الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 791/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 791/الأدب والفنّ في أسبوع

بتاريخ: 30 - 08 - 1948


للأستاذ عباس خضر

مهزلة اليونسكو:

أخذت مسألة تأجيل انعقاد مؤتمر اليونسكو، جانباً كبيراً من اهتمام الهيئات العربية الثقافية في هذا الأسبوع، وهو اهتمام مشوب بعدم الارتياح إلى التصرفات التي بدت أخيراً نتيجة ألاعيب اليهود ومساعيهم للحيلولة دون انعقاد هذا المؤتمر في لبنان، فقد كان مقرراً أن ينعقد في أكتوبر القادم، ثم أجل إلى نوفمبر، وأخيراً تلقى معالي عبد الرازق السنهوري باشا وزير المعارف برقية من المستر هاكسلي مدير اليونسكو، يطلب فيها موافقة الحكومة المصرية على تأجيل المؤتمر إلى 10 فبراير سنة 1949.

واقترن كل ذلك بتحريض الدعاية اليهودية بعض الدول على الاعتراض على عقد مؤتمر اليونسكو بلبنان لأنه يؤلف أحد طرفي النزاع في الاضطرابات القائمة في فلسطين، وأبدت دول أخرى مخاوفها للحكومة اللبنانية التي أكدت أن المؤتمر سينعقد في جو آمن لا يخشى فيه أي ضرر؛ واقترن أيضاً طلب التأجيل الأخير بما نشر من أن دولة إسرائيل المزعومة طلبت تمثيلها في مؤتمر اليونسكو، ويظهر أنها وجدت صعوبة في السعي لإحباط عقد المؤتمر في لبنان، فحولت الاتجاه إلى طلب تمثيلها به مع العمل لتأجيله مدة طويلة تستطيع فيها أن تظفر بالموافقة على اشتراكها فيه. . ومن يدري ماذا يحدث بعد هذه الألاعيب، وماذا يتلوها من رغبات إدارة اليونسكو؟.

وقد أولى معالي وزير المعارف هذه المسألة ما تستحق من العناية، فاجتمع بوزير لبنان المفوض في مصر، ثم رأس اجتماع المكتب الدائم للجنة الثقافية بالجامعة العربية يوم الخميس الماضي، ونظر المكتب في هذا الموضوع ثم قرر أن يعرض الأمر على اللجنة الثقافية في اجتماعها بلبنان يوم 28 أغسطس الحالي، لتقرر موقف الدول العربية من مؤتمر اليونسكو، وسيمثل مصر في هذا الاجتماع وفد مؤلف من رجال وزارة المعارف برياسة وكيلها الأستاذ محمد شفيق غربال بك.

ويلاحظ من قرار المكتب الدائم أن المسألة لم تعد قبول التأجيل المطلوب أو عدم قبوله فحسب، بل أصبحت (موقف الدول العربية من مؤتمر اليونسكو) إزاء ما أثير حوله لاجتماعه بلبنان وما نشأ عن ذلك من تكرر التأجيل.

هذا ولم ينس الناس بعد ما أعلنته هذه الهيئة الثقافية الدولية من أن أول أغراضها القضاء على أسباب الحروب في العقول بالتقريب الفكري بين أمم العالم، ولكنها منظمة من منظمات هيئة الأمم المتحدة، فلم يستطع المشرفون عليها أن يقضوا على المطامع السياسية والمصالح الاستعمارية في عقولهم وهم الذين يريدون أن يقضوا عليها في عقول سائر الناس!.

ثم ما هي جدوى اليونسكو، ومؤتمراتها وقراراتها في هذا العالم المضطرب؟ وأي دولة من هذه الدول المتنافسة المتشاحنة ستنفذ توصيات اليونسكو؟ وماذا تجنيه الأمة العربية من هذه الأعمال الخيالية العقيمة؟ لقد أعدت وزارت المعارف بالدول العربية وخاصة مصر تقريرات مستفيضة عن تقدم التعليم في بلادها وأخذها فيه بأحدث الوسائل وغير ذلك، لتلقى في مؤتمر اليونسكو فيسمعها ممثلو الغرب بآذان من طين وعجين.

لقد أحسنا الظن بهؤلاء (اليونسكيين) إذ صدقنا خلوص نياتهم في العمل الثقافي الذي يهدف إلى السلام، وأردنا أن نتعاون معهم، ولكن هاهم أولاء يتأثرون بالمساعي الصهيونية، وقد يقبلون الدولة المزعومة، فالأولى بنا أن ننظم شئون ثقافتنا بيننا ونكرس لها جودنا في داخل البلاد العربية. وليأخذوا مؤتمرهم إلى حيث يشاءون.

بعد كتابة ما تقدم وإعداده للطبع جاءت الأنباء الأخيرة بأن مجلس اليونسكو التنفيذي قرر قبول إسرائيل (المزعومة) في مؤتمر لبنان بصفة عضو مراقب إذا طلبت ذلك، وذلك بناء على طلب مندوب الولايات المتحدة.

الصعلكة:

كان الدكتور زكي مبارك، في (البلاغ) يوم الاثنين الماضي، ينتقل من موضوع إلى موضوع - كدأبه في (الحديث ذو شجون) - حتى جاء ذكر الشاعر البائس عبد الحميد الديب، فقال الدكتور إنه ألقى كلمة في حفلة تأبين الديب قال فيها: (إن الأديب من الوجهة الشخصية لا يهمني ولكن إقامة مناحة على شاعر احترف الصعلكة توحي إلى الناشئين أن الصعلكة من شروط النبوع الشعري. وهذا لا يجوز).

والدكتور زكي مبارك كاتب عربي مبين، وهو يكتب دون تمهل ولا روية، لأن البيان صار فيه سجية، كما قال عن نفسه ذات مرة، وهو إلى هذا واسع الاطلاع، وذخائره أكثر مما تحويه صفحة صفحة (الحديث ذو شجون) على كثرةما تحوي.

ولذلك عجبت من أن يستعمل (الصعلكة) كما وقعت في عبارته السابقة، استعمالاً يجعل من مدلولها الضعة والتسكع، مجارياً في هذا ما شاع على ألسنة غير المحصلين. فالصعلوك هو الفقير، وليس بلازم أن يكون الفقير حقيراً. ومن الغريب أن الاستعمال الشائع لهذه الكلمة الآن على عكس ما كان يطلقها العرب قبل الإسلام على طائفة من الفتاك المعدودين المقدمين، كانوا يسمونهم (الصعاليك) ومنهم الشعراء المبرزون كالشنفري وتأبط شراً والسليك بن السلكة وعروة بن الورد الذي كان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم وكانت غزواتهم هي السطو على أحياء العرب للسلب والنهب، ولهم في ذلك أخبار وقصص عجيبة، يقوم جانب منها على ما عرف به بعضهم من المهارة في العدو. وكان هذا مظهراً من مظاهر الفتوة والوجاهة في الحياة الجاهلية.

ولا شك أنه يصح أن يقال إن الشاعر عبد الحميد الديب كان صعلوكا، بمعنى فقير، ولكن الذي يقصده الدكتور زكي مبارك هو المعنى الشائع على ألسنة المعاصرين، كما يدل تعبيره (احترف الصعلكة، فالفقر لا يحترف. وقد عنيت بمناقشة الدكتور في ذلك، لأنه من أئمة الجيل، وتعبيره هذا يوحي إلى الناشئين أن الصعلكة هي الضعة والتسكع. وهذا لا يجوز. . .

استهداء الكتب:

كتب الأستاذ أحمد الصاوي محمد بأخبار اليوم، معلقاً على كتاب ورد إليه من المجلس البلدي بكفر الزيات يستهديه فيه كتبه للمكتبة التييزمع إنشاءها، ففند هذا المطلب، وقال: (ففي كل يوم تستهدينا كتبنا المجالس البلدية والمحلية والأندية الرياضية والجمعيات الثقافية والأدبية، ولو كانت كتبنا كالجميز لا فتقرنا وشحذنا من إهداء كل هذا الجميز وتوزيع كل هذا الترمس. . . مجاناً!!).

والأستاذ الصاوي محق في هذا من غير شك، وخاصة فيما يتعلق بالهيئات الحكومية التي تطلب الكتب من مؤلفيها بالمجان، وهي تعتمد الاعتمادات وتنفق الأموال في كل وجه وتريد أن ترزئ المؤلفين في مؤلفاتهم التي سهروا الليالي، وبذلوا من أعصابهم، وسكبوا عصارات أفكارهم، في تأليفها، ثم أنفقوا على طبعها ما يرجون أن يجمعوه على الأقل من ثمن النسخ.

فهذه المجالس البلدية والمحلية التي تسخو في الاستقبالات وإعداد الاستراحات والمرفهات - تقبض يدها عن المؤلفين وتبسط لهم يد التظرف بالثناء والاستهداء، كأنها تحسب أن المؤلف لديه ضيعة تنبت فيها الكتب بغير حساب.

ويظن هؤلاء المستهدون أنهم يقدرون المؤلف تقديراً أدبياً باستهداء كتابه، فإذا كان الأمر كذلك فكل الناس مستعدون (لبذل) هذا التقدير الذي لا يغني من جوع. . . وهل تستطيع أن تطلب من مصنع - مثلاً - شيئاً من مصنوعاته وتدفع ثمناً له تقديرك لدقة صنعه ومهارة صانعه؟.

التمثال والإبريق:

تلقيت الكتاب التالي من الأستاذ إسماعيل كامل رئيس قلم المناقضات بوزارة المعارف:

(. . . وبعد فقد سبق لشخصي المتواضع أن كتب أقصوصة بمجلة مسامرات الجيب الصادرة في 15 يونية سنة 1947، بعنوان (دش بارد).

(وكان اغتباطي شديداً وممزوجاً بالأسف المر عندما وجدت بمجلة الثقافة الصادرة في 23 مارس سنة 1948 أن هذه القصة بالذات تقدم بها الأستاذ محمد أمين حسونة في مباراة القصة القصيرة في مهرجان الشباب لسنة 1948 فنال بها الجائزة المالية الأولى. وكان اغتباطي لتقدير لجنة التحكيم (حامل) قصتي وإيثاره بالجائزة الأولى. . . وهأنذا أرفق كتابي بعددي الثقافة والمسامرات لعل الحقيقة تحظى بمناصرتكم، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانوينة من ناحيتي).

قرأت هذا الكتاب، ونظرت إلى المجلتين المصاحبتين له، فرأيت قصة (دش بارد) بالمسامرات تتلخص حادثتها في أن شاباً أراد أن يبعث إلى خطيبته بهدية في عيد ميلادها، وحار في ذلك لقلة نقوده. . . ثم رأى بمحل تماثيل تمثالا مهشما إلى أربع قطع، فخطرت له حيلة. . . اشترى التمثال وأخذه من البائع بعد أن لفه، وأرسله بالبريد إلى خطيبته، مقدراً أنها عندما تراه مهشما تعزو ذلك إلى إهمال عمال البريد. ثم حرص الشاب على أن يكون عند فتاته وقت وصول الهدية. ولكن حدث عندما وصل (الطرد) أن فتحته الفتاة فوجدت به أربع قطع وقد لفت كل قطعة في ورقة منفصلة! فامتقع وجه الشاب عندما أدرك سخافة البائع الذي أسرف في الحرص فأضاع سعادة خطيبته وكرامته).

ورأيت بالثقافة مقالا للأستاذ عبد الله حبيب، كتبه عن مباراة القصة القصيرة في مهرجان الشباب، وقد أتى في على ملخص القصة الفائزة بالجائزة الأولى للأستاذ محمد أمين حسونة، وعنوانها (البغل والإبريق) لأن الكاتب قد حول التمثال المحطم إلى إبريق محطم أيضاً، ولكنه ثلاث قطع، وكل قطعة لقت على حدة، كما حدث في قصة (دش بارد).

ولست أدري لم (يزعم) الأستاذ إسماعيل كامل أن قصة (البغل والإبريق) هي قصته، وقد غير كاتبها العنوان وجعل التمثال إبريقاً، وجعل أربع القطع ثلاثا! وليس هذا فحسب، بل استبدل بالخطيبة ابنة رئيس الشاب في المصلحة التي يعمل فيها، ووفق أيضاً في تغيير المناسبة من عيد ميلاد إلى زفاف!!.

أفيصح بعد كل تلك (التغييراتالفنية) أن يقول الأستاذ إسماعيل ما قال ولا يتسامح فيما عدا هذه التغييرات من اتحاد في الهيكل والعقدة. .؟.

أصعب عليه أن يثني الأستاذ عبد الله حبيب علي قصة (البغل والإبريق) بقوله: (وقد امتازت هذه القصة بالبساطة في عرض وقائعها وتصوير أشخاصها، مع دقة التعبير واتساق الفكرة وربط أجزائها وحسن حبكتها والحرص على تشويق القارئ والاتصال بفكره) وهو خالي الذهن من أن لهذه القصة أصلا ثابتاً في المسامرات كان هو الأولى بالثناء. . . والجائزة. . .؟

هون على نفسك يا صديقي، ولا يخف عليك أن المسامح كريم. . .

رسالتان:

الأولى من الأستاذ حسن أحمد با كثير، صاحب (نشيد جهاد فلسطين) الذي استحسنته اللجنة الثقافية بالجامعة العربية فقررت تلحينه وإذاعته. وقد لحنه قسم الموسيقى بالجامعة الشعبية منذ شهور، وسمعناه هناك في حفل أقيم للجنة الثقافية، فنال ما هو جدير به من الاستحسان تأليفاً وتلحيناً. يقول صاحب النشيد في رسالته: إلى إن أشهراً كثيرة مضت على ذلك حدثت في خلالها أحداث فلسطين المتعاقبة (ومع ذلك لم يفرغ الملحنون بعد من تلحين هذا النشيد، ولم تحاول الإدارة الثقافية بالأمانة العامة دفعهم إلى الإسراع في تقديم اللحن لإذاعته، ولا أدري متى ينتهون من التلحين ومتى يذاع النشيد إن لم يذع في هذه الأيام).

والأستاذ با كثير يظلم الإدارة الثقافية، لأن النشيد قد لحن فعلا كما ذكرت منذ مدة طويلة، وقد أرسلته إلى إدارة الإذاعة لإذاعته، ويظهر أنه استقر في (كهف) هناك يحرسه كلب باسط ذراعيه بالوصيد. . . ويظهر أيضاً أن الأخ با كثير ليس له صلة بأحد في الإذاعة، ليوقظ له نشيده من سباته.

والرسالة الثانية من (المخلص فتحي. اليسانس الحقوق) يبدي فيه إعجابه بفكرة إنشاء معهد للدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بالاسكندرية، ولكنه يأسف لعدم استطاعته كغيره من المقيمين في القاهرة الراغبين في هذه الدراسات، أن يحققوا رغبتهم، ويقول: (إنني باسم الكثيرين ممن يريدون الالتحاق بالمعهد ولكن ظروفهم تمنعهم من ذلك، أقترح على حضرتكم أن تنادي بضرورة افتتاح معهد ممثل يكون تابعاً لكلية الآداب بجامعة فؤاد).

وطلب السيد فتحي جدير بالتحقيق، وأعتقد أن الأمر سيأخذ مجراه كما يريد، أي أن معهد الإسكندرية سيكون تجربة تنتفع منها جامعة فؤاد بالقاهرة، وإن كان معهد القاهرة سيتأخر ميلاده عن معهد الاسكندرية، ونتوجه برغبة هؤلاء الشباب المتطلعين إلى الاستزادة من الدراسات الاجتماعية - إلى عميد الآداب بجامعة فؤاد، ليعمل على إنشاء المعهد المأمول في أقرب وقت مستطاع.

عباس خضر