مجلة الرسالة/العدد 800/البريد الأدبي
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 800 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 01 - 11 - 1948 |
أنت في واد وأنا في واد:
عاد الأستاذ أحمد عادل يرغبني بالإسلام ويحببني به بانتقاد الإنجيل، ثم يسفه بعض أقوال المسيح، ثم بالطعن بالنصرانية ثم بالتقريع بزعماء النصارى - ذلك في رسالة لي منه أشغلت 12 صفحة، ومن أصعب الأمور قراءة خطها السقيم. وفي النبذة التي نشرتها (الرسالة) لي قبل العدد الماضي أفهمته بالمعقول وبالمفتوح أن ديني يمتاز على جميع أديان البشر بأنه يقال بكلمات معدودة: الله محبة، وهو يأمرنا بان نحب بعضنا بعضا، وأن نسامح بعضنا بعضا، وأن نغفر لمن أساء إلينا. هذا هو الدين الإنساني العملي الذي لو عمل به كل فرد من النام لما وجد من يضربك على خدك الأيمن لكي تحول له خدك الأيسر، ولا وجد من يسيء إليك لكي تسامحه وتغفر له، ولو صار كل الناس من هذا المبدأ وساروا عليه لانتفت الخصومات من العالم وتعطلت المحاكم وأقفلت دور الشرطة وانطفأت نيران الحروب.
هكذا أعتقد، وهكذا أجتهد أن أسلك في هذا العالم المملوء آثاما وشرورا، فلو فهم الأستاذ جيدا هذا لما جعل يجادلني في الدين، ولفهم أني لست نصرانياً ولا مسلماً ولا بوذياً ولا مجوسياً؛ بل أنا مسيحي بحت، وديني دين إنساني يصلح لكل أمة وكل قبيلة من الناس!
وليعلم الأستاذ أحمد أن الأناجيل لا تريه صورة خالية من الشوائب عن يسوع وحياته وتعاليمه.
وكنت أظن أني والأستاذ أحمد نعتقد عقيدة واحدة إذا جردنا الدين من الترهات والخرافات، والمعتقدات المخالفة للمعقول فإذا هو في واد وأنا في واد، فلا محل للجدال في الدين بيني وبينه وعسى أن تكون هذه الكلمة مقنعة له، وتغنيه عن تسويد الصفحات في دعوته لي إلى الإسلام.
أرجو أن يعلم بغض القراء عنواني إذا كانوا يجهلونه حتى لا يزعجوا إدارة مجلة الرسالة بتحويل رسائلهم إلي: 2 شارع البورصة الجديدة. القاهرة
نقولا الحداد
حسين شفيق المصري: (كتب أديبنا الكبير السيد مصطفى صادق الرافعي رحمه الله وصف هذا الصحفي القدير، وكان قد كتب هذه الكلمة منذ ربع قرن يقرظ بها جريدته (الناس))
(المنصورة)
محمود أبو ريه
الأستاذ حسين شفيق المصري الذي يمتع الأمة بهذه الصحيفة (جريدة الناس) ماجن ظريف، ولو تقدم به الزمن لتهاداه الملوك والأمراء، فقام على بساط منشدا، وجلس على آخر نديما، وتقلب على الثالث مضحكا. وعربد على رابع، وجلد على خامس - ولعل الله أخره إلى دهرنا رحمة به أن يأمر أحد الملوك فيملئوا فاه ذرا بعد أن فرغ من إنشاده المعجب المطرب - ويشره هو إلى الثروة والغنى فيفتح فمه إلى أقصى الحلق فتدخل اللآلئ وتخرج الحياة.
وهذا الأديب في عصرنا غنما هو بقية فن من أبدع فنون الدب، كما كان لا ينبغ فيه إلا عقول معدودة لا تقصر في حكمة الكلام عن غاية، ولا تتخلف في ظرف البلاغة عن شأو، ولا تجيء بما تأتي إلا على الأسلوب الذي يهز النفس من طرفيها، كأن الله قد وهبها سر القدرة على ما يعسر وما يؤلم فلا تتناول معنى إلا انشق لها عن فنون غربية تهديها إلى ما فيه من الضحك الذي لا ينكشف إلا للنفس الشاعرة، والتهكم الذي لا يظهر إلا للنفس الحكيمة، والمزاج الذي لا يبدو لغير النفس الظريفة. وما الشعر والحكمة والظرف إلا أسرار ذلك الأسلوب النادر الذي لا ينقاد إلا لأعقل العقول متى أريد به استخراج المعاني المجنونة من الطرب.
فالبلاغة الظريفة الماضية التي بعضها التي من سياسة وخز الإبر، وبعضها من سياسة الظهر والعصا. . . قلما تستجيب إلا للعقول المبتكرة التي خلقت متسلطة على النفوس من اقرب جهلتها، وهذه العقول لا تسرف القوة الأزلية في خلقها، بل هي حين ترحم الناس بهاو فتجعلها قليلة نادرة. وإنك لتجد أهنأ الضحك ذلك الذي ينفجر من القلب ولكنه إن طال انفجر القلب، ولست أعرف تلك العقول إلا في كبار رجال السياسة الذين يدبرون أمر الممالك، وفي كبار رجال الأدب الذين يدبرون أمر العواطف، وفي كبار رجال الفلسفة الذين يدبرون كل شيء ولا يدبرون شيئاً! فمن أي أولئك نعد (حسين شفيق) هذا الذي لو تألفت من رؤوس الأدباء صيدلية لطب الكلام لكان هو (دولاب السموم) فيها. . لا نعرف من أمثال كاتبنا هذا في تاريخ الأدب على تقادم الزمن إلا قليلين يسمونهم أصحاب النوادر، وقالوا إن المشهورين منهم: ابن أبى عتيق وأشعب وأبو الغصن وجحا وأبو العبر وأبو العنبس وابن الجصاص ومزيد المدني. وهم ثمانية، فإذا توسعنا وأضفنا إليهم الشعراء الماجنين أبا الرقعمق وصريع الدلاء وأبا الحكم الجاهلي والأسطرلابي وابن حجاج، فلا نكون قد زدنا في القليل إلا قليلا، فإذا استقصينا بغاية الاستقصاء وتممنا عليهم بأصحاب الأجوبة المسكتة كأبي العيناء ونظرائه، فلا نزال حيث كنا. ولا يذهبن عنك إننا لا نعد إلا المشهورين الذين أوتوا ملك النادرة لا بالرقاعة والحمق، ولكن بالأدب والبلاغة والشعر والحكمة وتوجيه كل ذلك إلى الجهة الضاحكة المسفرة من الحياة ثم إن لهذا الأديب بعد ذلك فضلا كثيرا على العربية إذ يمكن لها بين قرائه من العامة وهم ألوف كثيرة، وينشر الفكاهة بمقالاته القصيرة في أذواقهم وألسنتهم. ولا سبيل إلى إحياء العربية في هذا العصر إلا أن نجعل العامة أشبه بالعرب الملوحين لا ينكرون الفصيح ولا يأبونه لمكان طباعهم وإن كانوا لا يستطيعونه على وجهه لمكان ألسنتهم.
(فجريدة الناس) صحيفة من الصحف ولكنها مع ذلك ناموس اجتماعي عظيم دائب في ترقية الطباع والأذواق، ولو أن لها من القراء عدد من عندنا من العامة لكان ذلك من فضل الله علينا وعلى (الناس).
مصطفى صادق الرافعي
تعليق وتحقيق:
اطلعت في عدد (الرسالة) 798 على ما كتبه الأستاذ الداغستاني عن (شعوب القوقاز)، فرأيت أن أنقل كلمات في الموضوع من تعليق العلامة العبقري الشيخ محمد زاهد الكوثري في (ترجمة دائرة المعارف الإسلامية) العدد9 ج6 ص345:
إن الكتب المؤلفة في القوقاس والقوقاسيين إلى الآن غير كافية ولا شافية في الاطلاع على جلية أحوال تلك البلاد وأهليها لأن أمم جبل القوقاس كانوا أقوياء أشداء لا يسمحون للأجانب أن يطئوا أرضهم وديارهم، ولا أن يتوغلوا خلالها بعلة إجراء بحوث علمية، واستمر ذلك إلى سنة 1127هـ عام انهزامهم النهائي بعد حروب دامت نصف قرن، ولم تمض منذ ذلك التاريخ مدة تتسع لبحوث شاملة عنهم، ولا هناك حافز قوي يحمل الباحثين على تجشم المشاق في سبيل اجتلاء حقائق عن أمة باسلة قاربت حافة الفناء، ولذا نجد كلام من يتحدث عنهم من الأجانب لا يعدو حد الحدس والتخمين إلا في الندرة. وليس بمستبعد أن يأتي يوم يغوص فيه الباحثون على ما يتعلق بذلك الجبل، ولا سيما لهجات القبائل التي أنجبها عهد الجنس الأبيض القوقاسي المنتشر في بقاع الأرض، حرصا من هؤلاء الباحثين على تعرف صلة لغات أمم أوربة اليوم بلغات تلك القبائل القديمة.
والمعلومات الوثيقة عنهم هي ما في بطون الكتب المؤلفة في عهد الدولة الجركسية بمصر، لأنها مستمدة من أبناء القوقاس مباشرة في ذلك العهد. ثم إن لبعض الباحثين من أهل تلك الجهات بعض مؤلفات عن الجبل وقبائله تنير كثيرا من أحوال القبائل. وأبناء القوقاسيين لها أدوار تجب دراسة كل دور منها بعناية خاصة، منها ما قبل التاريخ الميلادي إلى أقدم عهد، ثم من أول التاريخ الميلادي إلى الفتح الإسلامي في عهد الفاروق، ثم القرون الإسلامية في العهدين الأموي والعباسي، إلى استيلاء المغول على القوقاس، ثم صلتهم بالدولة الأيوبية، ثم تأسيسهم الدولتين البحرية والبرجية بمصر، ثم صلتهم بالعثمانيين قبل استيلائهم على البلاد العربية وبعد استيلائهم عليها وصلاتهم بشتى الدول في القوقاس وغيره. وتلك مباحث متشعبة تتطلب جهودا جبارة. ومما يجب على من يريد الإلمام بذلك أن لا يهمل المصادر الصينية وما كتبه مؤرخو الصين عن اللان والهون، لأنه سبق للصينيين أن اتسعت رقعة حكمهم إلى الجهات الشرقية من بحر الخزر. وكذلك لا بد لمن يريد أن يعرف تاريخ القوقاسيين من الإطلاع على التواريخ القديمة التي ألفها مؤرخو بزانطة لأنها تشتمل على أخبار الأقوام الآسيوية القديمة الذين اجتازوا إلى أوربة عن شمال القوقاس أو جنوبه، وهؤلاء الزاحفون من الطريقين ما كانوا كلهم من عنصر واحد ولا كلهم أتوا من الشرق الأقصى أو من جهة الشمال، بل كان القوقاسيين الذين هم في طريقهم اثر مهم في توجيههم وقيادتهم حتى أصبحت أسماء قبائل المتزعمين على هؤلاء كأسماء لجميعهم، وها هي اللانة من أسماء جبل القوقاس فيما حكاه ملطبرون وخونيه قبيلة فرعية من القبائل الأربع للجراكسة، والآوار قبيلة في الجبل يقطنون فيه منذ قديم محتفظين بسحنتهم الخاصة ولهجتهم الخاصة وهم وايبر أخوان في عداد الآص.
محمد أسامة عليبة