مجلة الرسالة/العدد 835/الأدب والفن في أسبوع
→ رثاء الجارم | مجلة الرسالة - العدد 835 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 04 - 07 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
أمر جديد في مسألة الكتب المدرسية:
أتيت في الأسبوع الأسبق على موضوع الكتب المدرسية من حيث ما قررته وزارة المعارف في فبراير الماضي من القيام بتوزيع هذه الكتب على طلبة المدارس الحرة كما توزعها على طلبة مدارسها وأبنت ما اكتنف ذلك وما يترتب عليه من آثار سيئة مادية وأدبية، وأذكر اليوم أن ذلك القرار يتضمن أن تغير الوزارة العقود مع المؤلفين بحيث تصبح وحدها صاحبة الحق في طبع الكتب وتعوض مؤلفيها عن كسبهم مما كانوا يطبعونه لغير مدارس الوزارة، وذلك بمضاعفة مكافآتهم، وينص القرار على أن ينفذ ذلك ابتداء من السنة الدراسية 1950 - 1951 وبينما الناشرون والمؤلفون يواصلون مساعيهم للعدول عن ذلك في ريث وتمهل لا يرون داعياً إلى العجلة لأن أمامهم موسماً دراسياً كاملا يستمر العمل فيه بالنظام القديم ويأملون أن يوفقوا في خلاله إلى تسوية عادلة - بينما هم كذلك إذ فوجئوا بأمر لم يكن في حسبانهم إذ اتصل بهم بعض مجالس المديريات فأبلغهم أن مدارس هذه المجالس لن تحتاج إلى كتب منهم في السنة الدراسية القادمة 1949 - 1950 لأن وزارة المعارف ستتولى صرف الكتب لها
ذلك أن وكيل وزارة المعارف كتب إلى وزارة الداخلية لتوافي وزارة المعارف بإحصاء عن مدارسها وعدد طلبتها لتحسب الوزارة حسابها في توزيع الكتب المدرسية عليها ابتداء من العام الدراسي القادم.
وعجب المؤلفون كيف تبادر الوزارة إلى اتخاذ هذه الخطوة، وهي لم تجدد معهم العقود بعد، ولا تزال العقود القديمة بأيديهم، وهي تخول لهم أن يطبعوا كتبهم لغير مدارس وزارة المعارف حتى تتغير هذه العقود. وغضبت دور النشر وانحسر ظل الطمأنينة عن عمالها، فقد كان أمامهم سنة أخرى يرجى أن يعدل الله الأمور بعدها.
والمؤلفون من رجال العلم والتعليم في الوزارة، فكانوا عندما يجمل بهم إذ هدءوا رجال الطبع والنشر وأشاروا عليهم بما تقتضيه الحكمة في معالجة الأمور، وتولوا هم مواجهة الحال فتقدموا إلى معالي الأستاذ علي أيوب وزير المعارف بشكاياتهم وتفنيدهم لما حدث وبيان حقهم في الموضوع، ولا يزال الأمر بين يدي معاليه.
وإذا جاوزنا المؤلفين والناشرين وجدنا في الأمر ما هو أخطر مما يتصل بهم، ذلك أن مدارس مجالس المديريات قد قطعت صلتها ومعاملتها لدور النشر اتكالا على وزارة المعارف، فهل ستوزع الوزارة على تلاميذ هذه المدارس الكتب في العام القادم؟ يقف في سبيل ذلك نص القرار على البدء بتنفيذه من سنة 1950 - 1951، كما يقف في سبيله أيضاً عدم تجديد عقود المؤلفين، ومن الحائز عقلا ألا يوافقوا على التجديد فتعهد الوزارة إلى آخرين يؤلفون من جديد، ومع الإغضاء عن كل ذلك فإن سير العمل بالمطبعة الأميرية لا يكفل الطبع في الشهور القليلة التي يعقبها بدء الدراسة على فرض أن يبدأ الآن في الطبع.
فماذا يا ترى تصنع مجالس المديريات في العام الدراسي القادم؟ وهل يبقى طلابها من غير كتب؟
تأبين الجارم:
أقامت جماعة دار العلوم حفلا لتأبين الشاعر الكبير المغفور له علي الجارم بك، يوم الخميس الماضي بمسرح حديقة الأزبكية، وقد افتتح الحفل الأستاذ سعد اللبان رئيس الجماعة بكلمة ألم فيها بصور من حياة الفقيد كان لها تأثير في شاعريته وتكوين شخصيته الأدبية. وتوالى بعده الخطباء والشعراء، فتحدث الأساتذة مصطفى أمين بك ومحمد علي مصطفى والسباعي بيومي، وألقى الأساتذة محمود غنيم وعلي عبد العظيم ومحمود حسن إسماعيل، قصائدهم في رثاء الجارم.
وأول ما يلاحظ على الكلمات التي ألقيت أنها لم تكن ذات موضوعات موزعة، أعني أنه لم يختص كل واحد من المتكلمين بناحية معينة من نواحي الفقيد المؤبن، فنشأ عن ذلك أن كلا منهم كان يطرق ما طرق الآخر. ومما توافقوا عليه وكرروه، نشأة الجارم في مدينة رشيد في أسرة ذات علم وأدب، وما كان للبيئة الساحرة والأسرة الفاضلة في إذكاء شاعريته، وذكرياتهم مع الفقيد في دار العلوم وفي إنجلترا، وغير ذلك. ولم يكن لأحد من المتحدثين موضوع خاص بعد كلمة الأستاذ سعد اللبان التي اقتضاها مقام الافتتاح، سوى الأستاذ السباعي بيومي فقد تناول بالدراسة موضوع (الجارم الأديب) فتتبع مناحي شعره وأرجعها إلى منبعين في نفسه هما حبه للجمال وإيمانه بالوفاء، وطاف بأجزاء ديوانه الأربعة فأورد منها أمثلة لما قرر، فوفى الموضوع حقه، ودل حديثه على اقتدار الدارس وذوق الأديب.
وكان حظ التأبين من الشعر أقيم من النثر، فقد كانت القصائد جيدة، ولا سيما قصيدتا الأستاذين غنيم ومحمود إسماعيل وقد خرج محمود شيئاً مما اعتاده من الإبهام وإكراه الاستعارة، وأجاد في تصوير وفاة الشاعر وهو يسمع قصيدته تلقى في تأبين المغفور له محمود فهمي النقراشي باشا، وأحسن في استطراده إلى الحديث عن النقراشي باشا ومصرعه وفجيعة البلاد فيه.
ويظهر أن ترتيب الخطباء والشعراء كان وفق (أقدمية التخرج) فقد ران على الحفل بعد كلمة الافتتاح، وهن الكبر، فبعث شيئا من الخمود، لم يلبث أن ذهب بما اتقد بعده من جذوات كانت أخراها قصيدة محمود حسن إسماعيل. . .
تأبين الريحاني:
وأقامت نقابة الصحفيين حفل تأبين لفقيد الفن المرحوم الأستاذ نجيب الريحاني يوم الجمعة الماضي. وقد تكلم في هذا الحفل الأستاذ حافظ محمود عن نقابة الصحفيين، والأستاذ أنور أحمد عن وزارة الشؤون الاجتماعية، والدكتور محمد صلاح الدين بك رئيس اللجنة العليا للتمثيل المسرحي والموسيقى والسينما، والأستاذ يوسف وهبي بك نقيب الممثلين، والأستاذ بديع خيري باسم أسرة الفقيد؛ فألقى كل منهم كلمة مناسبة للصفة التي تقدم بها، وعزف الأستاذ سامي الشوا على الكمان قطعة حزينة موضوعها (نجيب الريحاني).
والذي يستوجب الوقوف عنده في هذه الحفلة، كلمة الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني، وقصيدة الأستاذ علي محمود طه. أما الأستاذ المازني فقد حلل شخصية الريحاني الفنية وفكاهته المسرحية تحليلا قيماً بارعاً، قال فيه: ما تذكرت الريحاني أو ذكر اسمه إلا تذكرت صوته الأجش الخشن الذي كنت أشعر أنه خارج من أعماق صدره، وأنا عاجز عن الفصل بين نجيب وصوته حتى لقد كان صوته يغنيني عن رؤية تمثيله فأغمض عيني أو أطرق. وقال إن الريحاني لم يكن يشعر أنه يظهر على المسرح ليؤدي دوراً في رواية ثم يخرج ليستأنف حياة أخرى لا علاقة لها بالمسرح، وإنما كان يشعر أن هذه الرواية هي الحياة الحقيقية وأنه لا يمثل بل يحيا، وأنه إنما كان يمثل حين يترك المسرح ويخرج إلى هذه الحياة. وبين الأستاذ قيمة الفكاهة في التمثيل وقال إن الريحاني سما بها إلى مرتبة التوجيه الاجتماعي. ولم تخل كلمة المازني مع قيمتها مما دعا إلى الملل في الحفلة، وذلك عندما أطال في علاقة الريحاني ببديع خيري واشتراكهما في التأليف وأيهما كان صاحب الفضل الأكبر في جودة التأليف وحبكه وسلاسة الحوار والبراعة فيه.
وأما قصيدة الأستاذ علي محمود طه فقد صور فيها نجيب الريحاني وفنه تصويراً شعرياً دقيقاً تكاد ترى فيه معالم السمات وجمال الألوان، وقد عبر فيها عن فجيعة مصر في فقيدها تعبير الشاعر الناطق بلسانها المعبر عن آلامها، فكان (شاعر مصر) النابض بآمالها وآلامها، يرثي فقيد مصر في فن التمثيل.
مجلة المجمع اللغوي:
قال محدثي: كنت قد قرأت منذ شهور أن مجمع فؤاد الأول للغة العربية أصدر الجزء الخامس من مجلته. وأخيراً أردت أن أحصل على نسخة منها، فجعلت أبحث وأسأل عن طريقة الحصول عليها، حتى علمت أنها تباع في إدارة التوريدات بوزارة المعارف. وقصدت إلى هذه الإدارة وصعدت إلى طبقة عالية هناك حتى بلغت الموظف المختص متعباً متتابع الأنفاس، فقد كان اليوم حراً والسلم طويلا. وطلبت المجلة، وطلب مني الثمن، فأخرجت ورقة بجنيه، فقال لي الموظف: (مفيش فكة) ولم أجد بداً من أن أنزل وأخرج إلى الشارع لأفك الجنيه. ثم عدت وتجشمت الصعود للمرة الثانية، ولكني في هذه المرة لم أجد الموظف المختص فانتظرت، وضقت ذرعاً بالانتظار ولم يتسع وقتي له، فانصرفت ثم عدت في اليوم التالي وقد حرصت على إعداد الثمن (فكة) وكنت قد دعوت الله في طريقي أن ييسر لي أمري هذا اليوم فاستجاب دعائي وظفرت بالمجلة.
عجبت لجلد محدثي هذا وصبره في سبيل الحصول على مجلة المجمع اللغوي، وقلت في نفسي: كم واحداً يطلبها هكذا ويتعب في طلبها كما تعب صاحبنا؟ ما أظن أمثاله كثيرين إن كان له أمثال.
إن الباعة ينادون على الصحف والمجلات في كل مكان، ويلوحون بها في الوجوه، ويلاحقون بها ركاب الترام وغيرهم، وقد يعرضون ما على غلاف بعض المجلات من صور جذابة - يأتون كل ذلك كي يغروا الناس بالشراء، ومع ذلك قد لا يفلحون في إغرائهم. . فما بالك بمجلة المجمع اللغوي وهي مستقرة في مخازن (التوريدات) بوزارة المعارف قيد (الروتين)؟
وإذا كان من غير المستطاع الخروج عن هذا (الروتين) فلم يتكلف المجمع إصدار هذه المجلة؟ أليس الغرض منها أن تنشر على الجمهور أعماله وما وضعه من مصطلحات وما أقره من كلمات؟ فإذا كانت المجلة لا تنشر فما الفرق بينها وبين محاضر جلسات المجمع وأضابيره؟
هلا نظر مجمعنا في هذا الموضوع، لعله يصل إلى طريقة تكفل توزيع مجلته أو على الأقل تيسير الحصول عليها لطلابها.
رأيي في كتاب:
رأيت ما كتبه مؤلف (الشعر المعاصر) في العدد الماضي من الرسالة، واسترعى التفاتي فيه استشهاده على قيمة كتابه بما اقتطعه من كلمة كنت كتبتها عنه، فقد رأيته يقطع أوصال تلك الكلمة ويأخذ منها ويدع. . أخذ قولي إن الكتاب يستوقف نظر متتبع الحركة الأدبية وإنه لبنة في الأدب الحديث، وترك الباقي وفيه قلت مترفقاً: (ولا أخال المؤلف قصد إلى التطفيف والإرجاح في ميزانه بما لاحظته في الكتاب منهما، ولا أرجع ذلك إلا إلى ما ارتآه. وأكتفي بهذه الإشارة لأن المقام لا يسمع بالتفصيل والتمثيل) ومن هذا وذاك يتكون رأيي في هذا الكتاب وأوضح هذا الرأي فأقول: إنني أعني بقيمة الكتاب في المكتبة العربية ما نقله المؤلف من آراء النقاد الغربيين ومذاهبهم في النقد. أما ناحية التطبيق من حيث تعرضه لشعر الشعراء - وهي الناحية التي تختبر فيها الأصالة الأدبية - فقد امتلأ الكتاب فيها بالخبط في الحكم على الشعر وإنزال الشعراء في غير منازلهم صعوداً وهبوطاً، وهذا ما عنيته بالتطفيف والإرجاح.
أما أن الرسالة (ازدانت) - لفظ المؤلف - بما كتبته عن كتابه، ففيه نظر. . .
تصويب:
وقع في العدد الماضي تحريف مطبعي في أول موضوع (نحن وأدباء المهجر) إذ جاء هكذا: (كتب الأستاذ حبيب كتاباً من نيويورك) وصوابه: (كتب الأستاذ (حبيب كاتبه) من نيويورك).
وحدث كذلك سقط في موضوع (قضية عيسى بن هشام والإذاعة) إذ جاء في فقرة منه (خليل بك المويلحي مؤلف كتاب حديث عيسى بن هشام) وصوابه: (خليل بك المويلحي شقيق محمد بك المويلحي مؤلف. . . الخ)
عباس خضر