الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 823/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 823/البريد الأدبي

بتاريخ: 11 - 04 - 1949


حول نيتشة وفجنر:

يقول الأستاذ محمد فهمي في الرد على الأستاذ أنور المعداوي: (أما سبب ذلك الانقلاب - أي انقلاب نيتشة على فجنر - من النقيض إلى النقيض للفيلسوف على صديقه الموسيقار فيعزوه المثقفون وبعضهم على الأقل إلى علاقة غرامية أحس بها الفيلسوف نحو زوجة صديقه الفنان) ولا يمكن أن يكون في هذه الأسباب الصغيرة سر تحول رأي نيتشة في الفنان الكبير؛ وإن نيتشة يعتبر في تاريخ الفلسفة الواحد الفرد الصارم العميق والذاهب إلى الحقيقة كيفما كان ثمنها، والذي ظل يحارب المرض والجنون والفقر سعياً وراء الحقيقة حتى دفع ثمنها آخر قبس من نور عقله العظيم.

والأستاذ (محمد فهمي) لم يصور لنا بأسلوب علمي صريح معنى فكرته؛ فأي شيء يمثله لنا تأثر نيتشة بفجنر؟ هل يعني بذلك أن فجنر تسلط على نيتشة بعصاه السحرية حتى شكله تشكيلاً موضوعياً؟ ومعنى هذا أن فجنر شكل أسلوب تفكير نيتشة ولون ميوله الفنية والفلسفية ووجه نظره نحو الناس والأشياء وأوضاع الكون حتى نراه قد حارب في الميدان الفكري الذي حارب فيه فجنر ومن أجل فكرة فجنر!

هذه الصورة من التأثر هي التي تشغل مكانها في أحكام النقد الفلسفي. فنحن نقول مثلاً: إن (إنجلز) تأثر (بماركس) لأنهما حاربا من أجل فكرة واحدة وغاية واحدة في الحياة، وهذا هو الذي لم يحدث بالنسبة لنيتشة وفجنر، فإن نيتشة قد تأثر بفجنر كصديق وتأثر بشوبنهور كأستاذ، وكانت سنه في ذلك الحين قرابة الخامسة والعشرين، وكانت هذه المرحلة بالنسبة لنيتشة مرحلة تحصيل واستيعاب: مرحلة هام فيها الفيلسوف الشاب وراء الحقيقة تساوره الوساوس والشكوك في قيمة الوجود ومعنى الحياة، وأخيراً وجدها نيتشة قائمة في نفسه، وإذ ذاك وصل إلى نقطة الارتكاز فثار بعقله الجبار على كل الأصنام، ودعا إلى تحطيم ألواح الوصايا والآراء الفلسفية الداعية إلى الحياة السلبية، وقد أيقن في قرارة وجوده الفلسفي أن الإنسان العظيم هو الذي يبدع القيم والاعتبارات ويخلع على الحياة لون تفكيره.

وعندما وصل نيتشة إلى المرحلة الإيجابية من حياته تنكر للصديق والأستاذ تنكراً شريفاً من أجل رسالته الفلسفية، فاحتفظ بحبهما ولكنه حاربهما في أقدس ما آمنا به من آراء ومعتقدات في قيمة الفن ومعنى الحياة.

ولذلك تعتبر خصومة نيتشة لشوبنهور وفجنر مفتاح شخصيته الحقيقية؛ إذ هي المرحلة التي ابتدأ بعدها يخاطب الحياة كفيلسوف لأن هذه الخصومة لأن هذه الخصومة كانت الأساس الذي بنى عليه أخطر آرائه في القيم والأوضاع والفن. وقد اعتبر نيتشة أن مرحلة الإخلاص للأستاذ والصديق كانت مرحلة نوم عميق وتخدير لطلبات الحياة فبدا كالهادم العابث الذي زال من صدره عامل الرحمة والإشفاق حين راح يحطم أسوار الشرائع أبراج الأخلاق.

يقول نيتشة: (يجب على طالب الحقيقة ألا يحفل بما تجنيه عليه جهوده من انتصار أو اندحار فهذا من شأن الحقيقة، إذ عليه أن يكون خصماً قاسياً لما آمن به من آراء وحقائق؛ فإذا صادفه من الآراء ما يناقض الحقائق التي قال بها فعليه أن يأخذ بها دون تردد) - وهكذا كان رأي نيتشة في كل شيء فهو مخلص للحقيقة حتى ولو كانت ضد آرائه التي قال بها.

يقول نيتشة عن صداقته لفجنر وعن اتجاهه الفلسفي: (كنا صديقين غريبين. . . كلاهما له غايته وله سبيله. . . قد نتلاقى ونرفع أعلام اللقاء كما فعلنا. . . ولكن الضرورة التي لا تدفع قد تقذف بمركبينا قذفة جديدة نحو بحار مختلفة وأنواء متباينة. قد نتراءى ولكن لا نتلاقى. . . كم لوحتنا الشمس والأمواج!! نظل غريبين لأن الشريعة الغالبة تريد ذلك، ولكن صداقتنا تبقى شيئاً قدسياً. . . وهكذا نريد أن نؤمن بصداقتنا في النجوم؛ حتى في العهد الذي يجب أن نكون فيه خصمين على الأرض).

إن هذا وحده يكفي للاستدلال على أن نيتشة يحترم عزيز الذكريات في نفسه لصداقته للفنان؛ ويجحد بعنف رسالة فجنر الفنية لأنها لا تمثل حقيقة الحياة، وفي ذلك اعتراف ضمني على أنه لم يأخذ من فجنر شيئاً ولم يتأثر به. وقد رأينا فيما مر بنا من الأدلة شيئاً من الجزم والوضوح يكفي لهدم ما يدعيه الأستاذ (الخميسي) من أنه (فتق أكمام عبقرية نيتشة):

فما كان لهذا المفكر الجبار أن يتأثر أو يستمد وجوده الفلسفي من أي إنسان مهما تكن مكانته في الحياة الفنية؛ وهو الذي قال في (زرادشت) لرفاقه وأنصاره: (ماذا بهم (زارا) من جميع المؤمنين به؛ إذ عليكم أن تجحدوني لتجدوا أنفسكم).

إبراهيم السيد السروجي

هل من المستحسن استعمال الحروف المنفصلة كتابة وطباعة؟

إن الكتابة بالأحرف منفصلة لا تكون أمراً محدثاً أو شيئاً جديداً فيما إذا جرى عليها الخط العربي؛ إذ لو نظر القارئ الكريم إلى تاريخ الأبجدية العربية لعلم أن هذه الطريقة قد سار عليها الخط العربي في أول نشأته سواء في بلاد اليمن ذات الحضارة القديمة أو في عهد مملكتي: لخم وغسان. كما أنه سارت عليها جل الأبجديات السامية كالفينيقية والآرامية والمسند والسريانية والعبرية والتدمرية وغيرها. ولا زالت بعض هذه الخطوط مستعملة إلى وقتنا الحاضر وعلى نفس الطريقة المذكورة كالأمهرية في الحبشة وغيرها.

وأنا لا أرى بقولي هذا إلى نبذ الطريقة المعتادة (المتصلة الحروف) كلا. . بل مرماي الوحيد استعمال كلتا الطريقتين معاً على حسب ما يقتضيه المقام والذوق والفن.

إن في استعمال الطريقة المشار إليها قد لا تحل من أمور لها أثرها الحسن بل ربما كانت خطوة طيبة في مضمار الخط العربي ومجاراة للتجدد النافع. ومن الأوفق الآن أن اعرض على القارئ الكريم بعض النقط التي قد نستفيدها فيما إذا اتبعت هذه الطريقة في بعض الحالات فأقول:

أولا: يسهل في هذه الطريقة تعليم الأبجدية قراءة وكتابة، وذلك لعدم لزوم تنويع الحرف كتابة في أول الأمر.

ثانياً: سهولة التصفيف بها في الطباعة مع اختصار الوقت والعمل.

ثالثاً: سهولة ضبط الكلمات المطبوعة بها.

رابعاً: بساطة تجسيمها للأطفال (بالورق المقوى) ونحوه مع الحركات وقدرتهم بعد ذلك على تركيب مختلف الكلمات وقراءتها.

خامساً: وضوح الكلمات المكتوبة أو المطبوعة بها، وذلك لبروز وضعها وظهور شكلها ولو مع صغر حجمها.

سادساً: السلامة من الالتباس والغموض والتعقيد في الكلمات المرسومة بها. والتي طالما تعتري بعض الكلمات في الطريقة المعتادة لاندماج حروف هذه الكلمات وتركيبها مع عدم ظهور شكلها ولا سيما في الكتابة الخطية.

سابعاً: عدم إيجاد أي صعوبة في تركيب هذه الطريقة، إذ لا يغرب عن القارئ الكريم أنه ما فتئت هذه الطريقة متبعة في بعض الكلمات في الطريقة الحالية، وذلك فيما إذا كانت الكلمة مركبة من بعض الحروف الستة الآتية: اود ذ ر ز، أو مع حرف متطرف كما في الكلمات: رزق، زرع، أدب، روض، دروس، إدراك الخ. وهذا مما يجعل تطبيق هذه الطريقة طبيعياً.

وقد رأيت من الجميل أن ألفت القارئ إلى أهم الحالات أو المواطن التي يجب أن تتبع فيها الطريقة المذكورة إتماماً للفائدة

كتابة عناوين الكتب والنشرات والمواضيع إذا أريد بروزها.

في رسم أسماء الأعلام المختلفة والكلمات المتشابهة كتابة والمتباينة نطقاً كما في كلمات الدَّرَّة والدِّرَّة والذَّرَّة والذُّرَّة والحِلْم والحُلُم وغيرها، والمراد وضوح شكلها وضبطها.

في كتابة جذور مواد المعاجم ومشتقاتها لإبراز وضعها بالنسبة لشرح المادة ولتنسيق ضبطها بالحركات والسكون.

في كتابة أنواع اللوائح (اللافتات) ونحوها.

في كتابة أو طبع مختلف الإعلانات أو بعض فقراتها طلباً لما يقتضيه الذوق أو الحاجة.

في كتابة الأسماء أو العناوين الشخصية إذا لزم توضيحها.

في سبك الأختام وما شابهها.

في كتابة أو طبع الفقرة أو الفقرات المراد إبرازها للقارئ في صفحات الكتب أو أعمدة الجرائد والرسائل ونحوها.

هذا ما رأيت إثباته على صفحات (الرسالة) الغراء إذ ربما يكون في الأمر ما يلفت القارئ الكريم، آملا أن يجد فيه ذوو الشأن وأرباب المطابع ما يرتاح له ذوقهم ويلائم الواقع والله وحده ولي التوفيق.

(طرابلس المغرب) عيسى سالم لأسود