مجلة الرسالة/العدد 826/الأدب والفن في أسبوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 826 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 02 - 05 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
أين هو الربيع:
حفلت الصحف والمجلات المصرية في هذا الأسبوع بالكلام على الربيع وبصور الربيع، وتفنن بعضها في عرض صور الحسان فهذه تخلع للربيع، وهذه تغفو ليصف الشاعر الفتنة النائمة، وهذه تتحدى أزهار الربيع بما تبدى من مفاتن. وترى هنا وهناك قصائد يتغنى فيها الشعراء بالربيع وما يسبغ على الكون من جمال.
ذلك كله على رغم هذا الجو المتقلب الذي لا يستقر على حال وعلى رغم هذه الرياح، رياح الخماسين، التي تقذى العيون وتزكم الأنوف. فأين هو الربيع؟ إن هذا الجو الكدر المضطرب سينقلب بعد قليل إلى حر لا يطاق.
إذا كان للربيع وجود فهو في بلاد أخرى غير مصر، شرقية وغربية، وهم يشعرون به لأنه يأتي عندهم بعد شتاء قاس، وينتقل فيه الجو ببطء وتدرج؛ أما عندنا فهو انتقال من شتاء معتدل، وإيذان بصيف ثقيل، وهو فترة مضطربة لا يستقر فيها الجو على حال. وإني أشعر أن الخريف عندنا أجمل من الربيع، فهو يقبل بعد الصيف كما تقبل نسمات الأصيل بعد الهجير، والجو فيه أكثر استقرارا من الربيع، ولم أر فيه شجرا يسقط ورقه كما يقولون، فالشجر في مصر دائم الإيراق وقليل منه يسقط في الشتاء، والأزهار كثيرة ناضرة فيها على مدى العام، وحتى صور الحسان في الصحف والمجلات لا تنقطع لها مناسبة. . .
فما نصيب تلك المظاهر التي نصطنعها في الربيع من الصدق؟ أليست كلها تقليدا في تقليد؟ وكم من شاعر يتغنى بجمال الربيع وليس في عالمه إلا جدران قهوة أو غرفة مغلقة، ويتحدث عن الحب في الربيع وهو لا يحب غير نشر القصيدة أو إلقاؤها في حفل، ويشيد بشدو الطيور وهو لا يسمع غير ما يطلبه المستمعون من الإذاعة. . .
إن الربيع الحقيقي في مصر هو (البرسيم) ربيع الحمير. . .
ذكرى إقبال:
احتفت سفارة الباكستان في القاهرة بالذكرى الحادية عشرة للشاعر الفيلسوف محمد إقبال، يوم الخميس الماضي في القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية. وقد ألقى سفير الباكستان الحاج عبد الستار سيت كلمة ترحيب، وألقى الدكتور حسين الهمداني محاضرة عن حياة الشاعر وشعره، وألقى الدكتور عثمان أمين محاضرة عن (إقبال الفيلسوف) وأنشد كل من الشاعرين محمود حسن إسماعيل ومحمد مصطفى حمام قصيدة، وألقى آخرون كلمات أخرى.
وقد تضمنت كلمة الدكتور الهمداني أن إقبال ولد سنة 1873 في عائلة براهمية تشتغل بالزراعة في قرية (لوهار) بكشمير. وبعد أن أتم تعليمه في المعاهد الهندية لم يلتحق بخدمة الحكومة لضعف بصره فتفرغ للأدب والشعر. ثم رحل إلى أوربا سنة 1905 قاصدا كمبردج ثم هيدلبرج بألمانيا ثم ميونخ حيث حصل على شهادة الدكتوراه نتيجة لرسالة قدمها بعنوان (تتطور الفكرة العقلية في إيران) وفي سنة 1908 حصل على شهادة في القانون وعاد إلى وطنه.
وقال إن إقبال عندما اقتحم باب الشعر ألقى الوخم والكسل والقنوط مخيمة على حياة الناس كافة كما وجد روح التشاؤم سائدا من جراء الاستعمار، فأيقظ قومه وبعث فيهم الكفاح والحياة، ومزق الأستار التي كانت تحجب الحقائق عن أعين الشعب. ولم يقتصر على الخيال والجمال الفني في شعره بل راح يجاهد ويهيب بقومه أن يقلعوا عن أفكارهم القديمة ويتجردوا من روح التواكل الذي كان يشيع بينهم. وقد نادى بوجوب انفصال المسلمين عن الهندوس وتكوين دولة خاصة بهم، فتحققت أحلامه بعد وفاته وقامت دولة الباكستان.
وقد ألقى سعادة السفير كلمته بالإنجليزية، ومما يذكر لذلك أن في الباكستان الآن حركة تهدف إلى نشر اللغة العربية، فقد تقرر تعليمها بالمدارس الباكستانية على نطاق واسع، وجاء في نشرة لسفارة الباكستان بالقاهرة أن متحدثا بلسان وزارة المعارف الباكستانية قال إن الحروف العربية أثبتت تفوقها على الحروف الأردية، وقد عرف المؤيدون لاستعمال الحروف العربية أن ذلك يدعو إلى توثيق العلاقات بسائر الأمم الإسلامية، كما أنه يعتبر الوسيلة الفعالة للنهوض بالتجانس الثقافي وتوحيد الغايات إلى المستقبل القومي.
ومما يذكر أيضاً أن رجال الدولة في الباكستان ضربوا المثل بأنفسهم فجعلوا يتعلمون اللغة العربية. ولا شك في أنه لن يطول الأمد حتى يلقى سفير الباكستان بالقاهرة كلمته في ذكرى إقبال باللغة العربية.
المصري أفندي:
هو الفلم الذي عرض في الأسابيع الأخيرة بسينما مترو بالقاهرة، وقد ألف قصته محمد كامل حسن، وأخرجه ومثل البطل الأول فيه حسين صدقي وممن اشترك معه في التمثيل إسماعيل يس ومديحة يسري ولولا صدقي. ويعالج الفلم قضية إنسانية في صور من البيئة المصرية، تلك هي مشكلة الأولاد وحالة الأب المعيشية، فالمصري أفندي (حسين صدقي) شاب فقير يرزق أو (يصاب) بأولاد كثيرين، توائم وغير توائم، من زوجته (مديحة يسري) وتمر الأسرة بشدائد تجعل الوالد يضيق بأولاد، ويكاد يتحطم عندما يفاجأ بثلاثة توائم. ثم تنجاب الشدائد ويقبل المال وتتبدل الحال غير الحال. . . ولكن الأحداث تذهب بالأولاد ولا يبقى إلا بنت واحدة (عيشة) التي تصاب بمرض شديد فلا تشفى منه إلا وهي مقعدة. ويصبح الوالد من كبار الأغنياء ولكنه في الوقت نفسه أكبر الأشقياء، فقد هذه الحزن على أولاده وخاصة حسن الذي اختفى ولم يعرف له مقر، وتنتهي الرواية باللقاء بين الولد المفقود الذي صار شابا وبين والديه المحطمين والأخت المقعدة التي تذهلها المفاجأة السارة عن حالها، فتهب واقفة تمشي نحو أخيها حسن. . .
ويعرض الفلم صورا رائعة من الحب الزوجي والتعاون بين الزوجين في الملمات، إلى جانب ما بينه من تفاهة المال وعدم جدواه في السعادة الحقيقية. ويمتاز الفلم بالروعة الأصلية، والوصول إلى الأهداف عن طريق العرض الفني من غير إشعار يوعظ، والخلو من التهريج والحشو، والفكاهة فيه طبيعية غير مقحمة، ويبلغ فيه إسماعيل يس غاية الظرف، وهو يؤدي دور الغني الذي لا يشعر بحاجة إلى تنمية المال حتى يولد له ولد بعد انتظار طويل، وكانت المفارقة أن يقترن هذا بما يتوالى على (عديله) المصري أفندي الفقير من الأولاد وهو في شوق ولو إلى نصف ولد. . .
و (المصري أفندي) فلم عظيم من غير شك، وهو يأتي الآن في هذه المرحلة من مراحل الفن السينمائي في مصر، كما أتى فلم (العزيمة) لحسين صدقي أيضاً في المرحلة الأولى، كل منهما ينقل هذا الفن إلى (الموضوعية) مصاغة في قالب من الفن الممتع الشائق. وقد تعمدت أن أغفل فلم (نحو المجد) الذي أخرجه حسين صدقي أيضا، لأنه وإن كانت قصته جيدة إلا أن هناك أشياء أفسدته، منها إقحام (شكوكو) في الفلم من غير مناسبة فجاء ثقيل الظل.
وفي فلم (المصري أفندي) هنات قليلة، منها (السبوع) الذي احتفل فيه الولد الأول للمصري أفندي، فإن (برجيلاتك وحلقة في وداناتك) لا تتفق مع استنارة الزوجين وعصريتهما، وقد تم زواجهما على طريقة عصرية في غاية البساطة.
الأدب وغذاء العقل في الصحافة:
ألقى الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني محاضرة عن (الصحافة المصرية في ربع قرن) يوم الجمعة الماضي بالجامعة الأمريكية، عرض فيها للصحافة في طورها الأول ثم قال: وفتحت الصحف صدورها للأدباء فصاروا ينشرون فيها شعرهم ونثرهم، وكانت أسبق الصحف إلى ذلك - على ما أذكر - جريدة الدستور لصاحبها الأستاذ فريد وجدي بك، وكان عونه في هذا الباب هو الأستاذ العقاد؛ وجريدة (الجريدة) التي كان يتولى أمرها الأستاذ الجليل لطفي السيد باشا، وقد استعان بجمهرة من الأدباء منهم المرحوم محمد السباعي؛ ثم تلتهما جريدة المؤيد فجعلت للقسم الأدبي صفحة خاصة وكلت أمرها إلى الأستاذ العقاد.
ثم انتقل إلى الصحافة في طور تقدمها الحديث، وقال: وقد جر هذا الرقى الصحفي إلى أمور يشكو منها العقلاء والمشفقون منها أن كثرة المادة في الصحف والمجلات وتنوعها وحسن عرضها وقرب منالها، كل ذلك صرف الكثيرين عن قراءة الكتب، وعودهم الاكتفاء بهذا المادة السهلة الميسرة، وهذا شر كبير لأنه لا غنى عن غذاء العقل كما أنه لا غنى عن الغذاء للبدن، ومادة الصحف لا تكفي لتغذية العقل.
يقولون لي:
يقول الأديب محمد فتحي سعيد بمدرسة دمنهور الثانوية (وقد وصلني كتابه منذ أسابيع ولكني رأيت أن أعود إليه): قلت في ما كتبته ردا على الأستاذ الأسمر (ليست هذه أول مرة يأخذ فيها الجارم من شعر شوقي) ومعنى ذلك أن الجارم كان يسطو على شعر شوقي ولكننا نعرف عن الجارم أنه شاعر فذ وأديب مجيد. إلى أن يقول: وجدير بنا الآن أن نترحم على الجارم بعدما استعصى على الشعراء رثاؤه.
وأقول: إن الوقوع في سرقات أدبية لا ينافي الإجادة والشاعرية الفذة، وقد ألفت كتب في سرقات شعراء كالمتنبي، وقد وصل الأمر إلى الاغتصاب مع إكراه الشاعر القائل على أن يتنازل عن ملكية ما قاله مفاداة لعرضه من هجاء المغتصب. والدلالة على السرقة الأدبية لا تنافي أيضاً الترحم على الفقيد، وعندما تتقدم في الدراسة الأدبية سترى في باب السرقات بكتب الأدب أن كل السارقين المذكورين في هذه الكتب قد ماتوا. . يرحمهم الله. . .
ويقول لي الأديب الشحات السيد زغلول (مدرسة رأس التين الثانوية - توجيهة آداب): من الله علي بالنجاح فهممت بقلمي لأكتب لك وأزف إليك تلك البشرى، كأنك ممن يهمهم أمري وممن يسرون لنجاحي.
وقد يبدو لبعض القراء أن هذا (المقول) تافه، ولكنه ليس كذلك، فهو تعبير عن شعور. إن الطالب الأديب (الشحات السيد زغلول) دائب على قراءة (الرسالة) وقد كتاب إلي قبل ذلك، وهو يشعر من طول الملازمة الفكرية كأني من أسرته. . . وحقا لقد سرني نجاحه كأنني ممن يهمهم أمره. نجاح مبارك يا سيد شحات. . .
ويقول لي الأستاذ أحمد طه السنوسي: اطلعت على كلمة لكم تحت عنوان (نصف مليون جنيه يصدع رأس الدولة) في الرسالة الغراء، فأحببت أن أكتب لك شيئا عن ذلك (الروتين) العجيب، وإن له مساوئ ولكنها طريفة تفتر لها الأفواه عن بسمات، وقد صارت هذه البسمات أيضاً من (الروتين). . كثيرا ما ترسل المصالح الحكومية خطابات مسجلة إلى أفراد من الناس تطالبهم فيها بمبالغ قد تكون عشرة مليمات أو سبعة، وتنفق على الخطاب ثمانية عشر مليما!
ويقول لي الأستاذ الشاعر محمد العديسي: إن الأبراج المقدسة لم تدع لنا إلا آمالا في أمثالكم الذين يهيئون لأنفسهم مكانة عند أمثالنا. . .
وأقول له: إن (رغبتنا) في المكانة عند أمثالكم لا تجديكم شيئا. . . كما أننا لم نستفد من رغبة أحد في مكانة لدينا. . .
عباس خضر