مجلة الرسالة/العدد 825/رسالة العلم
→ فزان بين يدي الفرنسيين والطليان | مجلة الرسالة - العدد 825 رسالة العلم [[مؤلف:|]] |
تعقيبات ← |
بتاريخ: 25 - 04 - 1949 |
انفعال الجو الأرضي من السفع الشمسية
لماذا اضطرب الراديو في العالم؟
للأستاذ نقولا الحداد
في الخامس من هذا الشهر اضطربت الإذاعات اللاسلكية في العالم من الصباح حتى الساعة الأولى بعد الظهر فلم يعد أحد يسمع إذاعة واضحة كأن البحر الأثيري التج وأمواجه هاجت فضرب بعضها بعضاً والتطمت لججه. وكانت الإذاعات اللاسلكية يطغي بعضها على بعض، فلم يعد أحد يفهم كلاماً أو يميز نغماً إلى أن أذاع راديو لندن: (نأسف أن إذاعاتنا لم تنتظم اليوم بسبب اضطراب صاخب في قرص الشمس).
ذلك لأن براكين السفع الشمسية هاجت متجاوزة حد هياجها المعتاد. فأثرت مغنطيسيتها في مغنطيسية الأرض وكهربائيتها في كهربائية هذه وقلقلت إيجابيتها وسلبيتها وعكست اتجاهاتها فاضطربت إبرة الحك بحيث لم يعد الملاح يعرف يمينه وشماله واتجاهه القويم وانتفضت كهربائية الشمس فصادمت كهربائية الأرض واضطربت ميزانها. وبالإجمال يقال أنه لم يبق اعتدال كهربائي أو اعتدال مغنطيسي على الأرض.
وقد لاحظ العالم الإنساني كله أن شتاء هذا العام كان صارماً جداً وبرده كان قارصاً وثلجه ومطره متدفقين. وفي أوائل هذا الشهر (إبريل)، ونحن الآن في الربيع، كان الطقس قاسياً حتى أنه كان في الخامس عشر منه كأنه طقس يناير. فعاد الناس يرتدون المعاطف الثقيلة بعد أن خلعوها.
هذه تأثيرات الشمس على الأرض حين تثور السفع الشمسية وتهيج براكينها كأن الشمس غضبت فانقضت صواعق غضبها على أولادها السيارات وأقمارها ومن جملتها الأرض وما الأرض بأعز عندها من سائر الكواكب، إلا إذا كانت الشمس قد استائت من هذه الفتاة المدللة من بين فتياتها الأخريات لما بدا من أخلاق أهل الأرض الجهنمية فاختصتها بهذه النقمة.
أما هذه السفع فهي بقاع على سطح الشمس تكثر أو تقل بلا ميعاد مقرر، ولا قرار معين.
وإنما تكثر إلى ناحيتي القطبين وتقل جداً عند خط الاستواء. والبقعة الشمسية تكبر أو تصغر بلا سبب معروف. فقطر الواحدة يختلف بين بضعة عشر ميلاً إلى 50 ألف ميل وأكثر. والظاهر أنه كان من سفع هذا العام أو هذا الشهر سفع ضخمة جداً سببت هذا الاضطراب في الجو المتيورولوجي الأرضي.
والسفع الشمسية كمعظم الظاهرات الشمسية غامضة لم يتفق العلماء حتى الآن على تفاسير مقنعة لها. ولهم فيها نظريات مختلفة ومعظمها ظنون وتخمينات.
وأكثرهم يرجحون نظرية العلامة (هايل) الذي اشتغل كثيراً في دراسة الظاهرات الشمسية وتعليلها. وهذا ملخص نظريته السفعة هي في الظاهر بقعة قائمة في الشمس وسطها ظل ثقيل ومن حوله ظليل خفيف. وتحيط بها بقع ساطعة. ولدى التدقيق في رصدها من مرصد قوي تبدو كأنها بركان هائج. وشكلها كشكل القمع - القمع الذي يسكب فيه الماء إلى القارورة - منفرج كثيراً في خارجه. وهو قائم في الجو الشمسي الخارجي المسمى (فوتوسفير). وأنبوبته تتدلى إلى ما تحت الفوتوسفير. ولما يقذف منه من غاز يظهر بشكل (بالوعة) أي دوامة أو (دردور) وسرعة دوران هذا الدردور هي في الغالب مرافقة لأصل المجال المغنطيسي الذي في الشمس. هي بالوعة فوارة لا بلاعة والغالب أن دورانها لولبي. ثم أن الغازات المتصاعدة منها تحمل معها كثيراً من الذرات المكهربة ومنها تتدفق التيارات الكهرطيسية.
وقد أثبت التحقيق أن التيارات التي تتصاعد من السفعة الواحدة، وهي لا تزال في الجوف، إنما هي منخفضة الحرارة عن معدل حرارة سطع الشمس الذي هو ستة آلاف درجة من مقياس سنتيغراد. وحرارة تلك الغازات المتصاعدة لا تتجاوز ألفي درجة سنتيغراد. إذن فلا بدع أن يكون تعدد السفع وتضخمها سبب هبوط الحرارة على سطح الأرض وتساقط الأمطار.
ولا يزال هبوط الحرارة هناك مجهول السبب، على أنها صاعدة من بيئة أشد حرارة من السطح.
والراجح أن المجال المغنطيسي في الشمس ذو صلة بدوران الشمس المحوري. وفي رأي أحد العلماء أن الدردور (أو الدوامة) الأصيل ممتد تحت سطح الشمس على عمق عميق امتداداً أفقياً، ولعله يمتد في دائرة حول باطن الشمس، وأحياناً يلتوي إلى سطحها حيث يطلق من هناك مقادير عظيمة من طاقته. وهذا ما يفسر انطلاق الغاز من نصفي الكرة الشمسية على مقربة من القطبين مدة أسابيع، وهو يعلل ظهور السفع ثم انطفاءها هنا فهناك حيناً بعد حين من غير مواعيد أكيد ة. وكذلك يعلل نشاط السفع في اتجاهها نحو خط الاستواء الشمسي.
وقد ظهر من مباحث (هايل) أن للشمس مجالاً مغنطيسياً مشابهاً جدا للمجال الأرضي. والقطب الشمالي المغنطيسي كزميله في الأرض. وهو قريب جداً لقطب الدوران الشمالي ولكنه غير مطابق له تمام المطابقة.
وقد لوحظ جيداً أن التغيرات حتى الطفيفة في المحور المغنطيسي تنبثق من الأرض أو ترد إليها بفعل دوران الشمس المحوري. وقد رئي أن القطب المغنطيسي منحرف 4 درجات عن قطب الدوران. وأن ذاك يدور حول هذا في 31 يوماً ونصف اليوم. ومقدار حدته المغنطيسية الشمسية مائة ضعف حدتها الأرضية.
هذه السفع تنشأ في نصفي الكرة الشمسية وكل من الجانبين ضد الآخر في الإيجابية والسلبية. ومتى بلغت أشدها في الضخامة ظهرت الاضطرابات المغنطيسية والكهربائية في الشمس وبالتالي على الأرض.
مدة حياة السفعة الواحدة من يوم إلى 4 أيام للسفع الصغيرة. وأما السفع الكبيرة فقد تطول حياتها أياماً وأسابيع وأشهراً حتى 18 شهراً أحياناً.
ولما كانت السفعة كالدردور أي كالبالوعة تدور على نفسها حول محورها دورة لولبية، فهي ترحل ولو ببطيء نحو خط الاستواء الشمسي أو من الشرق إلى الغرب أو بالعكس، والصغيرة منها أسرع من الكبيرة.
أما أقطار هذه السفع فمتفاوتة من 50 ميلاً إلى 40000 و50000 (من أربعين إلى خمسين ألفاً) وأحياناً تبلغ إلى 150 ألف ميل، وهذا نادر. فطبيعي إذن في هذه الحالة أن يكون تأثيرها على الأرض شديداً جداً. ولا بدع أن تختل الإذاعات اللاسلكية، وأن نرى سفعة كهذه رأي العين عند الغياب، أو من وراء زجاجة مموهة بالسواد، أو إذا كان الجو الأرضي غائماً قليلاً شفافاً. ولا يستغرب القارئ هذا الكبر إذا علم أن حجم الشمس مليون و300 ألف مرة كحجم الأرض، وسعة سطح الشمس 13 ألف مرة كسعة سطح الأرض. وإذا وضعنا الكرة الأرضية في السفعة الكبيرة غرقت فيها وبقي حولها فراغ كبير.
أما سبب ظهور هذه السفع فلا يزال مجهولاً، وقد ظن أن للكواكب السيارة والرجم تأثيراً في الشمس ولا سيما حين تتقارب بعض السيارات على جانب واحد من الشمس، ويخرج قطب محورها أو يزوغ عن موضعه. ولكن هذا الظن لم يصادف تحبيذاً من جميع العلماء، وإنما يقال بالإجمال في هذا الموضوع أن الطاقة في باطن الشمس حيث الضغط شديد تتفلت هنا وهناك كأن الشمس تتنفس الصعداء لكي تسري عن نفسها، فتنفجر الطاقة كانفجار البراكين، وتظهر السفع بشكل فوهة البركان المنفرجة وتشرع تتسع كاتساع البالوعة التي تدور دوراناً لولبياً، وتتسع وتتسع حتى تبلغ عشرات ثم مئات الألوف من الأميال، وهي تتحرك متجهة إلى خط الاستواء الشمسي. وحين تنشأ السفعة على مقربة من القطب الشمالي تنشأ أخت لها على مقربة من القطب الجنوبي.
ومتى صارت كل منهما تدنو من خط الاستواء تشرع تصغر وتتقلص حتى تتلاشى تماماً، ويندر أن تعبر خط الاستواء، ومتى تقاربت السفعتان إلى خط الاستواء تتفانيان متنافيتين تنافي الإيجابية والسلبية.
وجماعات السفع في إبان تضخمها ترى في متوسط كل من نصفي الكرة الشمسية كنطاقين حول الشمس يحزمان نصفيها.
تنشأ السفع هكذا قليلة أو كثيرة، وتتضخم وتترحل من عند القطبين إلى الاستواء على طول السنة عاماً بعد عام، وتبلغ في بعض الأعوام أشدها. وقد لوحظ أن شدتها دورية، كل إحدى عشر سنة تقريباً تحتد مرة احتداداً فائقاً، كما حدث في هذا العام وفي هذا الفصل. وبعد ذلك تخف هذه الحدة رويداً رويداً إلى أن تبلغ درجة التراخي والخمود أو الهمود.
بناء على هذا بعد 11 سنة تقريباً سيرى سكان الأرض غالباً اشتداد البرد في مثل هذا الفصل، واختلاط اللاسلكي، واضطراب الجو على العموم.
نقولا الحداد
2 شارع البورصة الجديدة بالقاهرة