مجلة الرسالة/العدد 822/الكتب
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 822 الكتب [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 04 - 04 - 1949 |
على هامش كتابين:
1 - مع الناس
تأليف الأستاذ محمد علي الحوماني
الأستاذ الحوماني أديب لبناني جمع إلى أدبه الفياض وشعره الرصين وحديثه الطلي، سرعة الخاطر ودقة التعبير وسلامة الأسلوب، وهو عربي يعتز بعروبته ووطنيته. بدأ حياته مجاهداً ضد الاستعمار الفرنسي - وهو ما يزال في مقتبل العمر وفي فجر الحياة، غض الإهاب لين العود - فأحيل إلى المجلس التأديبي، ولكنه لم يستخذ ولم يستسلم، ففر إلى شرق الأردن حيث أخرج ديوان الحوماني (سنة 1926)، وديوان نقد السائس والمسوس (سنة 1928).
ومنذ ذلك الحين اضطربت به نوازع الحياة ودوافع السياسة، فأخذ يتنقل بين وطنه (الشرق العربي كله) وبين المهجرين الأمريكي والأفريقي. وكان في كل بلد يصل حبله بقادة الرأي وزعماء السياسة وأهل الفكر يبادلهم الحديث ويناقشهم الخاطرة، وتفجر الحديث - في هذه المجالس - فنوناً، وتفتق عن أبحاث قيمة ناضجة في الأدب والعالم السياسة والاجتماع والفن. فهو - من ناحية - يتحدث عن الموسيقى حديثاً عبقرياً فيقول: (الموسيقى هي واحد من هذه الأشياء التي لا تستطيع التعبير عنها بأكثر من أنها لغة تخاطب الروح مباشرة دون ما رمز من إشارة أو تصوير. أما الموسيقى، الموسيقى العبقرية، فإن الروح تتناولها من يد العازف على رنة الوتر دون ما جهد أو إعنات، وتعليل هذه الهزة الروحية التي يتأثر بها السامع وهو يصغي إلى توقيع الفنان يكاد يعجز بيان الفكر الحاذق). وهو - من ناحية أخرى - يتحدث عن الدين: (فالعروبة في أي زمن تستهدف للزوال إذا لم يعضدها الدين. . .).
هذه المجالس، وهذه الأحاديث، عمل صحفي جليل لا عجب إن قام به المؤلف، وهو صاحب مجلة (العروبة) اللبنانية. ولقد ضمنها كتاب (مع الناس)، وهو كتاب فيه ألف فكرة لألف رجل، وللمؤلف فكرة واحدة هي إيمانه بقول سيد العرب (ص): (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). وهو دائرة معارف عربية يستطيع المرء أن يرى من خلالها العقل العربي وهو يضطرم في الشرق والغرب معاً، وأن يعيش حيناً بين أهل الرأي وسادة الفكر من العرب يحس نبضات قلوبهم وخلجات أفكارهم ونوازع أنفسهم، فيلمس - من قريب - آراءهم وخواطرهم، ويشرف على آمالهم وأمانيهم.
وإن القارئ ليجد خواطر المؤلف منبثة بين أضعاف الكتاب في سطور متناثرة هنا وهنالك، يستطيع الأديب المدقق أن يضم أشتاتها بعضاً إلى بعض لتصبح مبدأ يقول بأن الأمة توشك أن تنهار إن هي لم تتمسك جهدها بثلاثة أشياء متساندة مترابطة هي: اللغة والأخلاق والدين. فهو يوقن بأن (اللغة قبل كل شيء، لأنها العنصر الذي يقوم به أمجاد الأمة، فعلينا أن نعلم الولد كرامة أمته ومجدها في الكلمات العربية ليقرأها ويشعر أنه يشرف على مجده وعزته القومية من خلال الحروف والكلمات). وهو يؤمن بأن (الثورة التي تقوم في العالم على أساس الأخلاق، إنما تمهد للإنسانية فتنمو وتصعد إلى مستوى الملكوت. أما الثورة من أجل السياسة، أو العصبية للعنصر أو الوطن، فإنما هي مدعاة للتناحر لا تنفك تفتك في البشرية حتى تصب بها إلى العهد الذي نحن فيه: علم يصعد إلى السماء لينحل قنابل تتفجر أو مدافع تدمر فتعود بنا إلى دور الوحشية الذي تمسنا الحاجة فيه إلى أمثال موسى وعيسى ومحمد. . .) وهو يعتقد بأن (التعصب للدين ليس عقبة تصدم الإنسان في نهوضه إلى الحياة الحرة كما يتوهم من لا يفقه الدين، فإنا نرى اليهود في العالم كله يتعصبون لدينهم، ونراهم محسودين من جميع العالم، والعالم مسخر لهم، وهم بضعة عشر مليوناً. فلو تعصب المسلمون لدينهم تعصب اليهود - ودينهم مدني فوق كل دين - لكانوا المثل الأعلى على هذه الأرض. . .)
وهكذا يرى المؤلف أن اللغة والأخلاق والدين هي العمد الثابتة المتينة التي يجب أن تكون أساساً لرقي الأمة وسموها. . . وحبذا لو أخذنا بهذا الرأي، حبذا. . .
وإن الكاتب ليحس صعوبة شديدة في الكتابة عن هذا السفر لما فيه من آراء متفرقة وأبحاث متشعبة، بقدر ما يلمس القارئ في قراءته من لذة ومتعة. وإني لا أجد ما اقدم به هذا الكتاب إلى قراء العربية سوى أن أقول: إنه دائرة معارف تسمو بقيمتها وروائها.
2 - اصطلاحات عربية لفن التصوير تأليف الدكتور بشر فارس
هذا (مبحث ألقي في المجمع العلمي المصري في جلسة علنية في السابع عشر من شهر مايو سنة 1948). وهو معجم يحتوي على اصطلاحات فرنسية في فن التصوير عدتها تسعة وثلاثون ومائة جمعها الدكتور بشر ورتبها على حروف المعجم الإفرنجي وترجمها هو، فصارت مرجعاً فيماً للباحث والكاتب والقارئ، ثم أخذ يوضح مدلولات الألفاظ العربية المقابلة للتعبير الفرنسي (وقصر الكلام هنا على الكلمات التي هي من ثمرة بحثه وعدتها خمس ومائة).
وخشي المؤلف أن يعثر المطلع في معجمه على لفظة خشنة، أو اصطلاح جاف، فاستدرك يقول: (وتراني في أثناء النقل أتقرب ما استطعت من اللغة الجارية عندنا لهذا الزمن، متلفتاً إليها، أو مستشهداً، خشية أن تتسع الفجوة بين الذوق السائد واللفظ المستنبط فيموت وليداً).
ولقد كتب الدكتور بشر تصديراً لهذا البحث جاء فيه: (على أن أحداً لا يشك في أن لغتنا الكريمة وإن زخرت بالألفاظ وعلت بالتعبيرات لتقصر اليوم عن الأداء الإفرنجي في صنوف الفنون والصناعات. وكأني بك ترى اضطراباً واختلافاً في أكثر ما يقع عليه بصرك. لذلك بدا لي أن أهيأ طائفة من الاصطلاحات الدائرة في باب التصوير وما يجري مجراه، عسى أن تستقيم أداة التأليف، وتندفع آلة النقل. . .).
هذا هو رأي الدكتور في اللغة العربية، فهو يراها قاصرة عن الأداء الإفرنجي في صنوف الفنون والصناعات. وأنا لا أوافقه في ما ذهب إليه، فإن لغتنا الكريمة لم تضق يوماً بعلوم اليونان حين بدأت النهضة العلمية الإسلامية، وحين ازدادت نشاطاً وقوة في العصر العباسي، فراح العرب - إذ ذاك - ينقلون علوم الفلسفة والطب والفلك والرياضيات، فنقلوا - في سنوات - مئات من أمهات الكتب في الفنون المختلفة. ولم تعجز عن أن تقتحم باب العلوم الرياضية حين نقل (محمد بن موسى الخوارزمي) أرقام الحساب عن الهنود وأدخلها في العربية، وحين وضع (الصفر الحسابي) فحل بذلك أكبر معضلة رياضية في العالم، وحين وضع جداول اللوغارتيمات وهي ما تزال تحمل اسمه حتى اليوم فهو يعرف عند الفرنجة باسم ولم تقصر عن أبحاث الميكانيكا والإيدروستاتسكا بين يدي (أبي الريحان البيروني) حين وضع كتابه (الآثار الباقية). ولم تضعف أمام أبحاث (الحسن بن الهيثم) في الضغط الجوي - وهو قد سبق في ذلك البحث تورشيللي بخمسة قرون أو أكثر - ولا في البصريات. وإن أبحاث ابن الهيثم التي استغرقت نيفاً وستين كتاباً كلها في العلوم التعليمية (الطبيعية) ما تزال مرجعاً يهتدي بنوره علماء الغرب للآن.
هذه اللغة التي وسعت كل هذه الأبحاث، وهي أسس النهضة العلمية في أوربا، ووسعت غيرها مما يضيق عن سرده هذا المقام، لا أخالها تقصر عن الأداء الإفرنجي في صنوف والصناعات.
على أنني ما زلت أعجب أن يقول الدكتور بشر بذلك وهو نفسه قد استعان باللغة العربية - في معجمه - في التعبير عن الألفاظ اللاتينية المقابلة. ولو أنها عجزت عن هذا الأداء لما أمدته بهذه المصطلحات.
ومهما يكن من خلاف بين رأي المؤلف ورأيي فإنه لا يسعني إلا لأن أعترف بأنه قد بذل جهداً عظيماً مشكوراً في تصنيف هذا المعجم.
كامل محمود حبيب