الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 788/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 788/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 788
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 09 - 08 - 1948


أزهري في السوربون:

مما يذكر لمصر عامة وللأزهر خاصة مقرونا بالفخر والإعجاب اليوم الثالث من شهر يولية سنة 1948 م ففي هذا اليوم شهدت باريس لونا من ألوان النبوغ المصري، وشاهدا من شواهد التطور العلمي في الأزهر الحديث؛ ففي قاعة (ريشيليو) الكبرى بالسوربون نوقش فضيلة الأستاذ الشيخ محمد يوسف موسى أستاذ الفلسفة في الأزهر الشريف، لنيل درجة (دكتوراه الدولة في الفلسفة)؛ وقد تقدم الأستاذ موسى إلى تلك المناقشة برسالتين، الأولى موضوعها (الدين والفلسفة في رأي ابن رشد، وفلاسفة العصر الوسيط) وموضوع الثانية (التوجيه الفلسفي، أو ما بعد الطبيعة في القرآن). وكانت لجنة المناقشة والامتحان مكونة من خمسة أساتذة من السوربون والكولج دي فرانس كما هو المتبع دائما في دكتوراه الدولة. وقد رأس لجنة المناقشة البروفسور ليفي برفنسال، وشهد الامتحان أيضا الدكتور طه حسين بك، كما شهده أكثر من مائتي طالب مصري من طلبة البعثات في فرنسا، وكان الأستاذ موسى موفقا كل التوفيق في عرضه لنظريات رسالتيه ودفاعه عن آرائه فيهما، استمرت المناقشة خمس ساعات كاملة، ثم أعلنت اللجنة الأستاذ موسى قد نال درجة دكتوراه الدولة في الفلسفة بدرجةمشرف جداً والدرجة التي نالها الدكتور محمد يوسف هي أعلى درجة تنحها السوربون.

وعقب الامتحان أقبل أصدقاء الدكتور موسى من المصريين والفرنسيين يهنوئنه على ذلك النصر العلمي الباهر، وأشاد الدكتور طه حسين بك بفضله كثيرا في تلك البرهة. وقد دعت السوربون الدكتور موسى لإلقاء محاضرات عن فلسفة التشريع الإسلامي في القرآن باللغة العربية.

ألا إن هذه يوم من أيام الأزهر المشهودة، وإذا كنا نزف التهنئات إلى الدكتور محمد يوسف موسى على ذلك التوفيق الرائع، فإننا نسأل الله أن يعيده قريبا إلى جامعته الإسلامية الكبرى حتى يشارك مشاركة قوية في السير بها إلى الأمام.

أحمد الشرباصي

المدرس بمعهد القاهرة الثانو أحسن ما قيل في كلمة أشياء

حكي أن بعض النحاة سئل عن كلمة أشياء فتظرف، وقال: (إني لا أخالف قول الله تعالى: (لا تسألوا عن (أشياء.) وما تظرف هذا النحو، وأجاب بهذا الجواب ألا وهو يرى أن النحويين - وإن كانوا أجمعوا على منع صرفها - في حيرة من أمر جمعاء، وأمر تعليل منع صرفها.

وقد روى العلامة المحقق شهاب الخفاجي في كتابه طراز المجالس في مبحث هذه الكلمة - وذلك بعد أن نقل عن النجاة إجماعهم على أنها ممنوعة من الصرف. وتعليلاتهم لذلك - روى الخفاجي: أن أحسن ما قيل فيها، وعد أقرب إلى الصواب هو ما قاله الكسائي، وأنها جمع شئ كفرخ، وأفرخ وترك صرفها لكثرة الاستعمال بشبيها بفعلاء أي بألف التأنيث الممدودة، وقد يشبه الشيء بالشيء فيعطى حكمه كما شبه (أرطى) بألف التأنيث الممدودة فمنع صرفه في المعرفة.

ولعل الكسائي يريد بكثرة الاستعمال الوارد في تعليله - أن كلمة أشياء وردت قراءتها هكذا عن الرسول بغير تنويين مجرورة بالفتحة، وأنه ليس بد من استعمالها هكذا في هذه الحالة؛ إذ كل النحاة مجمعون على أنها غير مصروفه وإنما اختلفوا في التعليل وعدم اهتدئهم إلى تعليل صحيح لا ينفي أن منع الصرف موجود.

وإلى هنا يتبين أن الأستاذ البشبيشي - في ارتيائه ما رأى من صرف الكلمة - قد خالف إجماع النحاة دون مبرر قوي. فضلا عن أنه تلكف في التعليل. وعرض علينا تعليلاتهم لهذه الكلمة مقتضبة اقتضابا لا ينقع غلة.

وإذا ثبت أن النحاة مجمعون على أن كلمة أشياء غير مصروفة، وأن الكسائي علل منع الصرف بأنها شبه فعلاء، وقوى ذلك بكثرة الاستعمال، وعرفنا ما المراد بهذه الكثرة - إذا ثبت هذا فقد سقط استدلال الأستاذ البشبيشي بالقياس على كلمة أفياء.

وإنه ليبدو لي - بعد ما سبق - أن أسال الأستاذ عن هذه الكلمة في الآية القرآنية؛ فقد وردت كلمة أشياء في الآية مسبوقة بحرف جر. وهو عن، فلم ضبطت الهمزة الأخيرة بالفتحة! أليس هذه يدل - دون احتياج إلى كثرة تعليلات، لا داعي لها - أن كلمة أشياء اسم ممنوع من لصرف جر بالفتحة كما هو المعهود فيه لسبب - من الأسباب المعتبرة في المنع.

على أنه لو كانت أشياء مصروفة كما يرى الأستاذ لضبطت الهمزة الأخيرة - على الأقل - بالجر من غير تنويين هكذا: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوئكم) وكان هذا كافيا في التناسب، والانسجام مع محيطها في الآية الكريمة. وكنا وكان النحاة من المسلمين بصرفها، وما أجهدو أنفسهم، وأعتنوها هذا الاعتناء الطويل.

ولكن - يا سيدي الأستاذ - كل هذا لم يكن، وإنما الذي كان هو أنها جرت بالفتحة، ودل ذلك على أنها ممنوعة من الصرف، ولأي سبب كان المنع؟ ذاك هو ما أوقع النحاة في حيرة وجعلهم يختلفون في أصل جمعها ويذهبون مذاهب شتى في تلعيل منع صرفها، وإن كانوا اجمعوا على منعها من التنوين

محمد غنيم

حول بيت:

قال الأديب: أو قرأت قصيدة الجارم بك في (فلسطين) حين يقول:

عشنا أعزاء ملء الأرض ما لمست ... جباهنا تربها إلا مصلينا

ثم أو قرأت من قبل قصيدة شوقي - رحمه الله - في أندليسته حين قال:

لفتية لا تنال الأرض أدمعهم ... ولا مفاقهم إلا مصلينا

قلت: قرأت وعلمت ما تعني، ولكن ما قولك أنت في قول القائل:

وقوفاً بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد

وقول الآخر:

وقوفا بها صحبي على مطيهم ... يقولون تهلك أسى وتجمل

قال الأديب أن ما قاله الرواة والشعراء في أمر البيتن صحيح وأن كلا من الشاعرين صادق في قوله، أمين في نظمه، لم ينقل أحدهما عن الآخر، ولكنهما صدرا عن مورود واحد بمعنى واحد

قلت: إذا كان هذا هكذا فما بالك تشك وتشكك القارئ معك في بيت الأستاذ الجارم وهو من هو؟ أو كانت جملة (إلا مصلينا) تلك وقفا على أمير الشعراء دون أشعر الشعراء؟

وإذا كان بعض النقاد - قديما وحديثا - قد تجاوزوا في اتفاق بيتين معنى ومبنى؛ فكيف يصح الحجر على اللفظ وهو أداة التعبير والأداء؟!

وبعد، فالنقد تذوق وليس تبشدق وتفيهق، ولا هو رجم بالغيبأو تعلق بالشبهات وللشبهات حدود.

الزيتون

عدنان

لا تسألوا عن أشياء:

في العدد السابق من مجلة الرسالة الغراء كتب الأستاذ محمود البشبيشي كلمة عن (أشياء) وأشار إلى اضطراب آراء النحاة في أسباب منعها من الصرف، وانتهى إلى أنها وردت ممنوعة من الصرف في قول تعالى: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) بآية 101 من سورة المائدة حتى لا تقع (إن) بعد الهمزة المكسورة المنونة فتتوالى (إن) مرتين، والأستاذ لا يرضى ذلك بحجة أن القرآن وهو المثل الأعلى للبيان الرفيع لا يجيز هذا التعبير.

فإليه قول الله تعالى: (وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون) في آية 15 من سورة يس، وقوله تعالى: (وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلى في ضلال كبير) في آية 9 من سورة الملك، وفي كلتا الآيتين جاءت (إن إن) بهذا التكرار المقبول الخفيف على اللسان (من شئ إن انتم. . .)

ولهذا تبقى كلمة أشياء - كما كانت - ممنوعة من الصرف لأحد الأسباب المدونة بكتب النحو، وقد وردت كلها باختصار في (حاشية تفسير الجلالين) للجمل عند شرح آية (لا تسألوا عن أشياء. . .) خلافا لما يتوهمه الأستاذ ولما يراه، وهو مجتهد في اللغة له أجر على خطئه غير المقصود!

أحمد أحمد العجمي