مجلة الرسالة/العدد 81/الشعر والعصور الأولى
→ بين المسرح والسينما | مجلة الرسالة - العدد 81 الشعر والعصور الأولى [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 21 - 01 - 1935 |
نشرت (المصور) التي تصدر في فينا دراية ممتعة في مؤرخ الأدب وناقده الألماني والترمشج جاء فيها عن الشعر باعتباره إرثاً للتقاليد ما يأتي:
(الفن هو تقاليد ورثناها منذ عهد لا يدخل في حدود الذاكرة، إذ لا شيء في الوجود يعرض أمامنا إلا وهو يعود بأصله إلى تلك الصور والنقوش التي رسمها ونقشها إنسان أفريقيا الوحشي صوراً لأجداده وصيده، ومن ثم اتخذها آلهة يؤدي إليها فريضة العبادة
وبرغم ما بين الماضي والحاضر من التباين البعيد، فان من المستحسن البحث في حقيقة ارتقاء الفنان بقدر ما نعنى تتبع الخطوات الأولى التي مرت على الإنسان في حداثته. والأمر كذلك في الشاعر، إذ هو صورة للعالم تعبر عنه في عصر ما، وتلك صفة هامة تسبق أهميتها الاصطلاحات التي يستعملها ليخرج في إطارها تلك الصورة
وعلى قاعدة هذه الحقيقة الهامة، سهلت اليوم دراسة تاريخ الأدب والفن. فالخالق الذي يرتبط بعملية الخلق ويفيد العالم على أساس هذه العملية يختلف عن حضري مثقف بأعماله العقلية التي يقدمها إلينا. إذ لا نستطيع أن نتفهمها حتى نعود به إلى ماضيه الذي لا يزال مستقراً في قرارته
هذا وقد رسم لنا فرويد ذلك الجسر الذي يصلنا بذلك العالم المشبع بتلك التقاليد والفكر، وهذا الجسر هو الأحلام الخيال موحى الشاعر
وما من شعر رصين إلا ان له صلة بذلك العالم الأول، صلة بذلك الخيال البعيد المغمور بالأحلام
والشعر لا يثير إعجابنا ودهشتنا إلا لأنه مبعث الفكر عميقة، لم يأت بعد إدراك حقيقة طبيعتها. وعودة الشعر إلى ذلك العالم المغمور هي السبب في أن الشاعر يُرى بين أهل وطنه غريباً، كما أن موقفه يختلف عن موقف رجل يمتهن حرفة التجارة، كذلك ليس في وسعه أن يختلط بأهل عصره ويسايرهم في أفكارهم، لأن ذلك يعد حياداً عن طريقه الذي يجب أن يسلكه بين أناس يحيطون به ولا يعرفون قدره حتى يبلغ رسالته