الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 834/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة/العدد 834/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 834
الأدب والفنّ في أسبُوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 27 - 06 - 1949


للأستاذ عباس خضر

نحن وأدباء المهجر:

كتب الأستاذ حبيب كتاباً من نيويورك إلى جريدة الأهرام، يقول إنه التقى هناك بالأستاذ عبد المسيح حداد صاحب جريدة (السائح) التي تصدر بالعربية في أمريكا، بعد عودته - عودة الأستاذ حداد - من رحلته الطويلة في البرازيل والأرجنتين وتشيلي، فأراد أن يستطلع رأيه في الأدب العربي بأمريكا الجنوبية، فقال الأستاذ حداد:

إن هناك فرقاً أساسياً بين السوريين واللبنانيين في أمريكا الجنوبية وفي أمريكا الشمالية، ويتجلى هذا الفرق بأجلى مظاهره في البرازيل، فالسوريون وغيرهم من الناطقين بالضاد هنا - في أمريكا الشمالية - هم عرب ولكن أولادهم ليسوا عرباً. أما في البرازيل فهم عرب جيلاً بعد جيل) ثم ذكر تعليلاً لذلك أن العرب في البرازيل - حيث تسنى له أن يدرس أحوالها درساً وافياً دون غيرها - يحرصون على تعليم أبنائهم وبناتهم اللغة العربية، وأن هناك كليتين عربيتين تتبعان برنامج البلاد في التعليم المدرسي وتلقنان العلوم العربية بأجمعها من صرف ونحو وبيان وبلاغة وعروض وإنشاء وبعض العلوم الأخرى بالعربية، وقال إنه سمع كثيرين من خريجي هاتين الكليتين يخطبون ويلقون قصائد بالعربية من نظمهم، وذكر مع الأسف أن إحدى الكليتين قد اضطرب إلى إقفال أبوابها بعد أن خرجت خمسة عشر ألف طالب. . .

وإنا هنا - حين نقرأ هذه الأنباء - لتهفو نفوسنا وتتطلع إلى تلك الآفاق التي انبثقت منها ألوان جديدة معجبة من الأدب العربي الحديث، واسترعت أنظار الأدباء، وجرت في مشاعر الشباب؛ تلك الآفاق التي لمع فيها جبران خليل جبران وأمين الريحاني وميخائيل نعيمة وغيرهم، وقد امتازت آدابهم بالحرية والانطلاق والتجديد.

تتطلع نفوسنا إلى أدباء العرب في المهجر الأمريكي، فنحب أن نطلع على كتاباتهم وتتصل أفكارنا بأفكارهم، كما نحب أن تتوافر لهم وسائل الإبقاء على اللغة العربية وآدابها وازدهارها هناك. وإنه لمما يسوؤنا أن نتفقد المجلات العربية الأمريكية في القاهرة مثلاً فلا نجدها، وتلك الأنباء تنقل إليها أن هناك صحافة عربية زاهرة، وبودي أن نقرأ لهم ويقرؤون لنا، ونبدي الرأي فيما يكتبون كما يبدون آراءهم فينا، وجملة القول أن نعاملهم معاملة أدبية كاملة تعود علينا وعليهم بالفائدة المرجوة في عالم الفكر والأدب والاجتماع.

ولست أدري من المسؤول عن الانقطاع الحالي بيننا وبين أبناء العمومة في عالمهم الجديد، ولكنا نذكر هذا الانقطاع فنتألم له، في الوقت الذي نرانا فيه نسعى إلى توثيق الأواصر الثقافية بين جميع بلاد العالم ما عدا العالم العربي في أمريكا، ولنا مكاتب ثقافية في لندن وباريس وواشنطون للتعاون الثقافي بيننا وبين هذه البلاد، فليت وزارة المعارف تنشئ مكتباً على غرار هذه المكاتب في إحدى العواصم الجنوبية بأمريكا حيث تكثر الجاليات العربية، ويكون من عمل هذا المكتب تحقيق التعاون والتبادل الأدبي بيننا وبين أدباء المهجر، كما يعمل على إمداد المعاهد العربية هناك بما تحتاج إليه من مؤلفات وأساتذة.

والإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، لماذا لا تمد يدها إلى هناك؟ وهي غير مقصورة على الدول المشتركة في الجامعة فالمفروض فيها أن تخدم الثقافة العربية في كل مكان، ويا حبذا لو ضم (متحف الثقافة العربية) شيئاً مما هناك، وهي ترسل بعثات المخطوطات إلى مختلف البلاد الغربية والشرقية فلماذا لا ترسل بعثة لرياد الثقافة العربية المعاصرة في البرازيل والأرجنتين وتشيلي؟

وليس الاتصال المنشود بين البلاد العربية وبين أبنائها في أمريكا، مقصورة فوائده على الآداب والثقافة، بل هو إلى ذلك يخدم قضايا العرب في الهيئات العالمية، وإنهم ليستجيبون لداعي القومية العربية بدافع الشعور المشترك الذي يعززه تنظيم العلاقات، ويتحقق لنا بذلك ما لا نبلغه باستجداء الأمم الغربية التي تخذلنا لقرب مشاعرها من خصومنا.

ونحن نرى الدول الغربية تعمل دائبة على نشر لغاتها وثقافاتها في خارج حدودها وخاصة في بلادنا الشرقية، وهي ترمي بذلك فيما ترمي إلى توسيع نفوذها وكسب أصدقاء موالين لها، فما أجدر البلاد العربية أن تعين تلك الجاليات العربية الكبيرة في العالم الجديد، على تعزيز لغتها وثقافتها العربيتين. ولن يحتاج ذلك فيما أعتقد إلى جهود وأموال كبيرة، بل يكفي القليل مع العناية بتنسيق وسائل التبادل والاتصال.

تقدير وتبعات:

في غمرة الأسى على فقيد فن التمثيل المرحوم نجيب الريحاني يستطيع المرء أن يلاحظ ظاهرة تدعو إلى الارتياح، بل تبعث الاغتباط.

ذلك أنك لا تكاد تفتح مجلة أو تطالع صحيفة منذ توفى الريحاني في الأسبوع الماضي، إلا ألفيت بها رثاء له نثراً أو شعراً، وقد حفلت بعض الصفحات بالكتابة في تاريخه والتحدث عن فنه وأثره في هذا الجيل وما إلى ذلك مما يتصل به

ولم يكن ذلك إلا صدى لما يجيش في صدور الناس على اختلاف طبقاتهم من الأسف لفقد هذا الرجل والشعور بمكانته باعتباره ممثلاً أدى رسالته الفنية على أتم وجه. ومعنى هذا أن الجمهور في مصر قد عرف قيمة فن التمثيل وقدر أهله إذ أصبح لهم في حسه وشعوره ما هم أهله من مكانة واعتبار، فإذا قضى علم من أعلام التمثيل أخذ الحزن عليه مظهراً عاماً، واستشعر الجميع فجيعتهم فيه، وهذا ما عنيته في صدر هذه الكلمة بالظاهرة التي تدعو إلى الاغتباط، وهي كذلك لأنها تدل على تطور عظيم في حياتنا، إذ تغيرت نظرتنا إلى التمثيل والممثلين من حال إلى حال، ولا تزال للحال الأولى آثار باقية، وإن كانت في سبيل الزوال، تلمح ذلك فيما تنشره بعض الصحف من أن يوسف وهبي أو عبد الوهاب أو غيرهما من الفنانين، يعتزم ترشيح نفسه عن دائرة كذا في الانتخاب القادم لعضوية مجلس النواب، وهي تنشره على أنه أمر طريف جديد، ولعله كذلك فعلا لأننا لم نعهد بعد نواباً من المشتغلين بهذه الفنون مع جدارتهم بأن يأخذوا المكان اللائق بهم في قيادة الأمة.

وقد كان الريحاني من القلائل الذي أعلوا قدر التمثيل في مصر إذ جعلوا له أهدافاً في المجتمع وسايروا به ارتقاء العلوم وسائر الفنون في مصر، فأثبتوا أنهم من المضطلعين بترقية الأمة والناهضين بها. والريحاني أول ممثل ظفر بنشان النيل، وأول ممثل تفضل جلالة الملك بإرسال مندوب عنه لتشييع جنازته، وأول ممثل أعرب جلالة الملك عن حزنه عليه بعبارة كريمة سامية.

وبعد، فذلك هو الوعي القومي نحو فن التمثيل وتقدير أهله ولا شك أن هذا التقدير يلقى على فنانينا تبعات نحو فنهم والإخلاص له وإفادة الناس منه، وعلى مقدار شعورهم بهذه التبعات ونهوضهم بمقتضياتها يتوقف مصير الغراس الذي نما وأثمر بعض الشيء ولا يزال في حاجة إلى تعهد وعناية ورعاية ليؤتي أكله على ما يشتهي الجميع.

قضية (عيسى بن هشام) والإذاعة: عرضت على قاضي التحضير بمحكمة مصر الكلية يوم الثلاثاء الماضي، القضية المرفوعة من خليل بك المويلحي مؤلف كتاب (حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن) ضد الإذاعة لأخذها تمثيليات من الكتاب وإذاعتها بلغة عامية مبتذلة، على ما فصلناه في عدد مضى من الرسالة. وقد أجل نظر القضية إلى جلسة 7 نوفمبر المقبل أمام محكمة مصر الكلية.

وأذكر بهذه المناسبة أني وقفت على مقال عن ذلك الكتاب للمستشرق الفرنسي هنري بريز عضو المعهد الفرنسي بدمشق، في المجلد العاشر من مجلة الدراسات الشرقية لسنة 1943، 1944 قال فيه: (إن حديث عيسى بن هشام يعد في طليعة الكتب المؤلفة في الأخلاق والعادات والنقد الاجتماعي، وما من شك في أنه كان العامل الأول في بناء صرح النهضة الحديثة للغة العربية، وإن سلاسة لغته وسجعه غير المتكلف يعيدان إلى الذاكرة أسلوب الكتابة الفنية لجنكور والإنشاء الخيالي لهويسمان. ولقد صور المويلحي الحياة المصرية في شتى مظاهرها الاجتماعية بقلم جريء وصراحة واضحة وإخلاص بلغ حد القسوة في تصوير الحقائق الواقعة تصويراً دقيقاً أذكرنا كتابة بلزاك وفلويير. وإنه لمن المتعذر على أي أديب أن ينسج على منوال حديث عيسى بن هشام أو أن يصل إلى سمو أسلوبه مقلد، فقد بلغ المثل الأعلى للإنشاء الوصفي ودقة تصوير المجتمع ولقد بزغ نوره في فجر النهضة الحديثة للأدب العربي، فمحت آيته مختلف المقامات الأدبية وهدى لنوره الرجعيين القدامى في كتاب الأدب، واسترشد بسناه المجددون من الأدباء فسلكوا من بعده الطريق المعبد إلى المستقبل المثمر)

والواقع أن حديث عيسى بن هشام يعد المحاولة الوحيدة الناجحة في عصره لإحداث فن قصصي جديد في الأبد العربي الحديث، ومن المحاولات المخفقة التي عاصرته (ليالي سطيح) و (صهارج اللؤلؤ)، ومما يؤسف له أشد الأسف أن تتخذ الإذاعة ذلك العمل الأدبي التاريخي الخالد، ذريعة إلى إحداث فن جديد في تمثيلياتها العامية الهابطة المسفة، فن يجري فيه الحوار بمثل: (يا حلمبوحة) و (يا مدهول يا منيل على عينك) وغير ذلك من ألفاظ اللغة التي يدعو إليها سلامة موسى بدلاً من العربية الفصيحة!

والإذاعة بذلك لا تكتفي باستباحة كتاب لم يتصدق به عليها مؤلفه، بل تعمد إلى تحريف أهدافه عن مواضعها وتهوى به إلى برامجها العامية، بعد أن سلك سبيله إلى نهضة أدبية مثمرة

خمر وجمر:

تلقيت من الأستاذ عدنان أسعد رسالة ذكر فيها ما دفعه إلى كتابه ما كتبه في (الرسالة) عن كتابه (خمر وجمر) منذراً من يقرظه بأنه سيعتبره مأجوراً، قال: (إن جماعة من الأدباء والشعراء الأصدقاء أجمعوا على أن كتاب (الخمر والجمر) كتاب يعتاص على الفهم وتحتاج معاني شعره ونثره إلى التذييل والشرح الطويل. ومن ثم ذهبوا إلى أن أية كلمة يكتبها الكاتب في تقريظ الكتاب لا تخرج عن كونها واحداً من اثنين: إما أن الكاتب المقرظ قد غمض عليه معنى في بطن الشاعر أو ظهر الناثر. . فأراد أن يظهر للناس علمه وفهمه بكلمة التقريظ حتى يقول الناس: قرأ وفهم ثم هضم. وإما أنه (مأجور) أو (مدفوع) بدافع الصداقة، وللصداقة تكاليف، أو (مرجو) يجيب رجاء الراجي ولا يخيب آمال ذوي إلى مال فكان جوابي على هؤلاء إنكم أرضيون ماديون والكتاب على ضآلة شأنه روحاني المذاهب سماوي الجناح مطلق السراح. . وصاحب القلب الكبير والروح الطليق من أسهل السهل عليه أن يستوعب الكتاب من الغلاف إلى الغلاف في جلسة أو جلسات بغير ما حاجة إلى تذييل أو شرح طويل).

وأقول للأستاذ عدنان: إني أراك تقرظ الكتاب، ولا يسعني - على الرغم من بيانك السابق - إلا أن أعتبرك (مأجوراً) من المؤلف. . . ولك تحيتي.

عباس خضر