مجلة الرسالة/العدد 814/الأدب والفن في أسبُوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 814 الأدب والفن في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 07 - 02 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
كتاب كريم:
عزيزي الأستاذ عباس خضر
تحية وبعد فقد قرأت ما علقتم به على كلمتي عن صديقي الكاتب الكبير الأستاذ الزيات بك ولم ألحظ هذا الأمر إلا عندما لفتتني إليه كلمتكم. وقد سألت في ذلك أحد الناشرين فاعتذر قائلاً إن الجملة سقطت من المطبعة أثناء الطبع. وأني آسف لهذا كل الأسف مستمسكاً بما قلت مؤكداً له غير منحرف عنه؛ فإن ما قلته هو ما كنت وما زلت أعتقده (إن من أراد الأسلوب العربي الرفيع السليم فعليه بما يكتبه أستاذنا الزيات)
وتقبلوا خالص تحياتي.
المخلص
إبراهيم دسوقي أباظة
25101949
هذا ما تفضل بكتابته إلي حضرة صاحب المعالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه باشا، رداً على ملاحظته في كتاب معاليه (وميض الأدب بين غيوم السياسة) أو ما بدا لي، من تغيير فيما جاء خاصاً بأستاذنا الزيات. وهو كتاب كريم من معالي الأستاذ الأديب، يدل على ما يتصف به أدب النفس إلى جانب أدب الدرس، وهو وإن كان من الومضات الأدبية النفسية التي تشع بين غيوم الساسة، إلا أن هذه الومضة تمتاز بالقوة، إذ استطاعت أن تنفذ من خلال سحب السياسة (الخارجية) الملبدة إلى حيث الأدب والفن، تستمد قوتها من نبل الشعور وصفاء الروح.
وكم يحلو لي - ولكل ما يحلو له - أن أتجاوز المنصب الكبير واللقب الرسمي، لأخاطب الأديب الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة، متوجهاً إليه بالثناء والشكر على إيثار مقتضيات الخلق الرفيع والتمسك بالحق، والاهتمام بإزالة ما يعلق به، بهذا الصنيع الجميل والأسلوب النقي المهذب.
وللأستاذ الأديب - أيضاً - خالص مودتي وتحياتي.
سؤال وجواب صريحان:
يقول الأستاذ (إبراهيم حسين خالد) المدرس بالمنصورة في رسالة كتبها إلى: (نحن خمسة ولنا ندوة متواضعة نجلس فيها كل ليلة نقرأ الرسالة وما تيسر لنا من كتب الأدب، واسمح لي أن أقول لك في صراحة من القول وجرأة من الحديث، لقد جال بخاطرنا سؤال طالما ناقشناه وقلبنا وجوه الرأي فيه ولكننا لم نظفر بالجواب المرضي والنتيجة المريحة، فهل لك يا سيدي أن تتكرم بمشاركتنا في هذا البحث وتدلنا على وجه الصواب فيه ولك من المولى حسن الجزاء؟ لماذا يا سيدي هجر الرسالة وهي كتاب الشرق وسفر الأدب العربي بعض قادة الفكر وأعلام البيان؟).
سأجيب عن هذا السؤال إجابة صريحة، وأبيح لنفسي أن أفضي بها رغم ما فيها من بعض (الداخليات) لأنها قضية يجب أن تثار ليعلم بها التاريخ الأدبي على الأقل.
ولعل بعض الجواب أو ما يمهد له هو ما أثاره في مجلة (الأديب) اللبنانية جماعة من أفاضل الأدباء منهم الأستاذ نقولا الحداد، والموضوع الذي كتبوا فيه هو (الأدب الرخيص) يعنون به ما تنشره أكثر المجلات المصرية، وقد ألقي الأستاذ يوسف غانم التبعة في كساد الأدب العالي على الأدباء الكبار فقال: (فكبار الكتاب كما لا يخفى يساهمون في تحرير هذه المجلات، فلا غرو إذا فسدت الأذواق، فالمتأدب الذي يلقن منذ الصغر أن طه حسين والعقاد والحكيم والمازني وغيرهم هم مشاعل النهضة الأدبية المعاصرة - يجد لنفسه العذر الكافي في متابعة هؤلاء الكتاب حيثما كتبوا وفي الاعتقاد أن المجلات التي يكتبون فيها هي من أرقى الصحف والمجلات. فما اجدر أدباءنا الكبار أن يقتصروا - في نشر إنتاجهم - على المجلات الأدبية الرفيعة فيروجون للأدب الرفيع الذي قامت شهرتهم على دعائمه)
انتهى كلام الأستاذ يوسف غانم في مجلة الأديب.
والمسألة أن تلك المجلات تغري أدباءنا بالأجور الكبيرة، التي تزيد على ما تستطيع المجلات الأدبية، لأن هذه لا تبلغ شأو تلك في الربح من سعة الانتشار، وهي لا تستطيع أن تتنازل عن مستواها الرفيع وتفرط في رسالتها الأدبية فتصطنع ما تصطنعه تلك المجلات من أدوات الانتشار.
وأدباؤنا الكبار قد أبطرتهم تلك الأجور، إذ أصروا في أنفسهم على أن تكون (تسعيرة) لهم. . . ويخيل إلي أنهم في محنة وأنهم يعانون صراعاً نفسياً بعض أسبابه أن يضطروا إلى الكتابة بجوار (المايوهات) وأن يضطروا إلى شيء من التنسيق بين ما يكتبون وبين الأذهان التي تتراقص فيها صور (المايوهات).
ومن أسباب ذلك الصراع الذي يخيل إلي، أنهم ذوو مثل فنية، تجذبهم من طرف، وتشدهم من ناحية أخرى رغبة في الترف.
على أن الرسالة من جانبها تحرص على أن تقدم جيلاً جديداً من الكتاب أو (وجوهاً جديدة) كما يعبر السينمائيون، وقد كان الأساتذة الكبار يوماً وجوهاً جديدة، وسيأتي بعد زماننا وجوه جديدة، ولن تجد لسنة الله تبديلا. والرسالة تحمد الله الذي يشد أزرها ويهب العافية لصاحبها ويبعث التجديد في حياتها ويبقي عليها قراءها، وإن كان منهم من يسأل - لسابق العهد - عن فلان وفلان
الباليه:
انتهى في هذا الأسبوع موسم فرقة (باليه دي مونت كالو) على مسرح الأوبرا، وحلت محلها الفرقة الإيطالية، التي ستعمل في الأوبرا شهراً ثم يختتم الموسم الأجنبي في الأوبرا بفرقة فرنسية.
ويقوم فن (الباليه) على التمثيل بالرقص بحيث تعبر حركات الجسم عن المعاني المختلفة وقد حفلت الصحف والمجلات بصور فتيات (الباليه) في أوضاع متباينة بعضها مسرحي، وبعضها في غرف (التواليت والماكياج) وبعضها في حفلات خاصة مرحة. . . فكانت هذه الصور مادة (طيبة) للصحافة المصرية التي أصبحت تتنافس في تقديم (مشهيات) للغرائز ولا تعدم ناقداً فنياً حصيفاً. . . يكتب إلى جانب هذه الصور فيقول إن هذا الرقص (الباليه) روحي بحت ولا يتصل بإثارة الغرائز بسبب من الأسباب!
وهذا الرقص (الروحي) يقوم به فتيات من أجمل فتيات أوربا يشترط ألا تتجاوز أعمارهن الثلاثين، ويرقصن باديات المحاسن عاريات السيقان والأفخاذ على الأقل، والمستور مجسم. . . ولا بأس على (الروحانية) من ذلك. . . فهن يمثلن البجع أو الحوريات الهواء، وعلى المتفرج أن يكون قوي التصور فيتخيل أن الراقصة بجعة أو شيء آخر غير أنها فتاة! والدليل على أن (راقصات) الباليه غارقات في (الصوفية) أن صحفنا ومجلاتنا تنشر صورهن التي توحي إلى القارئ كل معاني الروحانية السامية. . . وهل تنشر صحفنا ومجلاتنا غير ذلك؟!
وقد أبدى أحد نقادنا الحصفاء ارتياحه للإقبال على فن الباليه في مصر، وعد ذلك نجاحاً للذوق الفني المصري. . . طبعاً يا سيدي، ومن قال لك إن الذوق المصري يتجرد من الإحساس؟ ومن في العالم يستطيع أن يتذوق هذا الفن كالمصريين؟ الرجال رجال. . . والنساء ينظرن هذه البضاعة الجديدة ويتباهين بثمين الحلي والفراء، ومجلة كذا ستنشر صورة قرينة فلان أو ابنة علان، وهي ترتدي فراء فاخراً أو تتحلى بجوهرة فريدة ثم أليس هذا شيئاً من (بلاد بره)؟ ومتى يكون التظاهر بالمدنية والرقي إن فاتت فرصة (الباليه) في الأوبرا؟ ولا بأس ألا يفهم (المتمدن الراقي) شيئاً من تمثيل البجع أو الحوريات، ولا بأس أن تكون عينيه وفؤاده معلقتين بالأجسام التي تتلوى كالخيزران وعقله فارغاً مما يشغل العقول. . .
أليس كل ذلك أسباباً داعية إلى نجاح (الباليه) في مصر؟ وكل عام وانتم بخير.
ضريح سيدي مختار:
نشرت الصحف أن وزارة المعارف قررت بناء ضريح للمثال مختار، ورصدت لذلك ستة آلاف من الجنيهات، والوزارة طبعاً تقصد تخليد ذكرى المثال المصري. ولكن لم اختارت الضريح وسيلة لهذا التخليد؟ إن كان المقصود الجري على سنة الغربيين في دفن العظماء والأعلام ببنايات ضخمة تمجيداً وتقديراً لأعمالهم فإنهم هناك لا يخصون كل واحد بضريح وإنما يجمعونهم في مكان واحد. على أنه لا داعي لتقليد تلك البلاد في ذلك، وخاصة أننا لسنا مثلها في استكمال أسباب الحياة المستقرة من حيث التعليم وغيره، فأمامنا ضرورات لا ينبغي معها إنشاء الأضرحة، وأقرب شيء إلى ذلك حاجتنا إلى نشر التعليم ومحو الأمية. والوزارة تشكو من ضيق الميزانية بأعباء مشروعات التعليم، وهي تواجه أزمة في أبنية المدارس. فلا أشك في أن إنشاء مدرسة يطلق عليها اسم مختار أجدى من الضريح وأخلد لذكر صاحبه.
مؤتمر لغوي عام: عرض في الجلسة الأخيرة لمؤتمر المجمع اللغوي اقتراح اللجنة المؤلفة لوضع برنامج المؤتمر المقبل، إلقاء بحوث ومحاضرات عامة يعد لها من الآن، على أن يشترك فيها العلماء والمختصون في اللغة بمصر والأقطار العربية، ويلقي منها على الجمهور ما تختاره اللجنة التي تشرف على ذلك.
وقد أوضح الدكتور إبراهيم مدكور ذلك الاقتراح بقوله: درجنا في مؤتمراتنا على أن تكون أشبه بلجنة أو جلسة خاصة، وترمي فكرة الاقتراح إلى إشراك الجمهور في أعمالنا؛ إذ أنه توجد مشاكل كثيرة تتصل باللغة العربية ويسر أعضاء المجمع أن يسمعوا آراء غيرهم فيها، فتحدد الموضوعات ويعلن عنها، ثم يلقي في المؤتمر ما يقرر إلقاؤه منها.
وأيد الفكرة الدكتور أحمد زكي بك، فقال: إن المؤتمرات تتيح لكل ذي كفاية في الأمة أن يشترك فيها، وبذلك يخرج المجمع عن انطوائه على نفسه.
وشاطر الأستاذ الشبيبي الدكتور زكي رأيه قائلاً: إن المجمع في حاجة إلى دحض بعض الأقاويل التي تقال بشأنه، فقد لاحظت شيئاً من الاعتراضات على المجمع من حيث البطء في العمل والإنتاج وقد أنهى المجمع الدورة الخامسة عشر ولم ينجز إلى الآن لا المعجم الوسيط ولا المعجم الكبير ولا معجم المصطلحات على ما يقول المعترضون، ولا يقطع ألسنة المتخرصين غير السرعة في الإنتاج.
وهنا سأل الأستاذ زكي المهندس بك الأستاذ الشبيبي عن عمل المجمع العلمي العراقي وموقف الجمهور منه، فقال الشبيبي: لست بصدد المقارنة بين المجامع العلمية، ومع ذلك أقول إن المجمع العراقي لا يزيد عمره على سنة واحدة إلا قليلاً وقد استطاع في هذه المدة أن ينشئ مكتبة غنية بالمخطوطات النادرة، وتعد العدة لنشر هذه المخطوطات، كما تعد العدة لنشر مجلة خاصة بالمجمع، وبه مصلحة فنية مجهزة بأحدث الآلات للنسخ والتصوير.
ورأى الدكتور طه حسين بك الاكتفاء بأن تكون بعض جلسات المؤتمر علنية يلقي فيها بعض محاضرات يستمع إليها الجمهور.
وأخيراً تقرر إحالة الاقتراح إلى مجلس المجمع لمناقشته فيه.
عباس خضر