مجلة الرسالة/العدد 809/الأندلس الثانية
→ ابن حزم الأندلسي | مجلة الرسالة - العدد 809 الأندلس الثانية [[مؤلف:|]] |
بيت المقدس ← |
بتاريخ: 03 - 01 - 1949 |
للأستاذ إبراهيم الوائلي
مواكب النصر ودنيا الظفر ... كيف تلاشى الأمل المنتظر
أيستنيم الشرق مستخذيا ... وفي زواياه يدب الخطر؟
بالأمس كنا نتحدى الورى ... لما زحفنا زحفة واحدة
فاصطبغت بالدم تلك الذرى ... نشهد أنا أمة خالدة
واليوم قد عادت بنا القهقرى ... سياسة موتورة حاقدة
بالأمس كنا ونشيد الكفاح ... أغنية نهفو لأسجاعها
قد رتلتها نبرات السلاح ... فاهتزت الدنيا لإيقاعها
واليوم من قد حصبتها الرياح ... عادت إلى تحقيق أطماعها
بالأمس كنا وصهيل الجياد ... ترن في الآفاق أصداؤه
وحلم (صهيون) بأرض المعاد ... طارت على الساحل أشلاؤه
واليوم عدنا وحديث الجهاد ... طيف وفي (الرملة) أنباؤه
أبعد أن دوّت على (الغوطتين) ... أيام غسان تناجي الهرم
وانتفض التأريخ في الرافدين ... يبعث فينا سيرة المعتصم
نعود من تلك (تخفى حنين) ... ولعنة التاريخ بين الأمم؟!
قالوا: أطل السيف من غمده ... وعاودت (مكة) قرآنها
وانطلق التاريخ من مهده ... يكتب للأمة عنوانها
فضاحك النيل ربى (نجده) ... وصافحت بغداد عمانها
ثم انثنينا بعد ذاك الظفر ... تخدعنا أحبولة الطامعين
وزمرة كنا فصرنا زمر ... تعبث فينا حيل الماكرين
فأين يا أمتنا المستقر ... إن نحن ضيعنا تراث السنين!
ما هكذا تبلغ آمالها=من جانبت خطتها الظافره
ففي غد تندب أوصالها ... وقد أطنّتها اليد الغادره
يا من مشت تحمل أثقالها ... ماذا وراء الخطوة الحائره إنا لنخشى بعد هذا النضال ... في شرقنا (أندلساً) ثانيه
ففي ذرى القدس وخلف الجبال ... قد رصدتنا الفئة الباغيه
وفي ربى (نجد) وحول (القنال) ... ما كان في (الشط) و (حبّانيه)
مواكب (اليرموك) عودي فذى ... أيامنا تستصرخ (ابن الوليد)
وجددي ذاك النضال الذي ... ريع به كل قوي عنيد
فليس غير السيف من منقذ ... يا راية الفتح اخفقي من جديد
حرب أردناها لنشر السلام ... في وطن قد مزقته النوب
فكان منا أن ملكنا الزمام ... حين تلاقينا وشب اللهب
فيا ربوعاً دب فيها الخصام ... تذكري بالأمس دنيا العرب
تذكري تأريخ وادي الفرات ... يوم تحدى صلف (الإنكليز)
فلم تخفه النار والطائرات ... حين مشى وهو قوي عزيز
ودجلة تهزأ بالماخرات ... وحلم (مود) ورؤى (همفريز)
وأذكري ما كان في (ميسلون) ... يوم أتت (باريس) في كبرياء
وخلفها الغرب الأثيم الخئون ... قد بثت الغدرة للأبرياء
فانتفضت (جلو) بعد السكون ... وسجلت تأريخها بالدماء
وإن نسيت النيل وهو الغضوب ... فاستعرضي أمواجه الثائره
ترى بلاداً ماثتها الحطوب ... عما تريد الأمة الساهره
من الشمال الحر حتى الجنوب ... لما تزل جبابرة قاهره
والمغرب الأقصى وأعلامُه ... و (الريف) تحميه الأسود الغضاب
قد روعت (باريس) أيامُه ... وجللت تأريخها بالضباب
وزلزل الغرب وأصنامه ... حين تقرتها أكف الشباب
فيا دماء طويت في الرغام ... تحية الشعر لزاكي الدم
ويا جراحاً نخرت في العظام ... سوف تمرين على بلسم
ويا حياة لفِّعت بالظلام ... لابد من فجر فلا تسأمي
إبراهيم الوائلي (القاهرة)