مجلة الرسالة/العدد 798/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 798 الكتب [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 18 - 10 - 1948 |
الاسكندر الأكبر
تأليف الأستاذ أرثر ومجال
نحن اليوم نستقبل الصبح من نهضة فنية مباركة، تسرع شمسها نحو الشرق لتملأ الدنيا نوراً ودفئا، ونحن اليوم أشد ما نكون رغبة في دراسة سير الأبطال ممن جاد بهم التاريخ - والإسكندر رسيفااتتشخصية دائمة الدوي في أسماع الزمن، فلا يكاد التاريخ يحدثنا عن ملك اجتمعت له كل أسباب الشهرة كما اجتمعت للإسكندر، فلقد شغل الكتاب والمؤرخين، والباحثين، والعلماء في كل زمان ومكان، ومن هؤلاء من رافقه من المهد إلى اللحد، ومنهم من كان في ركابه لما خرج من مقدونيا غازيا فلم تعظم عليه أشد البلاد بأسا وعنادا، ومهم من اضطلع معه بشئون السياسة والإدارة فخبر أساليبه وما قدر لها من نجاح أو فشل، ومنهم من عنى بتدوين يومياته ومذكراته الخاصة وأقواله، فكان منهم المقسط وكان منهم المتحامل المتعصب الذي يرى فيه شابا حالفته الشهرة ولم يسمع لها سعيها وهو مؤمن على أنه يكد ينتصف القرن الأول الميلادي حتى نشر الاسكندر أربعة بحوث هامة كتبها ديودور الصقلي ويومي وأرفوس ولكن أرفاها كتبه بلوتارخ.
والمؤلف الذي بين أيدينا كتبه أستاذ كان مفتشا عاما للآثار بمصر وهو ممن تخصصوا في دراسة تاريخ حياة شخصيات التاريخ اللامعة، فنحن نعرف من مؤلفاته حياة أخناتون، الخاصة) وهو أمام الموحدين في العالم القديم، (وحياة كليوباترا الخاصة) فاتنة الأجيال، ونيرون ومارك أنطونيو. . . وهو يتناول سيرة الاسكندر يعنى بنسبه وموطنه، ويصاحبه طفلا غريراً، وفتى يافعا، وشابا طموحا، ومحاربا بطلا، وسياسيا فذا، وعاشقا متزنا، لا يصرفه الغرام عن الواجب وقائدا منصورا لا يدفع به الظفر إلى الإسراف في البطش.
ويشير المؤلف إلى النقطة التي بدأ عندها بحثه فيقول: بدأت بحثي من النقطة التي ظل يعتريها الغموض أجيالا طوالا فلم أرها واضحة كل الوضوح فيما قرأت من مؤلفات، تلكهي المشكلة ولادته. فلقد ظل يعتقد بأنه ابن للإله الإغريقي المصري (زيوس آمون). ولعل هذا الاعتقاد قد أضفى على شخصه لونا من القدسية ظلت عالقة في أذهان الناس قرونا بعد وفاته، ففي بعض بلدان العالم كان ينظر إليه كاله حق مبين. . . وفي بلاد الإغريق والرومان كانوا يعتقدون أنه الإله الثالث عشر لأسرة الأولميب، وتروى عنه أحاديث اليهودأنه كان خادما ليهوه المبشر بالمسيح، وصاحب عرش سليمان، والمسلمون يرون فيه بطلا وفقه الله ليحق الحق ويمحق الضلال، وفي بعض كنائس المسيحيين كانوا يعتقدون أنه واحد من قديسيهم متجاهلين بذلك السبق التاريخي.
وينتقل بنا المؤلف إلى صبا الاسكندر، ويوضح لنا كيف كان في صباه فارسا مشغوفا بالركوب والرياضة، مليئا بالثقة بنفسه، كثير النقد لكبار رجال الدولة، يطعن في تصرفاتهم، ويثبت اخطاءهم، وهي صفات يقول عنها رجال التربية اليوم إنها من صفات النجباء المبرزين.
ويوضح لنا المؤلف ناحية دقيقة من حياة الاسكندر وأبيه، والمجتمع الذي نشأ فيه، فيقول: (ويلحظ الأب على ابنه الصبي إمارات الأنوثة) - لا يخطئها الناظر إلى تمثال الاسكندر الشاب المحفوظ بالمتحف البريطاني - (فهو مليح المحبا، وضاح الجبن، تجري في وجهه الأبيض حمرة خفيفة رائعة كالتي يراها المرء على وجوه فتيات الإغريق) أعتاد أن يميل برأسه بلطف ورقة له عينان ناعستان جذابتان، يحب أشعار هوميروس حتى أطلقوا عليه (عاشق هوميروس). . . يهوى الموسيقى ويلعب بأنامله الرقيقة على أوتار القيثارة فيخرج بها أنغاما لينة ناعمة.
كان كل هذا مما يقض مضجع الأب، فقد كان أشد ما يخشاه أن يمس ابنه واحد من غلمان مقدونيا ممن يتسرى بهم رجال الدولة، ولو أنه هو نفسه كان أحد هؤلاء الرجال. ففكر ودبر، وهداه طول التفكير والتدبير إلى أن يدفع به إلى أيدي أرسطو ليؤدبه ويعلمه الفلسفة والحكمة والعلوم المعاشية.
ويصاحبنا المؤلف إلى جلسات التلميذ من أستاذه الفيلسوف ويبين لنا جانبا من تعاليم أرسطو للاسكندر، وكيف هضم الاسكندر هذه التعاليم وتشبث بها واستخدمها وصار يفضي بها للناس كلما حانت ساعة الإفاضة.
وفي سنة 335ق م كان الاسكندر قد بلغ الحادية والعشرين من عمره، وكان قد خلص من توحيد ممالك شبه الجزيرة تحت التاج المقدوني، وكان قد فرغ من حشد حملته التاريخية التي خلدت اسمه، وانطلق بها بغزو إمبراطورية الفرس في شرق الأرض.
ومن ادق ما صوره لنا الأستاذ ويجال في كلامه عن الاسكندر السنة الأخيرة من حكمه، فقد أحصى المؤلف على الاسكندر حركاته وسكناته، وساعاته ولحظاته، وأورد لنا نصوصا من خطبه في جنده المتمرد، وكيف تمكن بلباقته وحسن أدائه وسرعة خاطره من كبح جماحهم دون أن يذلهم، وكيف كان الرجل صاحب فكرة، فسلم يكن فاتحا تدفعه شهوة الفتح، ولم يكن ملكا يبغي الملك ويعشق السلطان، بل كان هذا وكان بدين بمبدأ الأخوة العالية والاندماج العنصري بين الشرق والغرب فاعد لجنوده حفلا كبيرا لتزويجهم من الفارسيات بالجملة، واتخذ له بطانة من قادة السيف والعلم من الفرس وقربهم إلى نفس فقرب إلى نفوسهم، واحبهم فعظم إخلاصهم له مما احقد عليه أجناده المقدونيون.
ويحدثنا المؤلف عن بناء الاسكندر لأسطوله العظيم في ثغور المشرق ليدور به حول أفريقيا ويعود من بوغار جبل طارق إلى الإسكندرية، فيكون قد كشف ما خفي من أقاليم العالم، ويتم له توحيدها تحت تاجه. وكان الأسطول يرقب يوم السفر حينما أصيب الاسكندر بالحمى - لعلها الملاريا - وألحت عليه العلة وهو يصارعها بما جبل عليه من حب الصراع. إلا أن الاسكندر قد رقد ولم يطل رقاده اكثر من ثلاثة أيام ودع بعدها الدنيا وهو اكثر ما يكون شبابا وحيوية وأملا في إقرار عدل عالمي، ما أحوجنا اليوم قبس منه. . .
والكتاب بحث من البحوث العلمية الدسمة، فهو لا يترك شاردة ولا واردة من حياة الاسكندر إلا أحصاها، وينقد المراجع القديمة والحديثة نقدا علميا منزها ويخرج بالقارئ برأي المؤلف واضحا لا غموض فيه، وهو كتاب تاريخ لمن يحب التاريخ، وكتاب أدب لمن يعشق الأدب، وصفحة بطولة ومجد وفخار تهوى إليها كل الأفئدة.