الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 804/محمد إقبال شاعر الشرق والإسلام 1389 - 1873

مجلة الرسالة/العدد 804/محمد إقبال شاعر الشرق والإسلام 1389 - 1873

مجلة الرسالة - العدد 804
محمد إقبال شاعر الشرق والإسلام 1389 - 1873
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 29 - 11 - 1948

1257 - 1938 للأستاذ مسعود الندوي

(تابع)

6 - (مسافر): مجموعة شعره الذي قاله أثناء سفره إلى أفغانستان سنة 1932 على دعوة من مليكها الشهيد الغازي نادر خان. وفيه نصائح لشبان بلاد الأفغان ورجالهم. ومما يسرنا ذكره بهذه المناسبة أن شباب الأفغان يدرسون شعره ويستفيدون من حكمه مثل شباب الهند. وقد بين لنا ذلك أستاذنا الجليل، العلامة المحقق السيد سليمان الندوي - أمتعنا الله بطول بقائه - الذي كان زميل شاعرنا في هذا السفر. وذكر لنا الأستاذ - أدامه الله - شيئاً كثيراً من مزايا محمد إقبال مما لا يتسع المقام لذكره. ومما ذكره الأستاذ برجه خاص أنه حينما زار محمد إقبال جلالة الملك نادر أول مرة في كابل جعلا يبكيان ساعة من الزمن، والقوم صامتون ينظرون إلى مسلمين مخلصين، أحدهما حكيم والآخر ملك، يتكلمان بدموع العين، لقد صدق من قال:

لساني عيى في الهوى وهو ناطق ... ودمعي فصيح في الهوى وهو أعجم

7 - بال جبريل (طير النا جبريل): كان الشاعر بادئ ذي بدء يقرض في الأردية، ولذلك ترى جميع عيون شعره من الأدوار الأولى في هذه اللغة. ولما سمت فكرته ونضجت آراؤه اتخذ من الفارسية آله لإبداء أفكاره وجعلها وسيلة لإداعة شعره في جزء غير يسير من أنحاء العالم الإسلامي، ولذلك جاءت جميع دواوينه بعد (بانك درا) في اللغة الفارسية. وقد شدا يذكرها في بيت له من (؟؟ مشرق) ولله دره حيث قال:

تنم كلي زخيا بان جنت كشهر ... دل أز حريم حجاز ونواز شهر ازاست

إن جسمي ريحانة من رياض الجنة الأرضية كشمير، والقلب منيته بلاد الله الحرام وأفانين الكلام مقتبسة من ألحان شهراز.

لكن اللغة الفارسية، حينما وسعت نطاق المعجبين بشعره في خارج الهند، قللت من قرائه والمستفيضين من ينبوع حكمته في داخل البلاد، وطالت شكوى أهلها من شاعرهم، حتى أن بعض حماة الأردية أرادوا أن يغضوا من شعره الفارسي، وتقول غيرهم أن الشاعر أختار الفارسية ليكون في مأمن من قوانين الحكومة الصارمة. لأجل هذا وذاك أراد الشاعر أن يعود (والعود أحمد) إلى الأردية، فنشر سنة 1932 هذا الديوان الذي بذ جمع دواوين شعره في الحكمة وتعمق الأفكار ومعظم كلماته فيه نتيجة ما شاهده وتأثر به خلال أسفاره إلى بلاد أوربا. . . لندن وباريس وروما والأندلس. . . وبلاد العرب عام 1931، ولقد أجمع النقاد على أن صاحبنا كان شاعرنا أو فلسفياً في مجاميع شعره السابقة، لكنه حكيم في هذا الديوان، لا غيره. ومن خصائص هذه المجموعة أن صاحبنا تناول المشايخ (المعروفين بـ (ملا) في الهند) والمتصوفين بالنقد اللاذع في غير واحدة من كلماته. شيء لم نره في مصنفاته السابقة. ومن ميزاته أنها تشتمل على معجزات القصائد التي ألهمها صاحبنا في الأندلس وفلسطين حينما تكشفت لعينيه الحجب الظاهرية ورأى بعينه ما لا يتيسر لغيره أن يراه. لكن هذا الديوان، على ما فيه من بدائع الحكمة ومشاهدات الأندلس وفلسطين، ينقصه شيء عظيم، وهو أن معظم المولعين بشعره لا يقدرون على إدراك مغزى كلامه، لكونه مصبوباً في قالب من الشعر المتأنق والحكمة العميقة البالغة، وإنما يتذوق المتأدبون والذين لهم ذوق في الشعر متأصل.

8 - ونظراً إلى ذلك عني بنشر ديوان آخر سماه (ضرب كليم) (ضربة موسى كليم الله) أودعه آراءه في جميع شعب الحياة العصرية، مجردة عن الفلسفة وزخارف الشعر، بحيث يفهمه كل من له أدنى إلمام بالدب، أن كان له حظ في المسائل الدينية والسياسية المعروضة على بساط البحث والنقد.

وقد فسر الشاعر الحكيم بنفسه أسم هذا الديوان (ضرب كليم) بأنه (إعلان حرب على العصر الحاضر) وقد صدق رحمه الله، في هذا التفسير، لأنه فند فيه آراء أهل الغرب والمتفرنجين وقطعها إرباً إربا، وانتقد جميع نظرياتهم السياسية؛ فلا ريب أن (ضرب كليم) (إعلان حرب على العصر الحاضر) وقد أجمع المتأدبون بأدبه والمتذوقون لشعره وحكمه على أن شارع الإسلام لم يجمع هذه الأفكار الثمينة في كتاب واحد. ومن خصائص هذا الديوان أن حكيم الإسلام تعرض فيه لانتقاد القاديانيين وغلامهم الكذاب، فذكرهم غير مرة وكشف الغطاء عن دجلهم وكيدهم للإسلام والمسلمين. وذلك بأسلوبه المعجز المدهش.

9 - ارمغان حجاز (هدية الحجاز): عنوان ديوانه الذي ظهر بعد وفاته، رحمه الله، (باللغتين الفارسية والأردية)، وقد سماه هدية الحجاز، لسبب خاص. وبيان ذلك أنه سافر إلى بلاد أوربا مراراً وزار بعض بلاد العرب أيضاً، لكنه ما قدر له أن يتشرف بزيارة الحرمين الشريفين، على ما به من تباريح الوجد والشوق إلى زيارة بيت الله الحرام وقبر النبي ﷺ. وكان من أمنيته أن يتمتع بها، وقد وطد العزم على ذلك، وجعل يقرض أبياتاً ومقطوعات شعرية، مواجهاً بها بيت الله الحرام ومثوى النبي (ﷺ)، فكأني به كان يعد عدته لذلك السفر الميمون ويهيئ الزاد الذي يقدمه إلى عشاق أدبه والمفتتنين بحكمه، حين قفوله من الزيارة المباركة، إلا أن مرضه الأخير قد أنهك قواه، وبقى يتقلب على أحر من الجمر زهاء عامين يتجرع غصص النوى حتى وافاه الأجل المحتوم، ولما يقض لبانته. وفي أيام المرض العصيبة قد جادت قريحته بأبيات ومقطوعات لا تنسى أبد الدهر. وإن ننس لا ننس البيتين اللذين رثى فيهما نفسه، وأنبأ المولعين بأدبه وشعره بدنو أجله:

سرود رفته باز آيد كدنه آيد ... نسمي از حجاز حجاز آيد كدنه آيد

سر آن روزكار أين فقري ... دكر وأنات راز آيد كدنه آيد

ليت شعري، هل للنغمة المفقودة من رجعة؟ ولا أدري، هل أجد بعد اليوم نسيم الريح التي تهب من جانب البطحاء؟

أما هذا الفقير إلى الله فقد آن أوانه ودنا أجله، فلا يعلم إلا الله، هل ينبغ في هذه الأمة حكيم آخر عالم بأسرار الكون ودقائق الأمور؟

وكذلك قوله على فراش المرض قبل وفاته بأيام:

بيشتي بير أرباب يمم آست ... بيشتي بير با كان حرم آست

بكوبا مسلم هندي كدخوش باش ... بيشتي في سبيل الله بيم آست

هناك في الدار الآخرة جنة للذين يجودون بآمالهم ويضحون بذات يدهم، وجنة للزهاد والنساك المتقطعين إلى ذكر الله. وقل للمسلم الهندي أن لا يحزن ولا يتألم، فإن هناك جنة أخرى غيرها، ألا، وهي التي ينعم بها على الذين يجاهدون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون.

- 5 - آراؤه وأفكاره:

نريد الآن أن نترجم بعض آرائه في مختلف المسائل في ديوانه (ضرب كليم)، ليعرف الفراء وجهة نظرة في السياسة والدين والأخلاق، إلا أنه لا يمكن أن يبقى في الترجمة عشر معشار الروعة والتأثير اللذين امتاز بهما شعره.

الاجتهاد:

أني لأحد أن يتعلم أسرار الدين في الهند

لأن العمل والأفكار العميقة مفقودة فيها؛

فلا تجد في المشتغلين بالعلم والتعليم حرية الفكر والتفكير السديد.

فتباً وتعساً للعبودية وعدم التحقيق؛

لا يغيرون أنفسهم فحسبُ، بل يريدون أن يبدلوا كلام الله ويحرفوا الكلم عن مواضعه؛

ما أبعد عن الحق هؤلاء الشيوخ والفقهاء وما أضل سبيلهم!

يرى هؤلاء (العبيد) أن كتاب الله ناقص

لأنه لا يرشدهم إلى طريق العبودية.

المسلم الهندي:

يقول الهنادك إنه خائن لوطنه ... ويرى الإنكليز أن المسلم متسول ومتكفف

وشريعة أصحاب النبوة، تفتي ... بأن هذا المسلم (العتيق البالي) كافر

فلا أدري متى يرتفع صوت الحق ومن أي وجهة؟ وقلبي حائر قلق أمام هذه الأقوال المتضاربة.

الجهاد:

لقد أفتى الشيخ بأن هذا عصر القلم، وأما السيف فلم يبق له اليوم عمل يذكر؛

ولكني أسائل حضرة الشيخ: أولاً يعرف أن هذه الموعظة لا تجدي اليوم بشيء في المساجد، فأين السيوف والمدافع بأيدي المسلمين؟

وأن كانت فالقلوب قد ذهلت عما في الموت من لذة؛ ومن لي بالذين قلوبهم خشية الموت؛

حتى لا يرضوا أن يضحوا بنفوسهم تضحية الكفار؛

من لي بهم أن ينفضوا عنهم غبار الجبن والخمول؛

ويبذلوا مهجهم وأرواحهم بذل المسلمين المخلصين؟

وما أحرى الذين يرتعد العالم خوفاً من آلاتهم الجهنمية، أن يلقنوا الأمن والسلام ويدعوا إلى ترك (الجهاد)، (جهادهم) الباطل.

أو لا ترى أن أوربا قد غرقت في بحار من حديد

للمحافظة على الباطل وجنوده، واستعداداً للحرب الضروس القادمة

ونحن نود أن نسأل الشيخ المتزلف إلى الكنيسة الغربية والاستعمار الغربي: أليست الحرب شراً في الغرب، إذا كانت كذلك في الشرق؟

وأن كنت تريد الحق، فهل يليق بك أن تحاسب الإسلام وتضرب صفحاً من أعمال أوربا وفظائع مقترفاتها؟

الإسلام الهندي:

حياة الأمة منوطة بوحدة الأفكار،

وما الوحي الذي يمزق هذه الوحدة إلا ضلال وخرافة، ولا ضمان لهذا الوحدة إلا القوة؛

أما العقل والحكمة فلا يحركان في هذا الشأن ساكناً، لأن المسألة القوة؛

ولكنك أيها المسلم، لست في شيء من تلك القوة، فاجمل بك أن تلتجئ إلى كهف أو مغارة، وخير لك أن تجتهد في إيجاد إسلام آخر، يدعو إلى الفقر، والعبودية، واليأس الدائم. وبما أن الملا، (الشيخ) قد أبيح له في الهند أن يركع ويسجد.

يزعم الأبله أن الإسلام حر في هذه الديار (كأني به لا يعرف من الدين إلا الركوع والسجود فقط).

محمد علي الباب:

كانت خطبة (الباب) بين يدي العلماء غريبة؛

كان المسكين يحرف أعراب (السماوات) عن موضعه؛ وكان العلماء يبتسمون، ساكتين على خطأه؛

فأجابهم إنكم لا تعرفون درجاتي العالية؛

كانت آي القرآن محبوسة في قفص (الأعراب)؛

والآن حل إسارها لوسيلة (إمامتي).

(البقية في العدد القادم)

مسعود الندوي