديد وعليه محشوة وكساء وهو جالس في طارمة في الدار على بستان في غاية الحسن وعليها سمور قد ظهرت به وفوقه جلال حرير مصبغ ولبود مغربية وأنطاع أدم يمانية، وبين يديه كانون فضة مذهب مخزَّق وخادم يوقد العود الهندي وعليه غلالة قصب في نهاية الرفعة؛ فلما حصلت معه في الطارمة وجدت من الحر أمراً عظيما، فضحك وأمر لي بغلالة قصب وتقدم بكشف جوانب الطارمة فإذا مواضع لها شبابيك خشب بعد شبابيك حديد، وكوانين فيها فحم الغضا، وغلمان ينفخون ذلك الفحم بالزقاق كما تكون للحدادين؛ ثم دعا بطعامه فأحضروا ما جرت به السرو والنظافة فأحضرت فراريج بيض شديدة البياض فبشعتها وخفت أن تكون غير نضيجة، ووافى الطباخ فنفضها فانتفضت، فسألته عنها فقال هذه تعلف الجوز المقشر وتسقى اللبن الحليب. وكان بختيشوع بن جبرئيل يهدي البخور في درج ومعه درج آخر فيه فحم يتخذ له من قضبان الأترج والصفصاف وشنس الكرم المرشوش عليه عند إحراقه ماء الورد المخلوط بالمسك والكافور وماء الخلاف والشراب العتيق، ويقول أنا أكره أن أهدي بخوراً بغير فحم فيفسده فحم العامة، ويقال هذا عمل بختيشوع.
(وحدث) أبو محمد بدر بن أبي الأصبع عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن الجراح عن أبيه أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع: ادعني؛ فقال السمع والطاعة. فقال أريد أن يكون ذلك غداً. قال نعم وكرامة؛ وكان الوقت صائفاً وحره شديداً، فقال بختيشوع لأسبابه وأصحابه: أمرنا كله مستقيم إلا الخيش فإنه ليس لنا منه ما يكفي. فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش بسر من رأى، ففعلوا ذلك وأحضروا كل من وجدوه من النجارين والصناع فقطع لداره كلها صحونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها خيشاً حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيش، وإنه فكر من روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأي من البطيخ، وأحضر أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يدلكون الخيش بذلك البطيخ ليلتهم كلها، وأصبح وقد انقطعت روائحه، فتقدم إلى فراشيه وعلقوا جميعه في المواضع المذكورة. فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش وجدَّته، فقال أي شيء ذهب برائحته؟ فأعاد عليه حديث البطيخ فعجب من ذلك. واستشرف المتوكل على الطعام فاستعظمه جداً. وأراد النوم فقال لبختيشوع أريد أن تنومني في موضع مضيء لا ذباب فيه، وظن أنه يتعنته بذلك. وقد كان بختيشوع تقدم بأن تجعل أجاجين السيلان في سطوح الدار ليجتمع الذباب عليه فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة. ثم أدخل المتوكل إلى بيت مربع كبير سقفه كله بكواء فيها جامات يضيء البيت منها وهو مخيش مظهر بعد الخيش بالدبيقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور. فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب لا يدري ما هي لأنه لم يرى في البيت شيئاً من الروائح والفواكه والأنوار، ولا خلف الخيش لا طاقات ولا موضع يجعل فيه شيء من ذلك. فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها، فخرج يطوف فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبواباً صغاراً لطافاً كالطاقات محشوَّة بصنوف الريَاحين والفواكه واللخالخ والمشام التي فيها اللقاح والبطيخ المستخرج ما فيها المحشوة بالخام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق والكافور والشراب العتيق والزعفران الشعر. ورأى الفتح غلماناً قد وكلوا بتلك الطاقات مع كل غلام مجمرة فيها ند يسجره ويبخر به، والبيت من داخله إزار في إسفيداج مخرم خروماً صغاراً لا تبين يخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت. فلما عاد الفتح وشرح للمتوكل صورة ما شاهده كثر تعجبه منه وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته وكمال مروءته، وانصرف من داره قبل أن يستتم يومه، وادعى شيئاً وجده من التباث بدنه وحقد عليه ذلك، فنكبه بعد أيام يسيرة، وأخذ من بختيشوع مالا كثيراً لا يقدَّر (نقل ذلك ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء ج1ص141) والخبر صورة من ترف بغداد وسر من رأى في عهد العباسيين؛ ولكن ليس معنى هذا أن كل الشعب كان يعيش في مثل ذلك الرفاه والسعادة.
وقبل أن نفرغ من حديث الخيش ننقل لك من معجم الأدباء القصة التالية وفي أبياتها تعرف أن المسلمين في ذلك العهد كانوا يضربون الأمثال ببرودة قبة الخيش لأنها لعهدهم عنوان البرودة. وقد استعار بعض الشعراء برودتها المائية للبرودة المعنوية في الألفاظ والتراكيب الشعرية. قال ياقوت الحموي في أخبار عوف بن محلم الخزاعي المتوفى سنة 220هـ إنه كان صاحب أخبار ونوادر وله معرفة بأيام الناس، وكان طاهر بن الحسين قد اختصه لمنادمته واختاره لمسامرته، ومن بعده قربه عبد الله بن طاهر من نفسه، وأنزله منزلته من أبيه. قال: وكان قد ورد على عبد الله بن طاهر شاعر يقال له (روح) وعرض على عوف شعره فمنعه من إنشاده عبد الله وقال: إن عبد الله رجل عالم فاضل لا ينفق عليه من الشعر إلا أحسنه. فقال له: قد حسدتني، وتوصل حتى أنشده عبد الله فاسترذله واستبرده ورده، فبلغ ذلك عوفاً فقال:
أنشد في (روح) مديحاً له ... فقلت شعراً فقال لي فيش
(فيش: من فاش الرجل فيشاً: افتخر وتكبر ورأى ما ليس عنده. وفايشه فاخره، وفايش الرجل أكثر الوعيد في القتال ثم لم يفعل).
فصرت لما أن بدا منشداً ... كأنني في قبة (الخيش) وقلت زدني وتفهمته ... والثلج في الصيف من العيش
ولقد كان عوف هذا من أدباء القرن الثالث الهجري.
ولقد صبر العربي على قسوة محيطه ولم يتضجر من عنف الحياة فيه بل خلق من سيئاته حسنات؛ فكان صبره على شظف العيش في بلاده مصداق قول الدكتور أحمد أمين في كتابه (الأخلاق) في بحث الوطنية. (على أن حب الوطنية يكاد يكون طبيعياً في كل إنسان حتى لنرى بعض الحيوانات تحن إلى أوطانها كما تحن الطيور إلى أوكارها. ولقد ينشأ البدوي في بلد جدب ومكان قفر وهو مع ذلك يسعد بوطنه ويقنع به ويفضله على كل مصر). قال الجاحظ: (وترى الحضري يولد بأرض وباء وموتان وقلة خصب، فإذا وقع ببلاد أريف من بلاده، وجناب أخصب من جنابه، واستفاد غنى، حن إلى وطنه ومستقره. وخير مثال لقول الجاحظ قصيدة مالك بن الريب يحن إلى بادية العرب وهو في جنان إيران، وكان قد ذهب إليها مع الجيوش العربية التي سارت لفتحها فمنها:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القطا أزجي القلوب النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه ... وليت الغضا ماشي الركاب لياليا
لقد كان في أهل الغضا لودنا الغضا ... مزار ولكن الغضا ما دنا ليا
وهذا هو السر في أنك ترى البلد تفشي فيه أنواع الحميات، أو يكون مثاراً للبراكين من حين إلى حين أو عرضة لطغيان الماء أو عصف الرياح ثم لا يبرحه أهل ولا يعدلون به بلداً سواه. قيل لأعرابي كيف تصنع في البادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال وهل العيش إلا ذاك؟ يمشي أحدنا ميلا فيرفض عرقاً ثم ينصب عصاه ويلقي عليها كساءه ويجلس في فيئه يكتال الريح فكأنه في إيوان كسرى!
لقد أطلنا الحديث عما قاله الأدب عن حرارة الصيف فلننهض العلم ليقف على المسرح ويحدثنا عن أثر حرارة الصيف في الجسم فنجمع بين الحسنيين. وما أجمل العاطفة والعقل إذا اجتمعا في صعيد واحد! وإن الأدب والعلم زوجان ينتج من اقترانهما تمام المعرفة.
قال البروفيسور (بويد) صاحب المؤلفات الغزيرة الفائدة في علم الباثولوجي وهو العلم الباحث عن كيفية تهدّم الجسم بالأمراض: إن ضربة الحر في أساسها شلل في الجهاز المنظم للحرارة ويسببه التعرض لحرارة شديدة. وإن درجة الحرارة التي توجب الإصابة بضربة الحر تتوقف على الرطوبة وتختلف باختلاف الأشخاص؛ وإن تخليص الجسد من الحرارة الفائضة يتم بفعل قابلية الجلد للتعرق؛ إذ أن الرشيح العرقي يتبخر فيجذب الحرارة من الذي يتبخر منه فينتعش الإنسان. غير أن بعض الناس يقل عرقهم، وإن درجة حرارة الجسم الطبيعية هي حوالي 98 , 5 فهرنهايت؛ فإذا تشبع الجو ببخار الماء لحد الإشباع وارتفعت حرارته إلى التسعين فهرنهايت سبب ذلك أن ترتفع حرارة الجسم ارتفاعاً جامحاً لا يضبط ولا يسيطر عليه جهاز تنظيم الحرارة فيه؛ وعندما تتجاوز حرارة الجو حرارة جسم الإنسان تتوقف عملية تخليص البدن من حرارته الفائضة الداخلية - بواسطة الإشعاع أين تشع الحرارة إذا كان المحيط أزيد حرارة فيغدو عند ذاك - التعرق لتبريد الجسم بواسطته هو المعول الوحيد لإضاعة الحرارة المتراكمة فيه.
وقد يفرق الأطباء بين الإعياء وانهيار القوى المسببين بالحرارة الخارجية - وبين ضربة الحرارة. ولكن البروفيسور (بويد) يرى من الصعب التفريق بينهما إذ هما مرحلتان لمرض واحد. ففي الانهيار المسبب عن الحرارة الخارجية يحصل إجهاد عنيف لماكنة تنظيم الحرارة في الجسم فيهجم عليه الضعف والاصفرار والذهول وهبوط ضغط الدم، وإذ ذاك قد ترتفع درجة حرارة ولكنها قد تكون أقل من الطبيعي.
أما في ضربة الحرارة فإن جهاز تنظيم الحرارة يصبح مغلوباً على أمره فترتفع حرارة الجسم عشر درجات فهرنهايت أزيد من الطبيعي أو أكثر. وقد سجلت وقعة بلغت حرارة الجسم الداخلي للمريض (117) فهرنهايت، والطبيعية كما قدمنا هي (98 , 5) فهرنهايت. وليكن معلوماً أن حرارة الجسم الداخلية الحقيقية التي تمثلها حرارة الشرج قد تكون أعلى بكثير من حرارة الفم وتحت الإبط. وهذه الموضع اعتاد الأطباء أن يضعوا فيها مقياس الحرارة.
وإن ضربة الحرارة قد تسبب بالتعرض المباشر للشمس الحالة المعروفة بضربة الشمس. ولا علاقة لأشعة الشمس الفوق البنفسجية بإحداث الضربة الشمسية؛ إذ أن نفس الأثر المرضي يمكن إحداثه بالتعرض لأية حرارة زائدة وبخاصة إذا اجتمع إليها زيادة في الرطوبة النسبية، وأن الأشخاص الذين يعملون في غرف المكائن الحارة والحدادين الذين يشتغلون بالقرب من الحرارة العالية يصابون بنفس الطريقة، وإن حالة الشخص الفيزيائية تسبب بعض الاختلاف، وإن المرضى المعرضين لعملية جراحية خطيرة خلال فترة تمر فيها موجة حرارية على البلاد - قد يموتون بالضربة الحرارية. وقد أجريت تجارب مهمة على الحيوانات بتعريضها لضربات حرارية. وقد لوحظ أثر تغيرات الدم الكيماوية مما يطول شرحه. وقد يموت المريض من ضربة الحرارة بمباغتة مرعبة، وقد يسقط فاقداً شعوره وهي الحالة المعروفة بداء السكتة الحرارية. وهذه الحالة شائعة الوقوع في الجنود الذين يجبرون على المسيرة المتعبة في المناطق الاستوائية، وحتى في الحالات الأقل مفاجأة قد يصبح المريض بسرعة فاقداً شعوره.
وفي الإعياء المسبب بالحرارة قد تجد الجلد رطباً، ولكن في ضربة الحرارة من المعتاد أن تجده جافاً ومحرقاً بحرارته الشديدة، ويظهر عجز المريض عن التعرق. وقد ينتابه تهيج شديد حتى قد يبتلى بجنون حاد. وقد تصعد درجة الحرارة درجات عليا، ولكن ليس ذلك في كل وقعة. وفي الأدوار الأخيرة تصبح الحرارة أقل من الطبيعية. وإذا استعاد المريض صحته وعوفي فقد يصاب بعطل عصبي أو عقلي دائمين.
ويقول (كرين) في كتابه أن تعريض كل الجسم لحرارة عالية خارجية خاصة إذا اجتمع إلى ذلك رطوبة الجو - ربما يؤدي إلى الإصابة بالضربة الحرارية وهو الأمر المشاهد في وقادي الآلات البخارية العاملين في غرف المكائن في البواخر الماخرة في المناطق الاستوائية. وفي فرق الجنود في مسيراتها في الأجواء الشديدة الحرارة أو إذا عسكرت في تلك المناطق. ويحدث ذلك بصورة طفيفة في السكان المدنيين الذين يقومون بأشغال ومساعي اعتيادية، ولكن في جو رطب شديد الحرارة. وإن من العوامل المهيئة للإصابة بضربة الحرارة العمل الشاق والإفراط في السكر والملابس الغير الصالحة. في الحالات الشديدة يحصل تدهور وانحطاط فجائيان في القوى وتضييع للشعور مع هذيان وتشنجات عضلية، وأخيراً إغماء. وقد ترتفع حرارة الجسم إلى درجات عالية فقد تبلغ (108) أو (110) وهي نهايته ويقال أن المريض مصاب بحمى فوق المعتادة.
وفي الدرجات الأقل عنفاً قد يحصل انتهاك في القوى وعسر في النفس وازرقاق اختناقي، بينما نجد في الحالات الطفيفة - تعباً وصداعاً وحمى خفيفة، وإذا شرح جسم الميت بالإصابة الحرارية لا يوجد تغيرات مرضية ثابتة ما عدا الاحتقان الشديد في الأعضاء الداخلية والأحشاء. وقد يرى تورم بالمائعات في الدماغ وزيادة في السائل الذي تحت الطبقة العنكبوتية في أغشية الدماغ، ويرى في حجيرات الدماغ التغيرات الخاصة المشاهدة في الحمى العالية.
وإن تعريض الرأس والعلياء لأشعة الشمس المباشرة في المناطق الاستوائية - قد قيل أنه يسبب مرضاً شديداً قد يكون مهلكا يسمى بضربة الشمس.
والظاهر أن الإصابة تسببها الأمواج الحرارية؛ أما الأشعة الفوق البنفسجية فلم ينهض دليل علمي على تركها أثراً ضاراً في المجموعة العصبية إذا جردناها من أمواج الحرارة التي تصحبها. وفي غالب الظن أنه لا يوجد مرض مستقل منفرد متميز من ضربة الحرارة يصح أن نطلق عليه اسماً خاصاً هو (ضربة الشمس)
أما سير الحوادث فيظهر كما يلي: إن الحرارة الخارجية عندما تتجاوز حرارة البدن فإن إنعاشه بالتعرق الذي يبرده عندما يتبخر العرق - يكون العامل الوحيد والواسطة الفعالة لتنظيم درجة الحرارة. فإذا انهار هذا الجهاز وأصابه العجز فإن الحرارة سترتفع وتسبب الحمى العالية مع نتائجها المتلفة المسببة للهلاك.
ولا فرق في إحداث ضربة الحرارة بين أن تكون ناتجة من سير الإنسان في الشمس أو عمله في غرفة وقاد السفينة أو في غرفة شديدة الحرارة رديئة التهوية (تعددت الأسباب والمرض واحد) وبعد مدة ما من التعرض للحرارة نصل إلى حالة العجز من التخلص من الحرارة الداخلية الزائدة فيصاب بالعطل والعجز جهاز التعرق ويعتري القلب الوهن ويقع ارتفاع لا بد منه في درجة الحرارة الجسمية. أما أثر القبعة الصيفية والمظلة وأشباههما فهو مجرد تقليل ما يأخذه الجسم من الحرارة الخارجية؛ أما تناول الثلج والماء المثلج ورش الماء البارد على الجسم والمراوح - فكل هذه وسائط لزيادة تضييع الحرارة من الجسم وتخليصه منها.
وبينما تجد عجز البدن عن التعرق يؤدي إلى ضربة الحرارة فإن التعرق الزائد الغزير يسبب في عضلات الأطراف والبطن تشنجها واعتقالها الوقتيين، وهذا لا علاقة له بجهاز تنظيم الحرارة لكنه بسبب إضاعة ملح الكلوريد من الجسم بواسطة الرشيح العرقي مما يؤدي إلى اختلال في توازن الصوديوم والبوتاسيوم في البدن، ومن الممكن مداواة تلك التشنجات بسهولة بشرب ماء مالح بدلا من الماء العذب حتى يعوض الجسم ما فقده من ملح الطعام (كلوريد الصوديوم) بالرشيح العرقي الزائد.
(بغداد)
ضياء الدخيلي
الطبيب المتمرن في المستشفى التعليمي (سابقا)