مجلة الرسالة/العدد 830/الأدب والفنّ في أسبُوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 830 الأدب والفنّ في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
البَريدُ الأدبيّ ← |
بتاريخ: 30 - 05 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
مجمع سلامة موسى للغة العامية:
في مجمع فؤاد الأول للغة العربية الآن، كرسيان خلوا بوفاة الدكتور محمد شرف بك والمستشرق الألماني الدكتور فيشر، وقد فتح باب الترشيح لهما، فتقدم عضوان من أعضاء المجمع، هما سعادة عبد الحميد بدوي باشا والدكتور إبراهيم بيومي مدكور، بترشيح سعادة واصف غالي باشا ليملأ أحد ذينك الكرسيين. وحدث قبل ذلك أن كتب الأستاذ سلامة موسى إلى بعض أعضاء المجمع يطلب ترشيحه للعضوية، ويقول إن سعادة واصف غالي باشا يزكيه.
وتدل تلك الرسالة التي كتبها الأستاذ سلامة إلى عدد من أعضاء المجمع، على أنه غير واقف على حقيقة ما يتبع في انتخاب الأعضاء، فإن تزكية أحد من غير الأعضاء ليست سبباً إلى الترشيح للعضوية، وإنما يجب أن يرشحه عضوان ويقدما مسوغات الترشيح من إنتاج المرشح ومؤلفاته.
ولنفرض أن اثنين من الأعضاء أرادا أن يرشحا الأستاذ سلامة موسى، فماذا عساهما أن يقدما للمجمع من مسوغات هذا الترشيح؟ إنهما لا بد يقعان في حرج شديد بالغ الشدة ما كان أغناهما عن أن يتورطا فيه، فالأستاذ سلامة دائب - منذ أمسك القلم - على مهاجمة اللغة العربية والأدب العربي والثقافة العربية على العموم، والمجمع مهمته الأولى المحافظة على سلامة اللغة العربية، وهو يعمل على تنمية الثقافة العربية، ويشجع الباحثين في الأدب العربي، بل إن هذا الأدب الذي لا يعجب الأستاذ سلامة هو معين اللغة التي يتسمى المجمع باسمها ويقوم عليها.
ماذا يقدم العضوان اللذان يجازفان بترشيح الأستاذ سلامة؟ هذا كتاب يأخذ عنوانه النظر لقربه من موضوع الترشيح، وهو (البلاغة العصرية واللغة العربية) وهو كسائر مؤلفات الأستاذ سلامة يحتوي (أفكاراً حرة) مما يقذف به هذا (المفكر الحر) كما يقول الذين يشيعون عنه هذه الشائعة.
يهجم الأستاذ سلامة في كتابه هذا على اللغة العربية ويعيب أدبها ويدعو إلى اللغة العامية، يقول مثلا: (وقد التفت إلى عبارة قالها الأستاذ عباس محمود العقاد بشأن الاشتراكيين في مصر لها مناسبة هنا. إذ هم يدعون، على غير ما يحب، إلى اللغة العامية. وقد حسب عليهم هذه الدعوة في مقدمة رذائلهم. لأنه هو يعتز بفضيلة اللغة الفصحى ويؤلف عن خالد بن الوليد أو حسان بن ثابت) ومعنى هذا أن الاشتراكيين في مصر يدعون إلى اللغة العامية، على ما يحب الأستاذ سلامة الذي يعتز بفضيلة اللغة العامية ويريد أن يؤلف بها عن غير خالد بن الوليد وحسان بن ثابت، لأن الكتابة عنهما وعن أمثالهما - في رأي المفكر الحر المزعوم - من أسباب تأخرنا!. . . لا يا شيخ!
ويقول بعد قليل من تلك الفقرات إن ارتباط اللغة بالتقاليد والعقائد هو سبب التبلد والجمود في اللغة، وإن الدعوة إلى غير ذلك هي إحدى الغايات التي قصدها من تأليف الكتاب، وهو يدعو في مواضع مختلفة من الكتاب مرة إلى دفن اللغة العربية، ومرة إلى إلغاء الإعراب والمترادفات فيها، ومرة يرى أننا بحاجة إلى لغة المجتمع لا إلى لغة القرآن، ويقرن ذلك أحياناً بحرية المرأة والتقدم الصناعي! إلى آخر ذلك الخلط العجيب الذي يتفنن به من يشيعون عن الأستاذ سلامة أنه مفكر حر. وتلك عينه من أفكاره الحرة!
نرجع إلى مجمع اللغة العربية وترشيح الأستاذ سلامة موسى لعضويته، لنتساءل: هل تتفق تلك الأفكار الحرة وهذه العضوية؟ أنا لا أنكر على الأستاذ سلامة أن يكون عضواً في مجمع، ولكن أي مجمع؟ هو بلا شك مجمع للغة العامية، بل أنا أرشحه لرياسة هذا المجمع العامي، وهذه مسوغاته. وليس هذا فقط فالرجل جدير بالتخليد، ولذلك يجب أن يسمى المجمع باسمه فيقال (مجمع سلامة موسى للغة العامية).
الفن (في أجازه):
أربعة من الأصدقاء جمع بينهم سوء الحال وبؤس العيش، اتفقوا على أن يهجروا أعمالهم التي يزاولونها ويلقون فيها الشقاء ويكونوا عصابة للسرقة، وانضمت إليهم فتاة راقصة. واختاروا مدينة الأقصر مجالا لعملهم الجديد، حيث يكون هناك الأغنياء في موسم السياحة. ويلاحظهم في الفندق الذي نزلوا به رجل غني مولع بقراءة الروايات (البوليسية) فيهتم بأمرهم، ويشجعهم على الاتصال به وخاصة الفتاة الراقصة التي تعرف أن لديه تمثالا من الذهب فتحتال لسرقته، ثم يضبطها وهي تسرقه فيهددها ثم يعفو عنها على أن تعاونه على ما اعتزم من التدبير نحو زملائها الأربعة. ويرتب الأمر بعد ذلك على أن يوهمهم أن صاحبتهم قد ماتت، ويتراءى لهم روحها فيهتف بهم أنهم سيلحقون بها عما قريب، ويدبر لكل منهم حادثة يوقن فيها أنه مات، ويرمي به إلى كهف أعد ليكون (جهنم) يأكلون فيه البرسيم والتبن والشعير، ويسامون فيه بعض العذاب، ثم يفزعون برؤية (الزبانية) يتراقصون من حولهم. وأخيراً يبدو لهم الرجل الغني فيقول لهم إنهم ليسوا أمواتاً كما وهموا. بل هم أحياء عنده يعذبون لسوء أعمالهم، ثم يعظهم ويرشدهم ويتلو عليهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. . . وكنت عندهم في سينما الكورسال وجيت. وأكلت ورك الديك. كما كانوا يقولون لنا في نهاية (الحواديت) ونحن صغار.
تلك هي حكاية فلم (أجازه في جهنم) التي وضعها يوسف جوهر، وقد أخرج الفلم عز الدين ذو الفقار، ومثل الأربعة الأصدقاء حسن فايق وإسماعيل يس وكمال المصري واستفان روستي، ومثل الرجل الغني عباس فارس واسمه في الفلم (أدهم بك) أما الراقصة فهي سامية جمال.
وهو فلم فكاهي كما زعموا، فقد اجتمع فيه جماعة من أبطال التمثيل الفكاهي في مصر؛ ولكن ما هدف الفلم وما موضوعه؟ وهل تكون الفكاهة في الهواء؟ هناك في آخر الفلم يقف أدهم بك على منبر بجهنمه ليبين للمعذبين أن الشرف والاستقامة مع الفقر أحسن مما لجئوا إليه وأنه خير لهم أن يتوبوا ويعودوا إلى أعمالهم الشريفة الأولى. ويذكرني هذا بما كنا نقرأه في كتب المطالعة المدرسية القديمة في ختام كل حكاية: من مثل (والمقصود من هذه الحكاية أن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل).
أما حوادث الفلم فلا تعرض إلا الاعوجاج ومجانية الشرف، ولم تعرض عواقب طبيعية لذلك حتى تستخلص العظة من الوقائع وليس مما يقع في الحياة أن يكون جزاء السارق والمحتال في الدنيا عذاب الآخرة. . . فأحداث القصة خلط بين الحياتين لا هدف له إلا الإضحاك؛ وحينما يصل الأمر إلى مجرد الرغبة في الإضحاك يؤدي إلى شيء آخر غير المراد؛ وهو الإشفاق على القائمين بالأمر لإخفاقهم فيما قصدوا إليه. . وتتركز آفة القلم في هذا القصد؛ فقد جعل منتجوه نصب أعينهم أن يخرجوا فلماً فكاهياً فحشدوا أبطال الفكاهة، وأوصوا المؤلف أن يضع لهم قصة تميت من الضحك، فأمات الأبطال وألقى بهم في الجحيم لكي يضحك الناس. واتجه المخرج أيضاً نحو هذه الغاية، فضحى في سبيلها بكل قيمة فنية، وأظهر مناظر الفلم كأنهم في عالم غير عالمنا ولست أدري في أي مكان من القاهرة تقع القهوة التي يغني فيها أحد المغنين فيرميه المستمعون بالحصى والأحجار؟ وكيف يسافر أربعة من الفقراء ذوي الحرف إلى الأقصر في عربة نوم فاخرة بالقطار ولما يسرقوا شيئاً بعد؟ وكيف يجلس رجل في ردهة فندق كبير والناس من حوله وقد خرق الصحيفة التي يتظاهر بقراءتها خرقاً واسعاً ليرقب منه أفراد العصابة الجالسين على كثب منه ويستدعي سكرتيره ليشاركه النظر من الخرق؟ وكيف يتصور الإنسان في فندق فخم أن يكون بالجدران بين الغرف ثقوب يرى منها الناس بعضهم بعضاً؟ هذه أسئلة على سبيل المثال فقط؛ تبين ما في الفلم من (خروق) واسعة وقع فيها من قاموا به، لا لشيء إلا للإضحاك. . . وقد كنا نستطيع أن نضحك تصنعاً من أجل (خاطرهم) لولا أنهم في أثناء العمل به سرحوا الفن ومنحوه (أجازه).
ولا يمنعني ذلك أن أذكر إجادة الممثلين على قدر ما هيئ لهم وفي حدود القالب الذي وضعوا فيه، غير أن (استفان روستي) كان جامد الحركة، قليل التعبير، وكان الفرق واضحاً بينه وبين زملائه الثلاثة، وكان عباس فارس موفقاً في دور (أدهم بك) ولكنه بدا ثقيل الظل في خطابته الأخيرة؛ أما سامية جمال فهي في الفلم فتاة جميلة بارعة الرقص وكفى. . .
وقد صاحب بعض مناظر الفلم، قطع موسيقية جيدة، كالقطعة التي صاحبت إسماعيل يس وهو يندب نفسه حين يتوهم أنه مات، وقد وفق واضع هذه القطعة في تصوير جو المآتم المصرية، وكان إسماعيل يس يوقع عليها ندب نفسه توقيعاً ظريفاً.
يقولان لي:
يقول الأديب عبد العزيز سالم بعد استنكار ما كتبه التابعي عن أسمهان في (آخر ساعة): (وقد مات المراغي كما مات مصطفى عبد الرازق فلم تظفر حياتهما بشيء من تقدير حياة أسمهان، الآن أسمهان أفادت الفن وخدمت الغناء أكثر مما خدم المراغي الدين ومصطفى الأدب والفلسفة؟)
وأقول: لكل صحيفة أو مجلة لونها الخاص، وما كتبه التابعي يلائم لون (آخر ساعة)، وليست المجلات مرفقاً من مرافق الدولة، وإنما هي بضاعة تعرض للراغب فيها. وليس لأحد - كما أرى - أن يقول إن مجلة كذا تشغل صفحاتها بكذا، لأنها هي تريد أن تكون كذلك، وما عليك إذا لم يعجبك ما فيها إلا أن تبحث عن غيرها. ثم ما ذنب التابعي إذا كان أصدقاء المراغي ومصطفى عبد الرازق لم يفوا لهما بمثل ما وفى التابعي لصاحبته؟
ويسألني الأديب (السيد عوض محمود الجعفري بمعهد فاروق الأول بقنا) عن مجلة (الرواية)، وعن انقطاع الأساتذة: سيد قطب، وشاكر، والطنطاوي عن الكتابة؛ والسؤال الثالث: (هل يجب على من تنشر له مقالة، أو قصة، أو رد على سؤال، أن إصلاح كلمة في مقالة، أو أي شيء - أن يكون من المشاهير؟)
أما (الرواية)، فقد تأخر ظهورها لما أشار به الأطباء على الأستاذ الزيات من الاحتياط لاستكمال الصحة ببعض العلاج، ولانقضاء موسم النشاط وحلول الصيف. والمأمول بعد ذلك أن تتحقق آمال عشاق القصة الرفيعة في (الرواية).
وأما السؤال الثاني، فيحال إلى الأساتذة المسؤول عنهم، ولعل الأستاذ سيد قطب قد أجاب إجابة عملية كما رأيت في عددين ماضيين من (الرسالة) ولعله يجد مندوحات من مهام بعثته فيبعث بنفحاته الشرقية من ذلك العالم الغربي.
وأما الإجابة عن السؤال الثالث فقد فصلتها في العدد (790) من الرسالة ولا داعي للتكرار.
عباس خضر