مجلة الرسالة/العدد 809/شفاء الروح
→ الإسلام دين القوة | مجلة الرسالة - العدد 809 شفاء الروح [[مؤلف:|]] |
الرأي العام في تعاليم الإسلام ← |
بتاريخ: 03 - 01 - 1949 |
لصاحب العزة محمود بك تيمور
أخي المؤمن:
قصارى ما يطمح إليه فؤادك أن تكون سعيدا، وإنك لتسعى جاهدا غير وان، باذلا كل مرتخص وغال لا قبلة لك إلا أن تحظى بتلك السعادة المنشودة.
ولكنك تظلم نفسك أن عددت السعادة فيما يتراءى لك من عروض الحياة، كالغنى والجاه. فهذه العروض التي يستعصي عليك منالها، والتي تحسب الخير أجمع فيها، ربما كانت هي باعثة الشقاء، ومدعاة العذاب.
وأنت فقد تجاهد وتجالد، حتى تبلغ مأربك من هذه العروض، وما هي إلا أن يتجلى لك ما خفي عنك، فتعرف بعد لأي انك كنت مخدوعا تظن السراب ماء، وان الغنى والجاه وما إليهما من مظاهر الحياة إنما هو زيف زائل وزخرف باطل.
ويوم تقف على القمة بعد أن صعدت في السلم الذي استهواك، ترى انك لم تظفر من جوهر السعادة بطائل، وان من حولك غيوم الحياة وظلماتها مطبقة عليك، وانك لم تنكشف عنك البأساء والضر. . .
ولو سمت نفسك إلى أن تستكنه سر ذلك، لعلمت على يقين أن المظهر قد غرك، فقفوت أثرهم، واسترسلت في طلبه، فلم تعن بالمخبر واللباب!
أخي المؤمن:
إن للسعادة لنبعا فياضا هو (الروح). . .
فمن تنكب عنه، لم يظفر برشفة منه، ولو أدلت إليه السماء بأسباب، ومن فطن له بلغ السعادة من أقرب باب!
ولا تبلغ الروح هذا المبلغ من إسعاد الإنسان إلا إذا توافر لها الصفاء والنقاء، فإذا هي تخف، وإذا هي تسمو إلا آفاق علوية ترفعت عن الشوائب والأدران
فهل لي أن أكاشفك بما اسميه (تجربة) أو (وصفة) تنيلك ما تريده لروحك من صفاء وتطهر، حتى تصل إلى شفاء النفس وتتوافر لك السعادة الحقة؟
لست أفجؤك بما يروعك سماعه، أو يعييك فهمه، أو يتعصى عليك إنفاذه. . .
إنها وسيلة بالغة الشيوع، قريبة التناول، بيد أن الناس قلما يلتفتون إلى سرها العظيم، أثرها الناجع، فهم لا يتخذونها على النحو الذي يحقق تلك الغاية العالية. . .
أخي المؤمن:
نصحي إليك أن تضع مصحفا فوق وسادك، لا تتخذه تميمة من التمائم، ولا تعويذة من التعاويذ. . . وإنما تتخذه نبعا فياضا تستقى منه لروحك صفاء، ولنفسك شفاء!
ليكن من دأبك في إصباحك ألا تقع عينك أول ما تقع إلا على هذا الكتاب الخالد، فرتل منه ما تيسر وأملا سمعك بتلك الآيات البينات، تمتعك بسحر البيان، وروعة الإيقاع، واترك حكمتها البالغة تسري في وليجة نفسك، فتضئ من جوانبها ما أظلم، وتجلو منها ما صدئ، فإنك لا تلبث أن تحس روحك قد انسكب عليها فيض يكفل لها الطهر، ويثير فيها الانتعاش. . .
أنعم بذلك بدءا نهارك الوضاح!
لتصبحن وقد شاع في أساريرك بشر، وامتلأت نفسك بالثقة، ولتقبلن على عملك نشطا في تيمن وانشراح
وليكن كذلك من دأبك في ليلك أن يكون ذلك المصحف آخر ما تقع عليه عينك قبل أن تسلم أجفانها للمنام، فرتل من أي القرآن ما وسعك أن ترتل، تطهيرا لنفسك مما علق بها من غبار يومك؛ ونم على وقع تلك الأهازيج القوية سابحا في أحلام طيبة كلها روح وريحان. . .
أعمل بتلك السنة لا تنحرف عنها يوما، وأتخذها لك منهجا وإماما، وانظر كيف تصير من حال إلى حال، وكيف يتكامل لك حظك من سعادة النفس ونعيم الروح. . .
ولا تنس هذا القرآن العظيم في غدو ولا رواح. فإن ألمت نازلة، أو حزب أمر، فاجعل من آيهِ لك مفزعا تستظل فيه من حر ما تجد، وإنك لشاعر من ساعتك بأن الغمة لا سلطان لها عليك وأن لك جلدا لا يهن، وعزيمة لا تخور. . .
أخي المؤمن:
مزية جليلة لك أن يكون ذلك الذخر الخالد من كلام الله تراثا دانيا منك، تلتمس فيه علاج نفسك، وصفاء روحك، وتمتلك به ناصية السعادة بمعناها الأسمى، ذلك لأن هذا القرآن الكريم ينأى بك عن مكاره الأرض، ليصل بينك وبين السماء!
محمود تيمور