مجلة الرسالة/العدد 804/الأدب والفن في أسبوع
→ الضمير العالمي | مجلة الرسالة - العدد 804 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الدبي ← |
بتاريخ: 29 - 11 - 1948 |
للأستاذ عباس خضر
اليونسكو في بيروت:
ينعقد الآن في بيروت المؤتمر العام الثالث لهيئة (اليونسكو) وقد افتتح يوم 17 نوفمبر الحالي بكلمة لرئيس الجمهورية اللبنانية موضوعها (القيم الروحية والقوة الهوجاء) وقد تتابعت الجلسات في الأيام الخمسة الماضية إلى وقت كتابة هذا، وحفلت هذه الجلسات بكلمات من المندوبين وتلاوة التقرير السنوي للهيئة الذي وضعه المدير العام، وقد أثيرت مسائل مختلفة في الاجتماعات الماضية، أهما موضوع تمثيل الهيئات اليهودية الذي أعلنت لبنان رفضه وأيده سائر البلاد العربية، ولكن مندوبين غربيين قالوا إن المؤتمر الثقافي هيئة إنسانية لا طائفية ولا عنصرية ودعوا إلى التسامح بقبول ممثلي الدولة المزيفة في المؤتمر، فرد بعض المندوبين العرب بأن البلاد العربية ترفض لا لسبب عنصري أو طائفي بل لمعارضتها السياسية في قيام دولة يهودية. وبعد نقش حاد قرر المؤتمر أن تمثل الهيئات الدولية غير الحكومية بمراقبين لا حق لهم في الاقتراع. وقال مذياع بيروت إن الأستاذ يوسوف خاطر مندوب لبنان قام بعمل بارع إذ اقترح أن يقصر تطبيق ذلك على الهيئات التي أرسل إليها فعلاً وأجابت بالموافقة، فأيد المؤتمر هذا الاقتراح وعلى هذا ينطبق ذلك القرار على 36 هيئة ليس بينها هيئة صهيونية. . .
ومن المسائل التي أثيرت مسألة تعليم الشبان الفلسطينيين اللاجئين إذا أقترح مندوب استراليا أن تقوم اليونسكو والدول الأعضاء فيها ببذل المعونة في ذلك، وقد شكره شفيق غربال بك مندوب مصر، ثم أعلن الرئيس الموافقة على الاقتراح فأحيل إلى لجنة التعمير الفرعية لدراسته.
ويعمل مذياع بيروت في المكان المخصص له بمدينة اليونسكو، فيذيع أهم ما يدور في الجلسات، كما يسدل كلمات المندوبين ويذيعها، وقد سمعت منه كلمة شفيق بك غربال ومما تضمنته الإشارة إلى بعض المسائل التي يتم الاتفاق عليها خارج اليونسكو وهي أولى ببحثها وتنظيمها كمسألة موجات الإذاعة التي وزعت بطريقة غير عادلة.
وقال مذياع بيروت في التعقيب على اجتماعات اليونسكو: أن هذا المؤتمر العالمي يجتم بلبنان في جو سمح حر بعيد عما يلابس المؤتمرات العالمية من محاولة البلاد التي تجتمع بها التأثير في مجرى أعمالها لتوافق هواها.
وقد لوحظ في تأليف وفد مصر إلى المؤتمر أنه يشمل إلى جانب الأعضاء الرسميين بعض الخبراء غير الرسميين كالدكتور بشر فارس وقد دعت حكومة لبنان الدكتور طه حسين بك إلى حضور المؤتمر بصفة شخصية، على أن يكون ضيفاً لديها، فلبى الدعوة ويسافر من القاهرة إلى بيروت في 25 نوفمبر، ويلقى هناك محاضرة عن الحضارة العربية وما أسدت الحضارة الغربية.
تعقيب:
يخيل إلى من يستمع أو يقرأ ما يجري في اجتماعات اليونسكو أن البحر قد أصبح (طحينة) كما نقول في أمثالنا العامية، فنشر الفكر وحرية الأنباء وإنماء الثقافات وتعاونها على إقرار السلام يتحدث عنها أولئك المفكرون الأفذاذ من مندوبي العالم وهم مستغرقون في الخيال. . . والمسألة كيف ينتقل ذلك كله من عالم الخيال إلى عالم الحقيقة أو كيف يمكن نقل هذه الأشياء إلى مجال العمل والتنفيذ، ثم كيف يوجهون التيارات الثقافية إلى صالح السلام ونصف القوة العالمية غير ممثل في اليونسكو، وهو روسيا؟ وسينفض هذا المؤتمر الثالث، ونرجو عند اجتماع المؤتمر الرابع أن يكون العالم بخير. . .
صديقنا الزين يتراءى لنا:
كتبت في عدد مضى من الرسالة منذ قليل، كلمة في ذكرى الصديق الكريم، والفقيد العظيم الشاعر الراوية أحمد الزين؛ وما أحب إلى أن أعود الآن إلى الحديث عنه في التعبير عن خاطرة تتعلق به، وهو جدير بأن تؤلف في أدبه وشخصيته المؤلفات، فلا أقل من كلمات.
قلت أن اللقاء لم ينقطع بين الصديق الفقيد وبيني على رغم وفاته، ألقاه في كل مكان صاحبته فيه وعند كل ما يذكرني به. إلى آخر ما عبرت به عن هذا الإحساس. ثم كتب بعد ذلك في مجلة (الثقافة) الأستاذ عبد الفتاح البارودي كلمة طيبة في ذكرى الزين، فلم يكن من الغريب، وهو من أصدقاء الشاعر الفقيد، أن نتفق في الإحساس نحو صديقنا الراحل، قال: أن (طيفه الرقيق الوديع قلما يبرح مخيلتي إلا ليعود إليها) ثم بنى مقالة على رؤيا رآه فيها.
ومنذ بضعة شهور رأى الأستاذ محمود لطفي أمين مكتبة المجمع اللغوي، وهو أيضاً من أصدقاء الزين - رأى فيما يرى النائم أنه يقف أسفل سلم، والزين على إحدى درجات هذا السلم، وبينهما ست درجات. وقال العالم بتأويل الأحلام: إنك لا تزال في الدنيا، وقد صعد الزين منها، وتلحق به بعد ستة أيام أو ستة أشهر أو ستة أعوام. . . فانزعج صديقنا لطفي وأخذ في الحساب. . . الستة أيام مضت، والسنة الشهور يبقى منها نصف شهر. . . وأعد عدته وجد في تحسين خاتمته، ولكن الله سلم؛ فهل كسب الصديق في عمره ستة أعوام. . .؟
وليس بعجيب أن يتراءى لنا صديقنا الخالد، في المنام وفي غفوات اليقظة، فقد كان صافي النفس، خالص الوجدان والفكر مما يصطنعه الناس من الرياء والنفاق، لا يعلق قلبه بما تعلق به أحابيل المرائين والمنافقين من غايات. وكان روحه ينسرب في نفوس أصدقائه خلال حديثه إليهم لصدقه وصراحته ونظراته إلى الأمور نظرة إنسانية عالية.
وكان يبدي رأيه في الأشخاص صريحاً، وكان يرغب عن مصانعة من يتنازل بعض الناس عن حريته في مصانعتهم، ضناً بأدبه أو كرامته أن يكون لهما ثمن من حطام أو سراب. . . مما جر عليه حقد أولئك الناس وجحودهم قدره، وكان حرياً بكل تقدير وإعزاز.
ذلك هو الإنسان الذي يتراءى لنا طيفه، لأنه خالد في نفوسنا وما أسعدنا به حياً وميتاً.
الشعب ينفق على تلهية الأغنياء:
جاء في مقال للدكتور طه حسين بك في (الأهرام) قوله: (فكان من الديمقراطية مثلا، في أواسط القرن الخامس قبل المسيح، أن يفرض على الأغنياء تلهية الشعب بتنظيم حفلات التمثيل على اختلافها، فكان الأغنياء وحدهم هم الذين ينفقون على إعداد القصة التمثيلية وإخراجها، يأجرون الشاعر الذي ينشئها، ويأجرون الممثلين الذي يعرضونها، ويأجرون الذين يشرفون على هذا الإخراج، ويؤدون كل ما يحتاج إليه الموسم التمثيلي من نفقات).
كان ذلك في أوربا منذ خمسة وعشرين قرناً، أما الآن فالأمر عندنا في مصر على عكس ذلك، أي أن الشعب هو الذي ينفق على تلهية الأغنياء. . .
الحكومة تمنح الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى نحو خمسة عشر ألف جنيه في العام، وتنفق على استقدام فرق التمثيل الأجنبية مالا يقل عن ذلك المبلغ، ولا أعرف بالضبط ما تنفقه على دار الأوبرا الملكية، ولكنا نعلم أنها دار فخمة لها مدير ووكيل وفيها موظفون فنيون وإداريون وسعاة وفراشون وما إلى ذلك، عدا مرافقها المختلفة وما يتطلبه إعداد الروايات من أثاث وثياب ورسم مناظر وغير ذلك، فلا بد أن لها (ميزانية) كبيرة. وهناك أيضاً لجنة ترقية التمثيل، وجوائز مالية تمنح في مباريات التأليف للمسرح.
وكل ذلك يصرف من خزانة الدولة التي تتكون من الضرائب التي يدفعها الشعب على اختلاف طبقاته، ويقصد منه إحياء فن التمثيل وتحقيق المتعة والفائدة، ولكن من يستمع ويستفيد؟ الأغنياء طبعاً لأنهم هم القادرون على (دفع ثمن التذاكر) أما الفقراء ومن يليهم من المتوسطين فحسبهم النظر إلى الإعلانات وصور الممثلين والممثلات في الصحف وعلى الجدران، لقاء ما ساهموا به من الإنفاق على التمثيل باعتبارهم (دافعي ضرائب).
أليس معنى ذلك أن الأغنياء يشاهدون التمثيل على نفقة الفقراء؟ ولعل ذلك بعض الجواب عن تساؤل الدكتور طه: أين نحن الآن من معنى الديمقراطية.
كثرة التأليف من علامات الساعة:
هكذا يقول أثر من الآثار المصرية القديمة يرجع عهده إلى 4000 سنة قبل الميلاد، إذ وجد منقوشاً على حجر من هذه الآثار أن (من علامات الساعة أننا صرنا إلى زمن لا يتورع فيه كل من هب ودب عن التطلع إلى التأليف والتصنيف).
وإذا كان الكاتب القديم في ذلك الزمن السحيق يقول ذلك فماذا نقول نحن الآن وقد صار كل إنسان يستطيع أن يكون مؤلفاً ما دام يملك نفقات الطبع ويستطيع أن يؤلف أي كلام. . حتى انصرف الناس عن قراءة الكتب، وأصبح الكتاب في أزمة شديدة بفضل (المؤلفين) الذين كان يمكن أن ينتفع بهم في إنتاج سلع أخرى؟
فإن كان قدماؤنا قد هالهم ما رأوا من إقبال غير الأكفاء على التأليف حتى عدوه من علامات الساعة، فيظهر أنا وقعنا، مما نرى من فوضى التأليف، في (الساعة) نفسها! والله المستعان.
من طرف المجالس: كان الحديث عن هؤلاء (القصاصين) الذين يوالون الإنتاج بسرعة عجيبة، حتى ملؤا الصحف وأخرجوا العديد من مجموعات القصص والأقاصيص. سأل أحد الجلساء: كيف يتسنى لكاتب أن ينشئ في أسبوع واحدة عدة قصص، عاش في أجوائها وهضم فكراتها واستوت له عقدها و. . . فقطعت عليه الإجابات سبيل استرساله، قال الأول: رويدك! رويدك! أي أجواء وأية عقد؟ إنها حكايات و (حواديت) يجتذبون القراء إليها بسرد وقائع الشباب الفائر وعرض الأنوثة الصارخة!
وقال الثاني: بارك الله في قصص الغرب. فما على الواحد منهم إلا أن يجرد القصة من القبعة ثم يضع عليها الطربوش أو العمامة ومع ذلك تبدو عليها ملامح السحنة الغربية.
وقال الثالث: ولكن هناك كثيراً من هذه القصص تكتب غربية بحوادثها وأشخاصها وأماكنها وليس على القصة إلا أسم أخينا المصري، وما أحسبه يدعى تأليفها، فمن ترجمها أو اقتبسها أو لخصها؟ الواقع أن هذا النوع من. . . التأليف. . . أو من الترجمة أو مما لا أدري أسمه - قد حيرني!
وأمسك الجميع حين رأوا ذلك الأديب الكبير الذي يتصدر المجلس - متهلل الوجه تدل هيئته على أن عنده شيئاً طريفاً في الموضوع، قال:
تلقيت من فلان المجموعة القصصية التي أصدرها أخيراً، وقد أرفقها برسالة يرجو فيها (عدم المؤاخذة) لما في الكتاب من أخطاء نحوية ولغوية سببها أنه طبع في بلد بعيد فلم يستطيع مباشرة التصحيح. . . فعجبت لهذه المطبعة التي تعصي الفيروز ابادي وتخالف أوامر سيبويه! ولكن عجبي ذهب عندما رأيت قوله (لعلكم تتفضلون بتشجيع الخطوات التي يخطوها (الناشئين) وتذليل ما (يجدوا) من صعوبات).
ثم ظهرت على فم أديبنا الكبير ابتسامة ساخرة وقال: وقد هان على الخطب لأنني اطمأننت على الطباعة!
الجامعة والمعاهد العالية:
جاء في الجزء الخاص بالتعليم من خطاب العرش ما يلي:
(وتعتزم حكومتي إنشاء مجلس موحد لمعاهد التعليم العالي، يكفل القيام على شؤونها المشتركة، لما تبين من صواب قيام هذه المعاهد بجانب الكليات الجامعية، لغلبة الصبغة العملية عليها، ولتمكين طائفة غير قليلة ممن أتموا التعليم الثانوي من إتمام التعليم العالي بها).
وقد نشرت الصحف أحاديث لمدير جامعة فؤاد الأول، يشكو فيها من تضخم الجامعة لكثرة من قبلتهم من الطلبة في هذا العام، وهم مع هذا ليسوا كل المتقدمين إليه من الناجحين في (التوجيهية) وقد بين سعادته ضرر زحمة الطلاب بالجامعة؛ من حيث صعوبة إشراف الأساتذة والمدرسين على العدد الكبير من الطلبة واستحالة قيام العلاقة المرجوة بين الطالب والأستاذ.
والواقع أن الإقبال أشتد على التعليم العالي في السنوات الأخيرة، وليس كل المقبلين راغبين في التعليم ذاته، فهناك كثيرون يريدون شهادات ذات (كادرات) وليس كل الراغبين في التعليم صالحين للتعليم الجامعي، فليس من وضع الأمور في مواضعها إثقال كاهل الجامعة بكل هؤلاء.
وعلى ذلك فأن الاتجاه إلى الإكثار من معاهد التعليم الفني العالي اتجاه سديد، إذ تنصرف إليها طائفة كبيرة من الطلبة إعدادهم إعداداً فنياً عملياً في مختلف الشؤون والفنون، ويتجه إلى الجامعة ذوو الاستعداد الملائم لها.
عباس خضر