مجلة الرسالة/العدد 801/الأزهر والإصلاح
→ دراسات تحليلية: | مجلة الرسالة - العدد 801 الأزهر والإصلاح [[مؤلف:|]] |
رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر ← |
بتاريخ: 08 - 11 - 1948 |
للأستاذ محمد سيد أحمد الشال
قرأت ما كتبه الأستاذ محمود الشرقاوي في العدد سنة 786 من الرسالة الغراء، وما علق به الأستاذ سليمان دنيا في العدد 789 من المجلة المذكورة. ومقالة الأستاذ الشرقاوي كما وصفه الأستاذ دينا قد صور الأهداف العليا التي ينبغي أن يتجه إليها المصلحون للأزهر حتى يتحقق له أن يكون قواما على نهضة دينية أساسها الفهم والإدراك وسعة الأفق ليقاوم ما ينتاش العالم كله من إباحية وإلحاد.
هذه ناحية، والناحية الأخرى أن يخرج الأزهر طائفة من الرجالي يحسون ويدركون علة هذه الأمة الإسلامية وأسباب جمودها تخلفها، وجهالة العوام فيها وتواكلهم وضعف إيمانهم وانصرافهم عن المفيد النافع من شئون الحياة، واستهتار الخواص وأنانيتهم وجحودهم.
ولقد عتب الأستاذ الشرقاوي أنه ألم يرسم الخطوط ولم يبين المعالم للإصلاح. وأنا بدوري اعتب على الأستاذ دنيا أنه لم يحاول أن يكون له فضل السبق إلى بيان الطريق الموصل إلى الإصلاح بعد قوله: فمن الأزهر بين كثير من المعنيين بالإصلاح في الأزهر يجاهدون ما وسعهم الجهد لإفساح المجال فيه لسياسة علمية صحيحة. ولست أدعي أنهم نجحوا في محاولاتهم ولكنهم دائبون حريصون؛ ومن الأزهريين كثير من المشغوفين بالحديث وهمهم الذي يتذاكرونه في غدوهم ورواحهم وفي خلواتهم ومجتمعاتهم ولهم في هذه السبيل نشاط مذكور.
وأنا لا اشك في أن الأستاذ دنيا من هذا النفر الكريم الذي يعملون في هدوء ويفكرون في سكينة ولا يطلع أحد على مجهودهم أو إلا يحبون أن يقف أحد على مجهودهم. ولا أدري إلى متى يظلون يفكرون ويقلبون الرأي ويمحصونه ويستخلصون من وراء ذلك كله ما لا يطلع علبه أحد أو ما لا يريدون أن يطلع عليه أحد.
وعلى هؤلاء وحدهم ممن يشعرون بالمسؤولية ويلمسون النقص وبين جوانحهم ضمائر حين تفكر في النهوض بالأزهر إلى المستوى اللائق به تقع التبعة أمام الجيل الحاضر والأجيال القادمة بل أمام الله وأمام رسوله.
وإلى متى يظل هؤلاء في تفكيرهم وسكوتهم. ألم يسمعوا المرسوم الصادر بإنشاء قسم للشريعة الإسلامية في كلية الحقوق لدراسة فقه القرون والسنة والفقه الإسلامي وأصوله وغير ذلك من المواد؟ ألم يسمعوا بما اعتزمته الجامعة العربية من إنشاء معهد للفقه الإسلامي ودراسته مع ما يتعلق بذلك من دراسة القوانين الوضعية والمقارنة بين القوانين؟
وإلى متى يظل التفكير في الإصلاح وطرقه؟ وأظن أنه سيظل إلى أن ينفذ المرسوم بإنشاء قسم للشريعة في كلية الحقوق، وبإنشائه تكون السبيل قد مهدت لتوحيد القضاء الشرعي وهو المظهر الضيق الباقي من آثار التشريع الإسلامي. وإلى أن تنفذ الجامعة العربية ما قدرته من إنشاء معهد للفقه الإسلامي تتوسع فيه كل التوسع وتعتز به كل الاعتزاز وتؤازره كل المؤازرة حتى يخرج رجالا لهم دراسات واسعة مطابقة للأوضاع الحديثة والإصلاحات الجديدة في الاستنباط والتطبيق والاجتهاد.
وأظن انه لا يشك أحد أن تنفيذ ما تقدم سلبا لكثير من حقوق الأزهر واختصاصه واعتداء على ما هيأ نفسه له.
وأي شيء يبقى له بعد ضم دار العلوم للجامعة وبعد إنشاء قسم الشريعة ومعهد الفقه الإسلامي؟ وأي باعث على ضم دار العلوم للجامعة وهي تأخذ طلبتها من أبناء الأزهر وقد توحدت أو كادت البرامج بينها وبين كلية اللغة وتشرف وزارة المعارف على الامتحانات في كلية اللغة.
أفما كان الأولى أن تضم دار العلوم للأزهر بدلا من ضمها إلى كلية الآداب فالأزهر أمس بها رحما وأقرب صلة من الجامعة. ألم يكن في ضمها للأزهر قضاء على المنافسة التي تتجدد بين الحين وآخر واستتباب للأزهر بتقوية إحدى دعائمه وافر للحكومات المختلفة على أن توليه الكثير من العناية لاعتمادها عليه في تخريج معلم اللغة العربية التي قام بحراستها منذ ألف عام.
وأي شيء للأزهر بعد إنشاء قسم الشريعة ومعهد الفقه؟ وهل عقم الأزهر أو استعصى على الإصلاح حتى يفكر أولو الأمر في هذا الانشاء؟ ولم لم يتجهوا إلى الأزهر ويشتركوا مع رجاله في رسم خير الطرق لهذه الدراسات. وهل امتنع الأزهر ورجاله عن مشاركتهم ومدارسة الأمور حتى يرسموا لإصلاحه ما ينهض به لمجاراة العصر مع المحافظة على كيانه وطابعه. وأغلب الظن أن المراد بإنشاء معهد للفقه الإسلامي هو العمل على سلب جزء آخر من اختصاص الأزهر حتى إذا ما استوى ذلك المعهد تقرر ضمه للجامعة أيضا كما ضمت دار العلوم. وبذلك لا يبقى للأزهر من الاختصاص إلا ما يمس دراسة أصول الأديان وطرق الدعوة وهذا أمر هين. وليس بغريب أن ترى عما قريب اقتراحا آخر بإنشاء هذا القسم وضمه إلى كلية من كليات الجامعة، وبذلك يسلب الأزهر جميع اختصاصه ولا يبقى لوجوده أي مسوغ ما دامت الجامعة قد قامت برسالته في فروع مختلفة. وأظن أن هذا تنفيذ لما رسمه الدكتور طه حسين بك في كتابه مستقبل الثقافة من توحيد البرامج في الابتدائي والثانوي والاستغناء عن الأزهر بإنشاء قسم اللاهوت وإلحاقه بإحدى كليات الجامعة كما هو الحال في جامعات الغرب وبخاصة فرنسا. وإذا لم يكن تنفيذ هذه السياسة سافرا فمظاهر الخطوات المتقدمة توحي بأن العمل جار على تحقيقها إذا لم يتدارك رجال الأزهر الأمر بالعمل السريع على إصلاح الأزهر إصلاحا عاما شاملا يتناول ما يتصل بالمعلم والطالب والكتاب.
(للكلام بقية)
محمد سيد أحمد الشال
مندوب الأزهر لتدريس الشريعة
بكلية المقاصد الإسلامية ببيروت