مجلة الرسالة/العدد 805/محمد إقبال
→ قائد الأسطول المصري في عهد صلاح الدين: | مجلة الرسالة - العدد 805 محمد إقبال [[مؤلف:|]] |
عيادة المطالعة ← |
بتاريخ: 06 - 12 - 1948 |
شاعر الشرق والإسلام
1389 - 18731357 - 1938
للأستاذ مسعود الندوي
(تتمة)
مكة وجنيف:
لقد عمت في هذا العصر مجالس الأمم
لكن الوحدة الإنسانية بقيت مختفية عن الأنظار،
والهدف الذي ترمي إليه حكمة الأفرنج، هو تفريق الأمم وغاية الإسلام إنما هي الوحدة الإنسانية.
فقد بعثت مكة إلى جنيف بهذه الرسالة:
ماذا تريدين: (عصبة الأمم) أم عصبة بني آدم؟
المرأة والتعليم:
إذا كانت الحضارة الغربية مهلكاً للأمومة.
ففي الرجال ليس ليا أثر غير الخسران والموت الخلقي؛
والعلم الذي يجعل المرأة مجردة من خصائص الأنوثة. ما أجدره أن يسمى بالسم النافع وما أقربه إلى دواء الموت منه إلى العلم النافع.
وإن كانت مدرسة النساء خالية من الدين، فلا يكون العلم والصناعة إلا موتاً للحب والوداد.
مسجد باريس:
كيف أنظر إلى ما فيه من بدائع الصناعة
فإن هذا الحرم الغربي بعيد عن الحق؛
بل ليس هذا بحرم؛ وإنما أخفى صناع الإفرنج
روح الوثنية في جثمان الحرم؛ وإنما أسس هذا المعبد أولئك السفاكون
الذين دمروا دمشق بأيديهم.
سياسية الإفرنج:
رب! إن سياسة الإفرنج أصبحت قربتك في الملك
اللهم إلا أن عبادها الأمراء والأغنياء والملاك؛
لقد خلقت من النار إبليساً واحداً
وخلقت هذه من الطين ألوفاً من الأبالسة.
أمر إبليس لأبنائه السياسيين:
الرجل الصعلوك الذي لا يهاب الموت أصلاً،
أخرجوا روح (أي تعليم) محمد ﷺ من بدنه؛
وأصبغوا أفكار العرب بصبغة الإفرنج أولاً،
ثم أخرجوا الإسلام من الحجاز واليمن؛
والدواء الناجع لغيرة الأفغان الدينية،
أن أخرجوا (الملأ) من جبالهم وفيافيهم.
أوربا وسورية:
منحت أرض سورية للإفرنج.
نبي العفة والمواساة والرفق في المعاملة؛
وجاء من أوربا إلى سورية، مكافأة بصنعها
الخمر والمقامرة وكثرة المومسات.
الشام وفلسطين:
أدام الله خمارة الأحرار الفرنسيين،
حيث نرى كؤوس حلب مملوءة بالصهباء؛
إن كان لليهود حق على فلسطين،
فلماذا لا يكون للعرب حق على إسبانيا؟ هذا غيض من فيض وبرض من عد وقليل من كثير من أفكاره وآرائه الحكيمة المبثوثة في ثنايا دواوين شعره. ومما يجدر بالإشارة إليه ثانياً أن هذه الأفكار والآراء مقتبسة من ديوانه (ضرب كليم) الذي نشر قبل نشوب الحرب العالمية الثانية ببضعة أعوام.
- 6 -
سياسة:
لم يكن صاحبنا في شبابه من رجال السياسة، ولم يشاطر بني جلدته سراء الجهاد وضراءه، وإنما اكتفى بالقريض الحافز للأمة والنافخ فيهم روح الحياة، كما أعرب عنه بنفسه في بيت له: إن إقبالاً (مبلغ) كبير تأخذ أحاديثه بالألباب.
لكنه يغزو بالأقوال فقط ولم يتيسر له أن يكون عاملاً محايداً.
وبقى شاعرنا كذلك منقطعاً عن الحياة السياسية مرمياً من قومه بالجمود والازورار عن الجد والكفاح، إلا إنه ترشح سنة 1936 (للمجلس التشريعي) الذي قال فيه قبل ذلك:
(مجالس التشريع والإصلاح والحقوق
(كلها أدوية حلوة المذاق اخترعها الطب الغربي لتنويم أهل الشرق.
وأول ما عرفنا من مشاركته في السياسة العملية سنة 1930 حينما راس المؤتمر السنوي لعصبة المسلمين مؤتمر المائدة المستديرة منعقد في (لندن). وإنما انعقد مؤتمر عصبة المسلمين وقتئذ ليبين لأعضاء المائدة المستديرة مطالب المسلمين، ويؤكد استمساكهم بها. فانتخب محمد إقبال رئيساً للمؤتمر، لغياب الزعماء السياسيين وسفرهم إلى لندن بمناسبة انعقاد المؤتمر وحضور جلساته، فخطب خطبته الرئيسية التي أحدثت ضجة عظيمة في الهند والدوائر السياسية في (لندن)؛ والتي تناولتها صحف الهنادك والوطنيين بالنقد اللاذع وأعادت وبدأت فيها. وذلك أن صاحبنا بين فيها نظرية جديدة للسياسة الإسلامية وهي أن تتكون مملكة إسلامية مؤلفة من ولاية كشمير ومقاطعات بنجاب والحدود الغربية الشمالية والسند في ضمن المملكة الهندية الكبرى، لأن مسلمي الهند - في رأي صاحبنا - أمة مستقلة مغايرة للهنادك في الدين والثقافة واللغة والأوضاع والتقاليد.
وهذه هي النظرية التي جعلها بعض الشبان المقيمين في (لندن) أساساً لحركة (باكستان).
ثم تبدلت الأحوال وتقلبت الظروف إلى أن جعلت عصبة المسلمين تطالب بتقسيم الهند، وتأسيس مملكة مستقلة باسم (باكستان) وقد تحققت هذه الأمنية فعلاً. ولست في هذا المقام بصدد البحث في السياسة الهندية وقضاياها المتشعبة، فإن لها موضعاً آخر من البحث والكلام. والذي أردت ذكره في هذا الموضع أن صاحبنا هو الذي كان أبا عذرة هذه النظرية الجديدة وأظهرها لأول مرة في خطبة عامة للصحف، وإن كان يحلم بأمثالها كثير من السياسيين المسلمين. والمسألة أشهر من نار على علم. ومما لابد من ذكره في هذا الصدد أن خطبته هذه غيرت مجرى مؤتمر الدائرة المستديرة، حيث كان الأعضاء مكبين على إيجاد حل للمشكلة الطائفية، فأبى أعضاء الهنادك قبول مطالب المسلمين وتوجسوا منها شراً. وقال الدكتور (م. ر. جيكار) بصراحة: (أنا قد اطلعنا الآن على ما تضمره أفئدة المسلمين، ونشكر للدكتور إقبال صراحته وصدق لهجته). وعلى كل، فإن هذه الخطبة كانت فاتحة باب جديد في السياسة الهندية. وقد صدق الدكتور ذاكر حسين، عميد الجامعة الملية الإسلامية، حيث قال لصاحبنا، طالباً إليه أن يكف عن الوقوع في حمأة السياسة:
(لقد خطبت خطبة تكفي المسلمين لمائة سنة).
ثم ظل صاحبنا يعمل بضع سنين مع الذين كانوا يناوئون الحركات الوطنية إلا أنه لم يقدر أن يسايرهم زمناً طويلاً، لأن أولئك كانوا يعارضون الحركة، حباً في الاستعمار والتطفل على مائدته. وأما شاعرنا فكان يناوئها بغضاً في الهنادك ورجال سياستهم، فأعتزل جميع الحركات السياسية، إلا أنه كان يعطف على عصبة المسلمين ويؤيد قضيتها بنفوذه وتأثيره البليغ في الشبيبة الناشئة. ومن أعماله التي تذكر وتشكر موقفه الجليل في الآونة الأخيرة من حياته بازاء القاديانيين. فإنه حمل عليهم حملات شعواء قصمت ظهرهم في معقلهم (بنجاب)، ولولا مساعدة الحكومة لهم لانعدموا، لأن أئمة الكفر منهم كانوا يدعون من قبل، أن المشايخ (والمولوبين) هم الذين يكفروننا لتعنتهم وجمودهم. ولما آن صوب ملك شعراء آسيات كما كانت تدعوه دائماً جريدة الاحمدية اللاهورية سهام محاضراته الفلسفية إلى نحورهم، سقط في أيديهم وجعلوا يسبونه ويصبون عليه وابل الملام والشتم، وبدءوا ينقصون من شعر الرجل الذي كانت تلهج ألسنتهم بالثناء عليه صباح مساء، ولقبته مراراً صحيفتهم الأسبوعية الثائرة بـ اللقب الذي لقبته به أولا الشاعرة الهندية الطائرة الصيت سروجني نائيدو ولم يقتصر على الحملات اللفظية بل استقال من رئاسة جمعية (حماية إسلام) وكلياتها الملحقة بها حتى تتطهر - حسب تعبيره - من كل من لا يقول بختم نبوة النبي العربي ﷺ.
- 7 -
خدماته العلمية:
قد سبق لي الكلام أنه قضى عهد الطالب في وطنه مدينة سيالكوت ولاهول، ثم عين معلماً في الكلية الأميرية بلاهور؛ وبعد أن اشتغل بالتدريس بضعة أعوام، سافر إلى كيمبردج وبرلين ونال شهادات المحاماة والدكتوراه في الفلسفة.
وبعد الرجوع من أوربا، تعاطى المحاماة، لكنه لم ينجح لاشتغاله بالتفكير الفلسفي والتحقيق العلمي. فانقطع إلى العلم والتفكير ورزق فيما نجاحاً باهراً وقبولاً عظيماً، فألقى محاضرات عديدة في مختلف جامعات الهند وأوربا، منها محاضرته التي ألقاها في جامعة مدراس (جنوبي الهند)، ونشرتها جامعة اكسفورد بعنوان: (التشكيل الجديد للفكر الديني في الإسلام)، وهو كتاب دقيق فلسفي لا يقدر على فهمه إلا من أوتي حظاً وافراً من الفلسفتين الجديدة والقديمة، والعلوم الإسلامية. وكذلك انتدبته جامعة اكسفورد لإلقاء محاضرة (رودس) عن (الزمان والمكان) وجدير بالذكر أنه أول شرقي انتدب لإلقاء محاضرة (رودس). ولم نعرف مدى ما بلغ فيه من الحذق والإجادة لعدم الإلمام بالموضوع. وكذلك ألقى محاضرات عديدة علمية عن الإسلام والأدب الفارسي والفلسفة الجديدة في جامعات (حيدر آباد) و (علي كره) والجامعات الأخرى. ونظراً إلى مكانته العلمية منحته الحكومة ومنحته جامعات (بنجاب) و (علي كره) و (رهاكه) (شرقي بنغال) شهادات شرف بالدكتوراه في الحقوق والدكتوراه في الآداب
هذا ما أردت إجماله في سيرة محمد إقبال وشعره وتوسعت فيه قليلاً، لعدم معرفة قراء العربية بمواهبه. فإن نجحت في مهمتي، أي مهمة التعريف بشعره البليغ وحكمته الرائعة، فذاك حظي؛ وإلا فليس هذا بأول مجهود ما قدر له النجاح والقبول. وحسبي أني بذلت جهدي حسب ما كنت أستطيعه، والعبد لا يكلف إلا ما يطيقه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مسعود الندوي
معتمد دار العروبة للدعوة الإسلامية