مجلة الرسالة/العدد 79/الكتب
→ البريد الادبي | مجلة الرسالة - العدد 79 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 07 - 01 - 1935 |
جبران خليل جبران
تأليف الاستاذ ميخائيل نعيمة
يقع في 307 صفحات من القطع الكبير، ثمنه عشرون فرنكاً ذهباً يطلب من المؤاف في بكننا لبنان، ومن المكاتب الشهيرة في الأقطار العربية وفي مصر من مكتبة الهلال
هذا كتاب من كتب التراجم، أخرجه للناس كاتب له في الشرق العربي مكانة، يحلل فيه حياة صديق عزيز عليه، وهذا كما نرى موقف من ادق المواقف التي يصادفها أديب، إذا أراد أن يتوخى الانصاف فلا يظلم صاحبه ولا يظام التاربخ. ولفد أحس المؤلف دقة موقفه كما يتضح في مقدمة كتابه، وعلى هذا الأساي سأبني رأيي في نقد ذلك الكتاب
ويحسن اولاً أن أعطي القاريء فكرة عامة عن تقسيم الكتاب وطريقة السير في موضوعه، ولست أسير في التقسيم حسب أبوابه، بل لقد أحسست بعد قراءته أنه أقسام عامة أولها: حياة جبران قبل أن يعرفه المؤلف، ثم حياتهما معاً، واخيراً نجد ملحقاً في ذيل الكتاب غن وصية جبران ورسائله الى المؤلف وتخليده، وغير ذلك مما حدث بعد موته
فالكتاب كما ترى وصف حياة رجل من أولها حتلا خاتمتها. وفي كتب التراجم إما أن يكون المؤلف غريباً عما يكتب عنه، أو صديقاً له. بيد أن هذا النوع من التأليف أو هذه الناحية من نواحي الكتابة تسير أو ينبغي أن تسير في أساسها وجوهرها وفق ما اصطلح عليه الأدباء في هذا الباب الذي يعتبر في ذاته فناً من فنون التابة كسواء من الفنون، مثل القصص والروايات المسرحية، وكتب النقد وغيرها
يبدأ المؤلف في كتب التراجم عادة بوصف الأسرة التي ولد منها صاحب الترجمة، كصورة لبيئته المنزلية وما قد يختلط بدمه من وراثة، ثم يأخذ في وصف بيئته الطبيعبة والاجتماعية مصوراً طفولته وأخلاقه في تلك الفترة وما يلقي من تربية، وما كان من أثرها في حياته المستقبلة، ثم يتدرج به في مراحل الحياة في تسلسل متصل ووحدة مترابطة الى ما صدافه من حوادث، مبيناً علاقتها بفنه وأثرها في توجيهه، وفي ضوء ذلك كله يحلل آثاره موضحاً ما فيها من تأثر بما سلف، على أن يكون أساس ذلك كله الحقيقة لا الخيال. فالاسناد الصحيح القوي في كتب التراجم عنصرها الجوهري، ولاسيما إذا المؤلف أن يقو رأيه في آثار صاحبه وفيما تخلل حياته من قوة أو ضعف، فليبتعد عن التحيز إن أراد الكمال
وبعد، فماذا رأيت في كتاب الأستاذ ميخائيل عن صاحبه المرحوم جبران خليل جبران؟. مضيت في قراءته فاذا بالمؤلف يسير فيه على نهج غريب، حتى لقد كنت أحسبني في القيم الاول حيال قصة لا حيال شخص معروف، فلقد أحاطني المؤلف بجو من الخيال تحت عنوان خيالات بشرى، وراح يصف لحظة مولد جبران، وما كان من أعمال أبيه وأقوال أمه وأقوال الجيران في تفاصيل تغيب حتى على من يرى رأى العين، ثم يطير بي إلى مدينة كولومبيا بأمريكا، فيصف لي فتاة تحلم في نومها، ويصف حلمها كأنه هو الحالم! ثم يعود الى بشري فيعرض لي بعض صور من طفولة جبران ومن حياة أسرته، ولكن عليها جميعاً ابع الخيال، فتفاصيلها لايمكن أن يلم بها إلا شخص يتحدث عن تفسه، على أن يكون قوي الذاكرة الى أقصى حد؛ ومن أمثلة ذلك وصف والدة جبران (ص20) وحكاية بائع الزيت (ص23). وما لي أورد الامثلة، وهذا القسم الاول من حياة جبران قبل أن يعرفه المؤلف عبارة عن قصة خيالية؟ ولقد كان المؤلف وهو يصف حياة جبران وهو بوسطن، يتقل اليك نتاجيه وخلجات حسه، ونزعات قلبه، وانفعالات نفسه، كمن يكتب مذكرات لساعتها عن نفسه. خذ لك مثلاً حواره مع أبيه (ص32)، وزيارته للفنان (ص33)، وخلوته مع المرأة التي دعته إلى منزلها (ص40)، ومناجاة نفسه (ص47)، وهو يكتب مقالاً ويصححه (62)، وأثناء عرضه صوره وعلاقته بماري الفتاة الحالمة في أول الكتاب وهي الآن مديرة مدرسة، وعلاقته بميشيلين، وغير ذلك من عزلاته وهواهسه. . . الخ
وما أظن أن عرض هذا الجزء من حياة جبران على مثل تلك
الصورة الخالية، وما فيها من براعة ومن وراء، متفق مع ما
يتبع في كتابه التراجم أو باعث في القلب ما تبعه الحوداث
التي يدعمها الأسناد والرواية، وتطلبها الحقيقة من الأهتمام
والعناية. هذا إلى أن المؤلف في تلك الفترة من حياة جبران لم يعلق على ما فيها من مواقف، وما كان لحوادثها من أثر في
مستقبله، ولكن ما حاجته إلى التعليق؟ بل كيف يتسنى له ذلك
وقد صور لنا جبران كما لو كان جبيران يحدثنا عن نسفه؟
وبذلك تخلص من عرض رأيه في صاحبه
ومما يلاحظ على هذا القسم من الكتاب أن الرابطة فيه ضعيفة، وقد ذكرت فيه بعض الحوادث دون أن يفهم القصد من ذكرها، فلم تكن للتبسيط أو للتحليل أو لبيان العلاقة بين المترجم له وبين الحياة
أما في القسم الثاني من الكتاب عند ما صحب المؤلف جبران، فانك تحس بجو من الحقيقة ويبتعد عنك الخيال القصصي، ويحدثك المؤلف عن جبران كما رآه في عدة مناسبات، وتبدأ تهتم بحياة جبران وآثاره، وتتضح لك شخصيته فتزداد معرفة به، وان جهلت الظروف التي كونته هذا التكوين، اللهم إلا ما كان من تأثير (نيتشه) فيه، وهو ما شرحه المؤلف في آخر القسم الأول.
على أنك في هذا القسم الثاني من حياة جبران لن ترى المؤلف يحدثك عن رأيه في صاحبه من الناحية الأدبية أو الخلقية، ولا تجد منه مناقشة جدية لآثاره ومقدار قيمتها، بل تراه يقتصر على ذكرها دون تعلي، إذا استثنيت وصفه لكتاب (النبي) وإظهار أثر نيتشه فيه، وقراءة قصيدته التي جاء ذكرها في (ص160) معه، وحتى في هذين ترى الأعجاب يغلب على النقد النزيه
لكنني كما قدمت أحس بدقة موقف الأستاذ ميخائيل بالنسبة إلى حياة صديقه جبران؛ على أني أتساءل هل أنصف صاحبه وعرضه على الناس كما هو على حقيقته، أم أحاط شخصيته بشيء من الغموض؟ ولست أعرف إلا أن طريقته التي سلكها من الصعب أن توفي بغرضه، وهل يتفق ذلك مع ما جاء في مقدمته (ألفت هذا الكتاب على أمل أن يطالع القاريء من خلال فصوله صورة جبران كما عرفته لا (تاريخ) حياته الذي لا يعرفه أحد)؟
ولئن اختلفت مع الأستاذ نعيمة في طريقته، فاني معجب بمقدرته في الوصف، وقوته في تحليل العواطف النفسية، ورسم الخواطر الذهنية، وقوة روحه التي خلصت الكتاب على طوله من الفتور، وجعلني أقلب صفحاته في شغف ولذة، ولن أنسى دقة أسلوبه ومتانة نسجه، لولا هناتت ما كنت لأشير إليها لولا أنها علقت بهذا الأثر النفيس، ومنها بعض المجازات الغريبة كتعبيره عن الموت بالغور في رحم الزمان (ص17) ووصفه الخالق بأنه (الحائك الأبر قد التقط بمكوكه العظيم خيطي حياتهمت من جديد) (ص68)، وكوصفه القاريء بأنه يمضغ الكتاب بعينه وروحه (ص101)، وما استعمله عن الفلس من المجازات (ص123)، وكقوله في (ص215) يحفزها تنين النسيان ويطويها غربال الزمان. . . وسواها من الأخيلة غير المألوفة، والقياسات الشاذة كجمعه سؤال على سؤالات وكأستعماله لفظ اندلق للقهوة بدل أن يقول انسبت مثلاً
على أنني كما ذكرت ما كنت لأغرض لهذه الهنات لولا صدورها من أديب له مكانة كالأستاذ ميخائيل نعيمة