الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 832/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة/العدد 832/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 832
الأدب والفنّ في أسبُوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 13 - 06 - 1949


للأستاذ عباس خضر

حول الكتب الأدبية بوزارة المعارف:

قررت اللجنة المختصة في وزارة المعارف، تقرير طائفة من كتب الأدب الحديثة للقراءة الأدبية بالمدارس الثانوية في العام الدراسي القادم، وهي توزع على الطلبة، ويقدر ما يؤخذ من كل كتاب بين عشرة آلاف وعشرين ألف نسخة، وأهم هذه الكتب ما يلي:

(زعماء الإصلاح في العصر الحديث) للدكتور أحمد أمين بك وقد جدد تقريره إذ كان مقرراً في العام الماضي، و (الشاعر) للمنفلوطي بدلاً من (في سبيل التاج) التي كانت مقررة في العام الماضي، و (أبو الهول يطير) للأستاذ محمود تيمور بك بدلاً من (نداء المجهول)، و (مجنون ليلى) لشوقي بدلاً من (الشوقيات)، و (المهلهل) للأستاذ محمد فريد أبو حديد بك بدلاً من (عنترة)، و (عبقرية الصديق) للأستاذ عباس محمود العقاد بدلاً من (عبقرية عمر)، و (يوميات نائب في الأرياف) للأستاذ توفيق الحكيم، و (العباسة) لعزيز أباظة باشا، وجدد تقرير الجزء الأول من (الأيام) للدكتور طه حسين بك و (فارس بني حمدان) للجارم.

وقد ثار حول هذه الكتب، أمران: الأول متعلق باختيارها والثاني خاص بثمنها.

أثار الأمر الأول معالي وزير المعارف عندما اطلع على الكتب التي قررتها اللجنة، إذ سأل معليه عن أدباء كبار منهم الأستاذ الزيات، لم لم تقرر لهم كتب؟ وسأل عن كتب قررت وكان قد لوحظ بها أخطاء في اللغة والنحو والموضوع - لم قررت؟

وأجابت اللجنة عن أسئلة معالي الوزير، ومما قالت إن مؤلفات الأستاذ الزيات فوق مستوى الطلبة، وأن الكتب التي بها أخطاء قد تعهد أصحابها أن يصححوا هذه الأخطاء في الطبعات الجديدة! وإجابة اللجنة، وفيها غير ذلك، لم تستطع أن تزحزح علامات الاستفهام من مواضعها. وهناك علامة استفهام كبيرة تحدق في اللجنة من تحت إلى فوق ومن فوق إلى تحت. . . وذلك أن اللجنة مؤلفة من نحو ثلاث سنين، للنظر في أمثل الطرق للنهوض باللغة العربية في المدارس وتحبيبها إلى الطلاب، وهي مهمة وقتية غير دائمة، واتخذت اللجنة طريق تقرير الكتب الأدبية لتحقيق هذه الغاية؛ هذا حسن، ولكن علامة الاستفهام تريد أن تعرف لم فرضت اللجنة نفسها سلطة تنفيذية دائمة، تقرر وتنفذ في كل عام، ولا تعرف الجهات الأخرى في الوزارة التي لها شأن فني في الموضوع، إلا الأوامر تأتي إليها للتنفيذ، حتى سميت (لجنة الأوصياء) وكأن علامة الاستفهام تريد أن تقف باللجنة عند وضعها الفني الاستشاري، وقد تسائلها لم أعطت نفسها حق الاستمرار.

والمتأمل في الكتب التي تقررها اللجنة سنوياً، يرى مؤلفيها (طقماً) ثابتاً لا يأتيه التبديل من بين يديه ولا من خلفه، ولا أريد أن أمس أحداً من أولئك الأعلام الذين تقرر كتبهم، فهم أساتذتنا ومكانتهم الأدبية معروفة وكتبهم نافعة من غير شك. ولكن لم الاقتصار عليهم والاحتفاظ بهم في كل عام، حتى أن من لم يجدد كتابه يقرر له كتاب آخر، كأن المقرر هو المؤلِّف. . .

أنا أفهم من تقرير تلك الكتب أنه يرمي إلى غرضين: اتصال الطلاب بالحركة الأدبية العامة، وتشجيع المؤلفين. والغرضان يقتضيان التنويع في الاختيار بحيث يشمل ألواناً مختلفة من آداب العصر لأدباء مختلفين من مؤلفي العصر، شيوخاً وكهولاً وشباباً. وعندنا طائفة من الأدباء ذوي النشاط المحمود في التأليف قد تقدموا إلى الكهولة، لم لا يقرر الصالح من كتبهم؟ وأذكر منهم - على سبيل المثال - سيد قطب والعريان وعلي طه والخفيف وعلي أدهم ونجيب محفوظ. ولعل هؤلاء أولى بالتشجيع من أولئك المقررة كتبهم لحاجتهم إليه أكثر منهم، ولا شك أن الناشئين وغير الناشئين يجدون في إنتاجهم ألواناً مختلفة محببة.

ويلاحظ أن بين الكتب المقررة كتباً لبعض أعضاء اللجنة ورئيسها الدكتور أحمد أمين بك، وأنا أحب هذا الرجل الكبير، ومما أحبه فيه أفكاره التقدمية المبنية على أساس من ثقافة أصيلة. وليس لهذا علاقة بالموضوع ولكنه استطراد أعود منه لأقول: إني لا أحب أن يسلبني ذلك الحب حريتي في تناول الموضوع بما أراه. بين الكتب المقررة (زعماء الإصلاح في العصر الحديث) وكانت اللجنة قد قررته في العام الماضي قبل أن يطبع؛ قررته في إبريل وظهر في أغسطس، وبينها (المهلهل) ومؤلفه الأستاذ فريد أو حديد بك عضو اللجنة. وقد يكون بينها كتب أخرى لأعضاء آخرين لم ألتفت إليها، وهذا المثالان يكفيان لما أمري إليه، وهو أن هؤلاء السادة يحكمون بذلك لأنفسهم مهما قيل في تبرير موقفهم وتعليله، وفي الوقت نفسه يحكمون على غيرهم ممن لم تسعدهم الحال بعضوية اللجنة. .

ولا أدري لمن الكتب التي اشتملت على أخطاء تعهد أصحابها بإصلاحها، هل هي لأعضاء في اللجنة أو لغيرهم؟ وهل كتبوا (التعهدات) ووقعوها أو تعهدوا شفوياً؟ وهل تعهدوا بأنفسهم أو تعهد عنهم أولياء؟

أما الأمر الثاني الخاص بأثمان الكتب فأرجئه إلى الأسبوع القادم.

متحف الثقافة العربية:

احتفلت الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية يوم الأربعاء الماضي، بافتتاح متحف الثقافة العربية فألقى سعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة كلمة نوه فيها بأثر الرابط الثقافي بين الأمم العربية من حيث إنه أهم الروابط بينها، وقال إنه إذا وقع اختلاف على خطط عسكرية أو أغراض سياسية فإن الجميع متفقون على الأهداف الثقافية، كما قال إن العمل الثقافي في الجامعة ليس مقصوراً على الدول المشتركة فيها وإنما هو لجميع الأمم العربية. وأعقبه الدكتور أحمد أمين بك فبين الأعمال التي قامت بها الإدارة الثقافية والأغراض التي تعمل على تحقيقها، وعرف بمتحف الثقافة العربية وذكر المقصود منه وهو جمع المعلومات والوثائق المتعلقة بشئون الثقافة ونظم المعارف في مختلف الأقطار العربية وتهيئتها للباحثين، ثم عرض خلاصة هذه المعلومات وأهم الوثائق على الأنظار لإعطاء فكرة واضحة عن الحالة الثقافية في كل قطر من الأقطار العربية.

وقد دلفنا بعد ذلك إلى مكان المتحف فألفيناه مقسماً إلى أقسام، منها (التعليم الجامعي) و (التعليم الثانوي) و (التعليم الابتدائي) الخ، وقد عرض في كل قسم نسخ من كتبه الدراسية وبعض صور للمدارس وما فيها من نشاط، وما إلى ذلك مما يتعلق بالنظم والحياة المدرسية، وعلقت بجدران المتحف مصورات ورسوم بيانية.

والمتحف وإن كان وليداً صغيراً إلا أنه عظيم الفكرة، وقد نسق تنسيقاً جميلاً في حدوده الضيقة. وقد ساءلت نفسي بعد مشاهدته: هل هو متحف للثقافة العربية؟ حقاً إن معروضاته تعطي فطرة واضحة عن النظم والمناهج المدرسية في البلاد العربية ولكن أين ما بمثل الثقافة العامة والنشاط الأدبي خارج النطاق المدرسي؟ وهل هو متحف؟ إن كلمة (متحف) أول ما يتبادر إلى الذهن منها أن ما تطلق عليه يضم منتوجات من الفنون الجميلة، وهو خال من هذه المنتوجات، ألهم إلا بعض صور فوتوغرافية ومصورات جغرافية. كنت أوثر أن يسمى (معرض التعليم في البلاد العربية) ولو مؤقتاً حتى يتسع ويشمل ما يجعله أهلاً لاسم (متحف الثقافة العربية).

حسن فائق باشا:

في الأسبوع الماضي عقد معالي وزير المعارف اجتماعاً دعا إليه رجال التعليم في الوزارة وفي الجامعة، عرض فيه أمر استقالة وكيل وزارة المعارف سعادة حسن فائق باشا من منصبه، وقال إنه ألح على سعادته في البقاء واستعان بدولة رئيس الوزراء على إقناعه بالعدول عن الاستقالة، ولكنه أصرَّ عليها مراعاة لصحته فاضطر آسفاً إلى قبولها.

وقد كان ذلك الاجتماع حفلاً رائعاً لتكريم حسن فائق باشا وتوديعه، تجلى فيه الوفاء الكريم والتقدير العظيم لرجل خدم العلم والتعليم أربعين عاماً كان فيها، وخاصة أثناء توليته المناصب الكبيرة، مثلاً للرجل العادل النظيف. . . وقد كان معالي الوزير دقيقاً في وصفه إذ قال له: (عرفتك مترفعاً في غير صلف، ليناً في غير ضعف، متميزاً على نظرائك في غير خيلاء ولا زهو) وهذه العبارة من كتاب بليغ وجهه معاليه إلى سعادته بهذه المناسبة. ومن معاني ذلك الحفل أنه كما قال فائق باشا في كلمته، تكريم للعلم ورجاله في شخصه.

كان حسن فائق باشا بوزارة المعارف دعامة لحفظ التوازن فيها فلعلك تعرف أن في هذه الوزارة منذ قديم عهدها تيارات مختلفة وعصبيات معهدية وغير معهدية، وكان الرجل متجرداً من تلك الصغائر، ينظر إلى الجميع نظرة واحدة، لا يعين فئة على فئة، ولا يقصر في نصرة الجانب الذي يرى فيه الحق. ومن هنا كانت خسارة الوزارة باستقالته عظيمة.

أرواح هائمة:

هذا هو اسم الفلم الذي ابتدأ عرضه هذا الأسبوع في سينما بارادى وسينما متروبول. وهو يعرض قصة تبدأ بمنظر في مكتب رئيس تحرير جريدة (الحرية) حيث نرى الآنسة هدى رئيسة جمعية تحرير المرأة تحتج على المقالات التي يكتبها الأستاذ زهدي ضد حقوق المرأة، ثم تدعوه إلى حفلة في (الأوبرج) تقيمها الجمعية للاحتفال بتخريج الفوج الأول من الفتيات اللاتي تطوعن للعمل في حرب فلسطين، كي يقتنع بأن المرأة تستحق المساواة بالرجل. وفي الحفلة نرى زهدي مع فتاة عابثة مستهترة باللهو هي مخطوبته، وهدى مع شاب ماجن هو خاطبها. ثم يتطوع زهدي للقتال في فلسطين، وتتطوع هدى للتمريض في الحرب. ويعود زهدي في إجازة، وعند وصوله إلى منزله يفاجأ ببرقية تتضمن أن والده يحتضر، فيسرع إليه في سيارته التي تنقلب به في الطريق فيصاب إصابات شديدة ينقل على أثرها إلى المستشفى العسكري حيث يعالج فيشفى غير أن وجهه يشوه تشويهاً منكراً. ثم يذهب إلى مخطوبته، وهو يخفي دمامته بقناع يبدي الوجه طبيعياً، ويلومها على سلوكها، ويفسخان خطبتهما، وكذلك تفسخ هدى وخاطبها خطبتهما في منظر آخر، وبعد ذلك نرى زهدي يغازل بعض الفتيات، ثم يخلع القناع ويبدي لهن وجهه فيفرن منه. ثم يلتقي بهدى، ويغازلها وهو مقنع، ثم تكشف هي أنه المريض الذي كانت تمرضه في المستشفى وخرج مشوه الوجه، فتنفر منه أولاً، ثم تذهب إلى أبيها وتقول له إن زهدي يريد أن يخطبها إليه فيرسل الوالد إليه ويفاتحه في الأمر، فيرفض زهدي ويكشف له وجهه، ولكن هدى تبدي رغبتها في زواجه لأن تشويهه من التضحيات الوطنية، ثم يذهب والدها به إلى سويسرا ويعالج وجهه حتى يعود إلى طبيعته.

وفي الفلم فجوات وتضاريس. . . منها أن زهدي يلتقي بهدى في المرة الثانية على أنه أول لقاء وقد سبق أن تعارفا، ولست أدري لماذا جُعلت إصابة زهدي في السيارة بعد أن عاد من الحرب وكان الأولى أن تكون إصابته في الميدان حتى يتحقق معنى التضحية التي قدرتها فيه هدى؟ وفي حفلة (الأوبرج) لم نر فتيات مجندات غير الست هدى. ولم يكن طبيعياً أن يعنف السيد زهدي مع مخطوبته ويكشف لها وجهه فترمي بخاتم الخطبة في هذا الوجه الكريه، ثم يقبل عليها بعد هذا بشغف وببثها هواه ويذكرها بالذي كان.

ثم أريد أن أسأل عن هدف القصة، هل هو الاعتراف في آخر الأمر بأن المرأة تستحق المساواة بالرجل؟ تظهر في القصة هذه المحاولة ولكنها لا تستند إلا إلى شخصية هدى، وقد انتهت عقدة القصة بقبولها الزواج من الرجل الذي قدرت شخصيته وتضحياته. . . ولكن هذا التقدير لم يظهر إلا في كلمات مفتعلة عندما أبدت رغبتها في هذا الزواج، ولم يكن لهذا (الشعور) مقدمات، ثم هل هذا يعني المساواة؟ وقد أفضى منظر الوجه المشوه على الفلم روحاً ثقيلاً قابضاً، وقد انطلق صاحبه يخفيه ثم يظهره فيفزع بنات الناس ويروعهن. . . ولست أدري هل (الأرواح الهائمة) هي أرواح هؤلاء البنات المروعات، أوهي روح صاحب الوجه الشاردة وراءهن، وقد جمعت على (أرواح) اعتباطاً. .؟ فإني لم أجد بالفلم ما يدل على اسمه (أرواح هائمة) غير ذينك الفرضين. أو لا تكون الأرواح الهائمة هي أرواح الجمهور التي شردتها مشاهدة الفلم. . .؟

وقد مثل في هذا الفلم أحمد علام وزوزو حمدي الحكيم، وقد ظهرا في بضعة مناظر قصيرة، وكمليا (هدى) ولولا صدقي (مخطوبة زهدي) وقد أحسنت كمليا في دورها غير أنها كانت متكلفة في زيها العسكري وجامدة في التمريض. أما لولا صدقي فقد أجادت في تمثيل الفتاة العابثة وقد تخصصت في هذا الدور. وأما سائر الممثلين والممثلات فأكثرهم وجوه جديدة، ومنهم بطل الفلم (زهدي) واسمه سليمان عزيز، وكذلك المؤلف سامي عزيز، وقد أخرج الفلم كمال بركات. وأود لهم التوفيق في مقبل الإنتاج.

عباس خضر