الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 817/القبائل والقراءات

مجلة الرسالة/العدد 817/القبائل والقراءات

بتاريخ: 28 - 02 - 1949


للأستاذ عبد الستار أحمد فراج

- 6 -

قيس وأسد وهذيل وكنانة:

أتيت في المقالات السابقة على ما كان لتميم من اختلاف مع القبائل الأخرى مشيراً إلى ما شاركها فيه غيرها من قيس وأسد وبعض قبائل نجد، وذلك مما كان له أثر في القراءات واللغة وقواعدها. والواقع أن لنا سبق هو الكثرة الواضحة أما خلافات القبائل الأخرى فقليلة، وسأعرض لها تكملة للبحث وإتماماً للموضوع.

وقد راعيت أن أقدم فكرة عن موطن كل قبيلة أو بطن حتى يسهل على الباحث تتبع القبيلة والعوامل التي أثرت فيها، وكيف اشتركت مع غيرها في خصائص لغوية كان سببها الجوار وأذكر مع ذلك أن هذه الأبحاث والتوفيق بينها وجمعها في وحدة مرتبطة مما لم يسبق إليه إنسان ولا وجدت أحداً أعطاها حقها من العناية والاستقصاء ويرجع هذا إلى عسر الحصول على مكوناتها وعناصرها فإذا وجدت لهجات لقبيلة مبعثرة في كتب الأدب واللغة والنحو فلا تذكر لك ارتباطها بالقراءات. وإذا أتيحت نسبتها في كتب القراءات والتفسير، فلا تمر إلا عرضاً مبتورة ينقصها الترتيب. وفوق هذا فإن مساكن القبائل ومواطنها وديانتها لا يجمعها كتاب واحد من كتب الأدب والتاريخ. وذكر ديانات العرب وأصنامهم ومن كان يعبدها يسهل معرفة القبائل المتجاورة أما ذكر شخصياتها فمن باب التعريف بمن كان له من هذه القبائل نصيب من الشهرة والذيوع. ولعل في هذا كله بياناً لمن يحسب لأول وهلة أنه زيادة أو خروج عن الموضوع.

قبيلة قيس:

تجمع هذه القبلية عدداً كبيراً من القبائل والبطون ونسبها هو قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وقد أصبح كثير من بطونها في عداد القبائل لكثرة ما شملته من أفراد فمن فروع قيس:

1 - غطفان: ومنها عبس وذبيان، ومن ذبيان فزارة الذين وقعت بينهم وبين عبس ح كثيرة بسبب الفرسين: داحس والغبراء. ومن ذبيان أيضاً بنو مرة، ومنهم الحارث بن ظالم المرى، أحد فتاك العرب المشهورين والذي يضرب به المثل فيقال أمنع من الحارث وقد كان السبب في بعض المعارك العربية التي تسمى أيام العرب.

ومن بني عبس عنترة الفارس الشاعر. ومن ذبيان النابغة الذبياني الشاعر. ومن غطفان أيضاً بنو أشجع. وكانت منازل غطفان بنجد مما يلي وادي القرى وجبلى طيء أجا وسلمي إلا أشجع فقد كانت منازلهم حوالي المدينة. وقد اتخذت غطفان لها بيتاً للعبادة أرادوا أن يجعلوه حرماً مثل مكة لا يقتل صيده ولا يهاج عائذه، واسم هذا البيت (بس) ووضعوا حجرين متباعدين وقالوا إنهما الصفا والمروة، واجتزءوا بذلك عن الحج إلى بيت الله الحرام، فأغار عليهم زهير بن جناب الكلبي فهدمه وعطل حرمهم وذلك في الجاهلية. وقد تفرقت غطفان في الفتوح الإسلامية.

2 - بنو سليم بن منصور، وكانت بلادهم في عالية تجد قريباً من خيبر.

وكان بعض بني سليم سدنة (للعزي) وفي عام الفتح بعث الرسول سيدنا خالد بن الوليد فأحرقها وقال:

يا (عز) كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك

ومن سليم الخنساء الشاعرة ونصر بن حجاج الذي كان بارع الجمال، فسمع سيدنا عمر بن الخطاب امرأة تنشد:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نصر بن حجاج

فنفاه بعيداً عن المدينة وقال لا يساكنني رجل تتشبب به النساء.

3 - غني وهم بنو غني بن أعصر بن سعد بن قيس، وباهلة وهم بني معن بن أعصر نسبوا إلى أمهم باهلة. وكانت غني وباهلة يعبدون (العزي) ومساكن غني وباهلة متجاورة في نجد شرقي الطائف، وبعض بني باهلة كانوا يسكنون إلى الجنوب الشرقي في الطريق بين مكة واليمن في موضع يسمى تبالة حيث كانوا سدنة لضم اسمه (ذي الخلصة) وكانت تعظمه أيضاً وتهدي له خثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن ويحكى أن رجلا من العرب - وينسب ذلك إلى امرئ القيس - قد قتل أبوه فأراد الطلب بثأره فأتى ذا الخلصة فأستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم ينهاه عن ذلك فقال: لو كنت يا ذا الخلص الموتورا ... مثلي، وكان شيخك المقبورا

لم تنه عن قتل العداة زورا

ومن باهلة الأصمعي الرواية المشهور.

4 - بنو عدوان وفهم أبناء عمرو بنم قيس وكانت منازل عدوان الطائف ثم غلبتهم عليها ثقيف فخرجوا إلى تهامة، ومن عدوان عامر بن الظرب العدواني حكيم العرب، ومن حكمه:

من جمع بين الحق والباطل لم يجتمعا له وكان الباطل أولى به. للكثرة الرعب، وللصبر الغلبة. رب أكلة تمنع أكلات.

ومنهم ذو الإصبع العدواني، ومن شعره العذب:

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني، ولا أنت دياني فتخزوني

إني لعمرك ما بابي بذي غلق ... عن الضيوف ولا خيري بمنون

ولا لساني على الأدنى بمنطلق ... بالفاحشات، ولا أغضي على الهون

ماذا علي وإن كنتم ذوي رحمي ... أن لا أحبكمو إن لم تحبوني

كل امرئ صائر يوماً لشيمته ... وإن تخلق أخلاقاً إلى حين

وكانت منازل فهم بنجد ومن فهم الشاعر المشهور الأعشى وتأبط شراً أحد الفتاك والعدائين المشهورين.

5 - هوازن: وكانت ديارهم بنجد والعالية شرقي المدينة ومكة إلى الطائف. ولهوازن فروع كثيرة منها ثقيف الذين كانوا بالطائف وما حولها، ومن ثقيف الحارث بن كلدة طبيب العرب، وأمية بن أبي الصلت الشاعر، والحجاج بن يوسف الثقفي.

وكانت ثقيف تخص (اللات) بالزيارة والهدية وسدنتها من ثقيف وكانوا قد بنوا عليها بناء، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها، فلم تزل كذلك حتى أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله (ص) المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها، وفي ذلك يقول شداد بن عارض الجشمي حين هدمت وحرقت وينهي ثقيفاً عن العود إليها والغضب لها:

لا تنصروا اللات إن الله مهلكها ... وكيف نصركمو من ليس ينتصر

إن التي حرقت بالنار فاشتعلت ... ولم تقاتل لدى أحجارها، هدر إن الرسول متى ينزل بساحتكم ... يظعن، وليس بها من أهلها بشر

وكان لهوازن أيضاً صنم أسمه (جهار).

ومن هوازن سعد بن بكر الذين استرضع فيهم ر رسول الله (ص)، وكانوا بنجد شرقي مكة، وهم الذين عناهم رسول الله (ص) حينما أمال في قراءته (يحيى) وسئل في ذلك: هذه للغة الأخوال بني سعد.

ومن هوازن بنو عامر بن صعصعة الذين منهم بنو نمير وبنو كلاب وبنو كعب، وأولئك هم الذين عناهم جرير بقوله يهجو الراعي النميري الشاعر:

فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلاباً

ومن كعب بنو عقيل رهط توبة بن الحمير وليلى الأخيلة الشاعرين العاشقين.

ومن بني عامر أيضاً بنو هلال منهم أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث زوج النبي (ص)، ومنهم بنو جشم الذين منهم دريد بن الصمة صاحبالبيت المشهور المتمثل به:

نصحت لهم نصحي بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

وكانت مساكن نمير بنجد ثم انتقلوا في الإسلام إلى العراق شمالا. وكانت كلاب وكعب بلادهم بنجد مما يلي تهامة، وكانت كلاب أقرب إلى المدينة في حمى ضرية والربذة وفدك، ثم انتقل بنو كلاب في الإسلام شمالي الشام حول حلب. وكان بنو هلال في الجاهلية بنجد، ثم ساروا في الإسلام إلى مصر ثم إلى المغرب وكانت منازل جشم في السروات قريباً من قبيلة هذيل.

قبيلة هذيل:

هم أبناء هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. كانت ديارهم بالسروات وسراتهم متصلة بجبل غزوان بالطائف، وكانوا يعبدون من الأصنام (سواعاً) وسدنته منهم، وفي ذلك يقول رجل من العرب في القرشيين:

تراهم حول قبلتهم عكوفاً ... كما عكفت هذيل على سواع

وقد افترقت هذيل في الفتوح الإسلامية على المماليك. ومن هذيل أبو أبو ذؤيب الشاعر صاحب المرئية المشهورة التي مطلعها:

أمن المنون وريبه تتوجع ... والدهر ليس يمعتب من يفزع ومنهم سيدنا عبد الله بن مسعود الصحابي المشهور، ومن نسله المسعودي على بن الحسين المؤرخ.

قبيلة أسد:

هم أبناء أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكانت بأرض نحد مجاورين لقبيلة طيء من جهة وقبائل قيس وتميم من جهات أخرى وهم الذين قتلوا والد امرىء القيس وقصة ذلك وما جرى بسببها مشهورة. وقد تفرقت أسد في الفتوح الإسلامية. وكانلجديلة من طيء صنم - ولعله (الغلس) لأنه كان لطيء ومن يليها - أخذته منهم بنو أسد فتبدلوا بعده صنماً يسمى (اليعبوب) وفي ذلك يقول أحد الشعراء وهو عبيد ابن الأبرص:

فتبدلوا اليعبوب بعد آلهم ... صنماً فقروا يا جديل وأعذبوا

ومن بني أسد أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش التي تزوجها رسول اللهبعد طلاقها من زيد ابن حارثة ومنها عبيد بن الأرض والكميت بن زيد الشاعران وطليحة بن خويلد الذي كان كاهناً ثم أدعى النبوة بعد وفاة الرسول ثم عاد إلى الإسلام ومنهم زر بن حبيش الذي أخذ عنه كثير من القراء.

كنانة:

هم أبناء عبد مناة ومالك وملكان أبناء كنانة بن خزيمةبن مدركة بن إلياس بن مضر، وهم الذين يطلق عليهم كنانة حيث احتفظوا باسم أبيهم. أما أبناء النضر بن كنانة فهم الذين يطلق عليهم لقب قريش سواء كانوا قريش الظاهر أم قريش أم قريش البطاح، وهم سكان مكة وما حولها، فإذا نسبت لهجة أو لغة لكنانة لم تشترك فيها قريش.

ومساكن كنانة متفرقة، ولكنها لا تبعد عن مكة كثيراً جداً ومن كنانة شرقاً إلى الجنوب قريبين من القبائل اليمنية وهم بكر بن عبد مناة، ومنهم من كانوا غربي مكة إلى الشمال قريباً من البحر الأحمر، وكانت غفار من بكر بن عبد مناة تكاد تقرب من المدينة من غريمها.

وقد عبد جماعة من كنانة القمر، وتهود منهم جماعة ولعلهم الذين قاربوا أهل اليمن، وكان لبني مالك وملكان صنم اسمه (سعد) بساحل جدة، ومما يحكى أن رجلاً من ملكان أقبل بإبل له ليقفها عليه ابتغاء بركته فيما يزعم، فلما دنا منه ورأته وكان يهراق عليه الدماء تقرباً إليه، نفرت منه الإبل فذهبت في كل وجه فغضب صاحبها فتناول حجراً فرماه وقال: لا بارك اللًه فيك إلهاً أنفرت علي إبلي ثم خرج في طلبها حتى جمعها ثم انصرف يقول:

أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد

وهل سعد إلا صخرة بتنوفة ... من الأرض لا يدعو لغي ولا رشد

هذا ومن غفار من بني بكر بن عبد مناة أبو ذر الغفاري الصحابي المشهور، ومنها كذلك عزة محبوبة كثير، ومن الدئل من بني بكر بن عبد مناة أبو الأسود الدؤلي الذي ينسب إليه وضع النحو، وكذلك منها سارية بن زنيم صاحب القصة المشهورة في سيرة سيدنا عمر حيث قال له وهو بعيد عنه يا سارية ابن زنيم الجبل. . ومن بني مالك بن كنانة نسأة الشهور في الجاهلية وكذلك منهم ربيعة بن مكدوم أحد الفرسان في الجاهلية النابهين. . .

(للبحث بقية)

عبد الستار أحمد فراج

محرر بالمجمع اللغوي