الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 820/موكب الأبطال

مجلة الرسالة/العدد 820/موكب الأبطال

بتاريخ: 21 - 03 - 1949


للأستاذ علي محمود طه

(هذا هو النص الكامل لقصيدة الأستاذ الشاعر التي يحي فيها

أبطال الفلوجة بعد أن استلهم موكبهم الظافر بعض المعاني

والخواطر)

أقدم فداك حديدها ولهيبها ... واغنم مجادتها فأنت ربيبها

مجدُ الفتوح الغرِّ أنت وريثه ... والحربُ أنت على المدى موهوبها

ما الحرب إلا ما شرعتَ، وما رأت ... أممٌ تذود عن الحقوق شعوبها

نادت فهبَّ على الدماء ضريحها ... يمشي، ويقتحم السعير خضيبها

شرفُ المحارب أن يعف سلاُحه ... إن جارت الهيجاء وهو حريبها

ليجبر شعباً أو يحرر أمةً ... لا تستباح ولا يضام نجيبها

النصرُ أن نلقى الطغاةَ بضربة ... شعواء لم يُصبِ الطغاةَ ضريبها

فخذ العدو المستخفُّ بطعنةٍ ... إن لم تمته، غدا تمِتْهُ ندوبها

والمجد أن تحمي وراءك قريةُ ... ضاعت مسالكها وضاق رحيبها

جُن الحديدُ بأرضها وسمائها ... فجرى وطار، تصيبه ويُصيبها

شدت يدُ الفولاذ حول نطاقها ... حلقا تصيح النارُ: كيف أذيبها؟!

بالروح والإيمان أنت قهرتها ... بأساً، فلان على يديك صليبها

حتى إذا أعيا العدوَّ جلادُها ... ووهتْ جحافله وطاش وثوبها

عضتْ على كّفيه، والتّفت على ... ساقيه، وانسدت عليه دروبها

ومشت له منها ضراغمُ غابة ... كلُّ الردى أخلابها ونيوبها

قذفت به عنها، وعودر جيشه ... بَدداً تعقَّبُه الحتوف وحُوبها

جثثاً تعاف البيدُ شربَ دمائها ... ويعفُّ كاسرها ويأنف ذيبها

شرفاً كماةَ النيل أيُّ بطول ... راع الكماةَ فنونها وضروبها

مواقف لكمو تُشيد بذكرها ... دولٌ وراء النار قام رقيبه وملاحمُ الأبطال في (فلوجة) ... قصص الكفاح غريبها وعجيبها

(هومير) ما غنى بها (طروادة) ... ومكثلها ما ألهمتهُ حروبها!

ضربوا الحصارَ على الكماةِ فجاءهم ... فطن الشجاعةِ في الحروب أريبها

متمرِّسٌ بطباعها متفرِّسٌ ... في روعها، يَقظ الخطى مرهوبها

فادِ أحمُّ كأنما إحترقت به ... حربٌ من الميلاد كان نشوبها

فمْا وشبَّ، عليه من يحمومها ... أدّمٌ زَهاهُ من السِّماتِ مهيبها

طلعت به إفريقيا وتطلّعتْ ... آجاُمها وجبالها وسهوبها

يزري بما نصب الدُّهاةُ لصيده ... ويضلُّ أشراكَ الردى ويخيبها

ما زال مصطرعاً يصول ودونه ... بيداء يغشاها اللظى ويجوبها

ساق الطغاةُ لها فرائسَ فتنة ... حمراء ينفخ في الجحيم ربوبها

عرضت مآثمها بهم وتقدَّمت ... أمم تمور على الرمال ذنوبُها

حتى رأته كوي السماء ففتحتْ ... وتلألأت بسنى السلام ثقوبها

ومشى الكميُّ أشنَّ بين رجاله ... أبطال حرب لا يقر سليبها

لن تُستذلَّ ثرىً عليه دماؤهم ... سالتْ. لقد روَّى الحياة صبيبها

يا أيها الأبطالُ مصرُ إليكمو ... بالغاز يَستبقُ الشبيبةَ شِيبها

وعقائلٌ خلف الخدور هوائفٌ ... كالطير أذَّنَ بالصباح هبوبُها

ينثرن بالريحان فوق رؤوسكم ... طاقات ورد ليس يذهب طيبها

وهفت غمائمُ في السماءِ تُظلّكم ... ويرفُّ مُصعُدِها لكم ومصيبها

وعلى طريق المجد من (فلوجة) ... مُهجٌ حوائم، في التراب وجيها

شهداؤكم ودُّوا هناك لو أنهم ... قدموا بألوية يروع خضيبها

طلعوا بنور الفجر فوق مآذن ... تدعو، ورحمنُ السماءِ يجيبها

هاتوا حديث الحرب كيف تطامنتْ ... لكمو مفازُعما وهان عصيبها

في قرية محصورة كسفينة ... في لجةٍ هاجت وماج غضوبها

لم تدرِ فيها الريحُ أين قرارها ... والشمس أين شروقُها وغروبها

كم حدَّثوا عنها وقالوا في غدٍ ... للقاع تهوى أو يحينُ رسوبها وبمصر والدنيا عيونُ أحبةٍ ... ألسهدُ والألم الممضُّ حبيبها

ترعى النهار، وتتقي غسق الدَّجى ... هذا يُطمئنها وذاك يريبها

إيه حُماةَ الشرق كم بجهادكم ... تشدو العصورُ بعيدعها وقريبها

هذي ضفافُ وهذه داراتكم ... دارتُ شمس لا يحول شيوبها

ترنو لكم وتكاد من أشواقها ... تمشي! وكيف حراكها ودبيبها؟

لم لا أغنيكم قوافيَّ التي ... غنى بملحمة الحياة طروبها

هي من روائعكم ووحي جديدها ... منكم، ومنى في البيان رنينها

بالله إن طُفتم بساحةِ عاهلٍ ... ترعاهُ مصرُ عيونُها وقلوبها

فتقدَّموا تحت اللواء وقرِّبوا ... هذه السيوف الداميات غروبها

أحيت له ولمصر أيَّ مجادة ... هي زُغرُهُ المأثورُ وهو وهوبها

هيهات تُنبتُ تربةٌ غيرَ العلى ... ما دام يُسقى بالدماءِ خصيبها

علي محمود طه