مجلة الرسالة/العدد 827/القبائل والقراءات
→ صور من الحياة: | مجلة الرسالة - العدد 827 القبائل والقراءات [[مؤلف:|]] |
ربيع. . . وربيع! ← |
بتاريخ: 09 - 05 - 1949 |
للأستاذ عبد الستار أحمد فراج
- 8 -
تقدم ما شاركت قبيلة أسد فيه غيرها عند الكلام على تميم وهذيل، وهذا ما نسب إليها بخصوصها، أو مع غيرها مما لم يسبق الكلام عليه، وقد مرت الترجمة لها وتبيان أماكنها.
1 - الفعل الماضي الثلاثي المعتل الوسط، وهو المسمى الأجوف مثل: قال، وباع إذا بني للمجهول، فأكثر القبائل تكسر الحرف الأول وتقلب حرف العلة ياء يقولون: بيع وقيل بإخلاص الكسر في أول اللفظ، وهذه اللغة هي المشورة بين قبائل العرب، لكن بني فقمس وبني دبير من أسد، وبعض قبيلة هذيل يضمون الحرف الأول ويقلبون الألف واواً يقولون: بوع وقول بإخلاص الضم في أول اللفظ، وقد روي عليه قول الشاعر:
ليت وهل ينفع شيئاً ليت ... ليت شباباً (بوع) فاشتريت
وقول الآخر:
(حوكت) على نيرين إذ تحاك ... تختبط الشوك ولا تشاك
ولم يقرأ أحد على هذه اللغة مما ورد مبنيًا للمجهول في القرآن الكريم.
وهناك وجه ثالث في طريقة هذا النوع للمجهول وهي لهجة لبعض أسد وبطول من قيس منها عقيل ذلك بأن يجعلوا حركة الحرف الأول بين الضمة والكسرة، وبهذه اللهجة قرأ الكساني وهشام: قيل وغيض وحيل وسيء، وجيء وسيق وافقهما نافع وابن ذكوان في سيء، وسيئت وزاد ابن ذكوان في موافقته: حيل وسيق. وهذه اللهجة تسمى في اصطلاح القراء والنحاة: الإشمام. وهناك إشمام آخر ليس هذا موضع بحثه.
2 - ما كان صفة على وزن فعلان بفتح الفاء، فالقبائل العربية تجعل مؤنثة إذا كان له مؤنث على فعلى ما عدا صفات قليلة، عددها الأشموني، تبلغ أربع عشر صفة منها خمصان بمعنى الضامرالبطن، وقشوان بمعنى الرقيق الساقين، وسيفان للرجل الطويل.
ولهذا فإن ما كان مؤنثه فعلى يمنع من الصرف - أي التنوين - ويرفع بالضمة، وينصب ويجر بالفتحة بشرط عدم إضافته، وعدم تعريفه بأل، لكن قبيلة أسد تجعل المؤنث دائماً على وزن فعلانة، فيقولون مثلاً في مؤنث غضبان: غضبانة، وغيرهم يقول غضبى.
وغلى لغة أسد تصرف جميع الصفات المذكرة وتجر بالكسرة.
وهنا نتساءل عن هذه الصفات الأربع عشر التي استثناها النجاة وقالوا إن مؤنثها فعلانة، أكانت في أول أمرها تستعمل بلفظها، ومعناها عند قبيلة أسد؟ أو غلب استعمال أسد لها؟ وعنها أخذتها القبائل العربية بمؤنثها؟ واستعملت مذكرها مصروفاً كاستعمال أسد لها؟ أم أن النجاة واللغويين وجدوا في الآثار الأدبية مؤنثها فعلانة - وما ذلك إلا من استعمال أسد - فحكموا بصرفها ومنعوا غيرها من الصرف؟ مع أنه قد يكون هناك مثلها؟ وإذا كانت هذه الصفات مستعملة من أول الأمر عند القبائل العربية الأخرى، فلم كانت وحدها هي التي تؤنث على فعلانة؟
في رأيي أن هذا كان من الآثار الأدبية التي استقرأها النجاة واللغويون فاقتصروا على استثنائها وكان حقهم ألا يخضعوا لهذا الاستثناء. كما أرى أنه يجوز لنا أن نمنعها من الصرف حتى تسير على النمط الغالب في القبائل الأخرى بأن تعرب إعراب ما لا ينصرف كما يجوز لنا أن نؤنثها على فعلى تبعاً للقاعدة العامة عند القبائل حتى مع عدم النص على ذلك في معاجم اللغة! ولا معنى لاستثناء بدون معنى، ويجوز لنا أن نصرف جميع الصفات المذكرة التي على هذا الوزن إذا سلكنا طريقة أسد. على أن بعض هذه الصفات التي استثنوها، سمح له تأنيث على فعلى بجانب تأنيثه على فعلانة. حكي ابن الأعرابي امرأة خمصى؛ وأنشد للأصم الدبيري:
لكن فتاة طفلة خمصى الحشى ... غريرة تنام نومات الضحى
ونلحظ هنا أن الأصم الدبيري من دبير وهي بطن من أسد فإما أنه خالف لغته وجرى على نهج القبائل الأخرى في تأنيث فعلانة، وإما أن هذا البطن الذي ينتمي إليه، يخالف بقية بطون أسد في تأنيثه.
وسمع أيضاً: كبش أليان ونعجة أليانة وأليا. وجاء ضحيانة وضحيا.
ونجد صفات لم يستثنوها ومؤنثها فعلانة، فقد ورد شفة ذبانة أي ذابلة، ونظر القاموس لها بقوله كريانة. وقال شارحة إنها من الصفات التي جاءت إلى فعلانة في حين أن القاموس وشارحه لم يذكروا لفظة ريانة في مادتها. وقالت أعرابية: أجد عيني هجانة لم يذكروها في المستثنيات ولم ذكروها أيضاً في مادتها، وإنما جاءت غرضاً في مادة أخرى.
وقد جرت القراءات القرآنية على اللهجات الغالبة في استعمال ما كان له مؤنث على فعلى ممنوعاً من الصرف حيث لم يقرأ أحد بالتنوين (غضبان أسفاً. . .) (حيران له أصحاب) بل اتفقوا على منع الصرف. ولم تجيء أي لفظة من المستثنيات في القرآن حتى نحكم عليها.
3 - بنو مالك من أسد يضمون (ها) التنبيه التي تأتي بعد (أي) فيقولون في يا أيها الرجل، ويا أيها الناس: أيه ' الرجل، ويا أيه الناس إلا إذا تلاها اسم إشارة، فحينئذ يوافقون بقية القبائل في فتحها وذلك مثل أيهذا. وقد قرأ ابن عامر أيه الثقلان وأيه المؤمنون بالضم في حالة الوصل على لغة بني مالك. ونسب شارح القاموس هذا إلى بني أسد عموماً.
4 - إذا كان الاستثناء مفرغاً بمعنى أن المستثنى منه ليس مذكوراً في الكلام فإن ما بعد إلا يكون حسب ما يقتضيه العامل تقول ما جاءني إلا محمدٌ. ومعلوم أن لفظة (غير) تقوم في بعض استعمالها مقام (إلا) على أن تكون حركة المستثنى التي يستحقها ظاهرة على (غير) نفسها وهي مضافة إلى ما بعدها تقول ما جاءني غير محمد برفع غير، وإضافتها إلى ما بعدها. . . الخ المعروف في علم النحو لكن بعض بني أسد ويشاركهم بعض قضاعة يفتحون (غير) في الاستثناء مطلقا سواء تم الكلام قبلها أم لم يتم يقولون (ما جاءني غيرك) (وما جاءني أحد غيرَك) بفتح الراء فيهما وتكون لفظة (غير) على لغتهم هذه مبنية على الفتح عند استعمالها في الاستثناء.
5 - فقيس ودبير من أسد يخفضون (حيث) في موضع الخفض وينصبونها في موضع النصب يقولون كان ذلك التقينا. ومن حيث لا يعلمون (ولم يقرأ أحد عن لهجتهم في حالة الجر أما حالة النصب فقد وافقوا بعض بني تميم. وسبق من قرأ بها كما سبق أن اللغة المشهورة هي بناء حيث على الضم دائماً.
6 - بنو أسد يلقون حركة الهمزة إلى ما قبلها إذا كان ساكناً وذلك في حالة الوقف فيقولون هذا البُطُؤ وكرهت البُطَأ وهو يسير ببطيء. وسبق أن بعض تميم يفعلون ذلك.
7 - تقدم أن فعل الأمر المضعف يفك إدغامه عند الحجازيين ويظل على إدغامه عند النجديين إلا أن النجديين يختلفون في حركته الأخيرة فكعب وغنى وقيس تحركه بالكسرة مطلقاً وأغلب النجديين يحركون بالفتح سواء كان ساكن أم متحرك أما أسد فتحركه بالفتح ما لم يكن بعده ساكن فإنها تكسره فمثل قولك. ردَّ الجواب يقولون ردَّ الجواب وتقدم لنا أن بعض تميم يحركون الآخر بحرَكة فاء الكلمة في الأمر فتحاً وضماً وكسراً.
8 - الفعل الذي ينتهي بواو الجماعة أو ياء المؤنثة يقف عليه بنو أسد وبعض قيس في قوافي الشعر بحذف الضمير يقولون عند الوقف على صنعوا وتكلمي: صنع وتكلم وليس لوقفهم هذا أثر في القراءات.
9 - تقول أسد في جبريل بالام (جبرين) بالنون بكسر الجيم أو فتحها ولم يقرأ أحد بلغتهم. كذلك يؤنثون الهُدى والسُرى بمعنى أنهم يعيدون إليها الضمير مؤنثاً. . . الخ والقرآن الكريم استعمل الهدى على اللغة المشهورة بالتذكير. (قل إن هدى الله هو العدى. وذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) ولم تقع لفظة السرى في القرآن الكريم.
10 - هُوَ وهَي الضميران يسكنون آخرهما في الموصل والوقف ولا يفتحون الواو ولا الياء وقد روي:
وكنا إذا ما كان يوم كريهة ... فقد علموا أني وهُو فتيان
11 - العضد بفتح فضم ينطقونه بفتح فكسر وذكر البحد أن بعضهم قرأ سنشهد عضدك بأخيك بفتح فكسر أي على لغتهم ولم يسم القارئين.
12 - يقولون قنط يقنط كضرب يضرب وغيرهم يقول كعلم يعلم وقرأ الجمهور قنطوا بالفتح على لغتهم وقرأ الأعمش وابن وثاب بالكسر على لغة غيرهم. وقرأ أبو عمرو والكسائي والأعمش ومن يقنط على لغتهم بالكسر والباقون بالفتح على لغة غيرهم.
13 - المسكين ينطقونه بفتح الميم. ويكسره غيرهم ولم يقرأ أحد بلغة أسد.
14 - من ألفاظهم: إن السعر لمخادع: أرتفع وعلا. كلمت فلاناً فما رأيت له ركيزة: أي ليس بثبات العقل. ما أعوج بكلامه: أي ما التفت إليه كرثأ الشعر وغيره: كثر والتفت وتراكم. الأصلج: الأصم.
15 - حكي الأخفش أن بني أسد يقولون فإنهم، وإما بكسر الفاء والواو بمعنى أن الكسرة أثرت فيما قبلها وتغلبت عليها.
قبيلة كنانة:
وهذا ما ينسب إلى كنانة التي سبق أن ترجمت لها وبينت مساكنها.
1 - المشهور في المثنى أن يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء ولكن بني الحرث بن كعب وزبيد ومراد وهم من مذحج من كهلان وخثعم وهمدان من كهلان وعذرة من قضاعة وبطون من ربيعة وبكر بن وائل من ربيعة وبني العنبر وبني الهجيم من تميم كل هؤلاء مع كنانة يلزمون المثنى الألف في جميع أحواله رفعاً ونصباً وجراً، وقد جاء على لغة هؤلاء في القراءات المشهورة إن هذان لهاجران، وقرأ أبو سعيد الخدري والجدري فكان أبواه مؤمنان وحمل على هذه اللغة حديث (لا وتران في ليلة) وقد أقتصر كتاب الصاحبي وكتاب النوادر وكتاب المغنى على نسبة إلزام المثنى الألف مطلقاً إلى لغة بني الحارث بن كعب، وذكر غيرها كنانة وأضاف بعض الكتب قوله: وأهل تلك (الناحية) وأغلب هذه القبائل متجاورة وكنانة التي تشترك في هذا الإجراء هم بنو بكر بن عبد مناة لأنهم هم المجاورون لبني الحارث بن كعب.
ويلحق بما سبق أن كلاً وكلتا في اللغة المشهورة ترفعان وتنصبان وتجران بالياء إذا أضيفتا إلى الضمير وتعربان إعراب المقصور بأن تلزما الألف في جميع الأحوال إذا أضيفتا إلى الاسم الظاهر لكن لغة كنانة - ولا بد أن من شاركوها في المثنى مثلها - تلزمهما الألف دائماً.
والقرآن الكريم جاءت به كلتا في حالة رفع بالألف (كلتا الجنتين) وليس فيه كلتا في حالة نصب أو جُر لتبين استعماله وكذلك (كلا) في القرآن جاءت في حالة رفع (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما).
2 - الأسماء الخمسة أو الستة ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء، لكن كنانة وخثعم وبني الحارث بن كعب - ولابد أن من سبق ذكرهم مثلهم - يلزمونها الألف في الرفع والنصب والجر وقد روي:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وفي البيت شاهد على إلزامهم المثنى الألف.
وقد صرح أبو زيد في كتابه النوادر وأحمد بن فارس في كتابه الصاحبي وغيرهما أن هذه القبائل تقلب الياء ألفاً إذا جاءت ساكنة بعد فتحه ولو كان ذلك في الحرف وقد روي:
(طاروا علاهن فطر علاه) وأصله عليهن وعليها وروي:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمها
ورويت أبيات كثيرة على لغتهم.
3 - تقول كنانة في (نعم) حرف الجواب نعم بكسر العين وقد قرأ ابن وثاب والأعمش والكسائي بكسرها على لغتهم.
4 - أكثر العرب تقول سيناء بالفتح والمد أما كنانة فتقول سيناء بكسر السين والمد أيضاً. وقد0 قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحسن (طور سيناء) بكسر السين على لغة كنانة. وقرأ الباقون بالفتح.
5 - تقول كنانة لقيته على غشاش بكسر الغين وفتحها ولقيته غشاشاً بالفتح والكسر بمعنى لقيته على عجلة.
6 - تقدم أن هذيلاً تقول يازع فيوزاع ولم ينصوا على أنها تبدل الواو ياء أما بنو ضمرة من كنانة فقد نص بعض اللغويين إلى أنها تقلب الواو ياء يقولون يازع في وازع وقد روي لخصيب الضمري:
لما رأيت بني عمرو ويازعهم ... أيقنت أني لهم في هذه قود
لكن هذا النص أرى أنه توسع كثير فهل يقولون في والد ووارث وواهب وواحد. . الخ يالد وياهب. . . أو أن نصه استنتاج من لفظة بازع التي نطقها شاعر منهم؟ أو أن لها نظائر وأمثال أخرى لم يذكروها؟ على أننا لا ينبغي أن نقيس على هذا الإبدال فيه على السماع.
عبد الستار أحمد فراج
المحرر بالمجمع اللغوي