مجلة الرسالة/العدد 787/الأدب والفن في أسبوع
→ نشد (إلى الأمام) | مجلة الرسالة - العدد 787 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 02 - 08 - 1948 |
علماء الدين والفن:
طلب إلى فضيلة الشيخ الجامع الأزهر، الموافقة على استخدام فرق المسرح الشعبي في الدعاية الدينية، وذلك بإدخال الموضوعات التي يتناولها الوعاظ في الروايات التي تمثلها هذه الفرق، فلم يوافق فضيلة الأستاذ الأكبر على ذلك.
قرأت ذلك الخبر في الصحف، وقرأت إلى جانبه أن الشيخ محمود أبو العيون لبى دعوة زوجين من ممثلي السينما، فتناول طعام الإفطار على مائدتهما، وأرشد الزوجة إلى بعض الأمور الدينية وقد نشرت مجلة (الاثنين) صوراً لفضيلته معها، إحداها وهي تنصت لقراءته آيات من القرآن الكريم، وواحدة وهو يؤمها في الصلاة، وثالثة في الشرفة ينتظران غروب الشمس، ولم تهملالممثلة في أثناء ذلك زينتها وخاصة صبغ شفتيها باللون الأحمر. . . وقد حسبت أول ما وقعت عيني على هذه الصور أنها مناظر من فلم جديد. . . ثم قرأت في مجلة (آخر ساعة) بتوقيع (الشيخ العزيز علوان) أنه لقي الشيخأبو العيون وهو خارج من صالة العرض السينمائية في وزارة الداخلية، فقال له: (لقد شاهدت اليوم الفليم المصري الأول الذي يستطيع أن، يفخر به كل شرقي) وذكر اسم الفلم وبعض أبطاله. .
وهكذا ترى موقف كل من الشيخين الكبيرين من عالم المسرح والسينما، مخالفاً لموقف الآخر، ولا بد أن لكل من فضيلتهما وجهة نظرة، ولكنها على أي حال بمفارقة من المفارقات التي لا تخلوا من طرافة.
ومفهوم طبعا أن المنشور في آخر ساعة بتوقيع الشيخ عبد العزيز علوان، يقصد منه الإعلام عن الفلم الذي تناول الشيخأبو العيون طعام الإفطار على مائدة بطله، وهنا شئ طريف ينبغي تسجيله، وهو استخدام اسم عالم كبير من علماء الأزهر في الإعلانات السينمائية. . . وهو (تقليعة من تقاليع) مصر التي تبذ يها هوليود!
معهد للدراسات الاجتماعية:
قررت جامعة فاروق الأول بالإسكندرية إنشاء معهد جديد للدراسات الاجتماعية، يلتحق به الراغبون في هذه الدراسات من خريجي كليات جامعتي فاروق وفؤاد، على أن يكون الطالب قد درس في جامعة أو معهد عال علم الاجتماع أو علم النفس أو التربية الاقتصاد الاجتماعي أو الجغرافية البشرية أو الجغرافية الاجتماعية أو أصول القانون. ومدة الدراسة في المعهد سنتان يحصل الطالب بعدها على شهادة معادلة للماجستير. وستبدأ الدراسة به في شهر أكتوبر القادم.
وتستبين فكرة من المذكرة التي وضعها عميد كلية الآداب بجامعة فاروق في هذا الصدد، فقد جاء فيها أن مصر في حاجة إلى جديد من الباحثين الاجتماعيين، يقوم بدراستها على الإحصاء الدقيق لأنها بلد لا تعرف شئونه الاجتماعية على الوجه الأكمل، وإن علم الاجتماع هو الذي يستخدم الآن في تعرف أحوال الجماعات الإنسانية وتطورها الاجتماعي والسياسي، كما أنه الأساس الذي تعتمد عليه الأمم في توجيه الإصلاح الاجتماعي. والغرض من إنشاء هذا المعهد هو دراسة العلوم الاجتماعية. والغرض من إنشاء هذا المعهد هو دراسة العلوم الاجتماعية وتطبيقها بوجه خاص على البحوث العملية المتصلة بمصر الأقاليم المجاورة لها.
والواقع أن الدراسات الاجتماعية قليلة الحظ في بلادنا، وخاصة الناحية التطبيقية، فإذا كان لدينا بضعة علماء في الاجتماع فإن درستم نظرية حصلوا بها على شهادات ودرجات جامعية، أما المجتمع المصري، فهو كما يقول عميد الآداب بالإسكندرية لا تعرف شئونه على الوجه الأكمل. ولا تكاد تجد في ميدان الكتابة والتأليف مكانا لدراسة أحوالنا الاجتماعية ولعل ذلك من أسباب ما نراه من عقم المشروعات الاجتماعية التي توضع وتعتمد لها الأموال وتؤلف لها اللجان ولا يرى لها أحد أثرا في الوظائفدرجات الموظفين.
اليونسكو ومساعي اليهود:
يبذل اليهود مساعي للحيلولة دون انعقاد مؤتمر اليونسكو في لبنان، وقد كان من أثر هذه المساعي أن أبدي بعض الأعضاء الغربيين مخاوفهم من الاجتماع في بيروت في الوقت الذي تدور فيه المعارك بين العرب واليهود في فلسطين، وأبلغت هذه المخاوف إلى الحكومة اللبنانية، فسارعت إلى طمأنتهم وأكدت لهم أن المؤتمر سينعقد في جو آمن لا يخشى فيه أي ضرر.
ولكن المساعي اليهودية نشطت أكثر من ذلك، فقد جاء في نشره الهيئة العربية العليا أن إحدى الدول الأعضاء في اليونسكو أرسلت - بدافع تلك المساعي - مذكرة رسمية إلى المستر هكسلي المدير العام لليونسكو، ترغب إليه فيها إعادة النظر في موضوع عقد مؤتمر اليونسكو في لبنان، بسبب الاضطرابات القائمة في فلسطين، ولأن لبنان يؤلف أحد طرفي النزاع، وهو في حالة حرب مع اليهود، ويخشى أن يؤثر موقفه في سير أعمال المؤتمر. وقد رد المستر هكسلي على طلب هذه الدولة بقوله: إن مسألة الأمن في طليعة المسائل التي تراعيها هيئة اليونسكو عند عقد مؤتمراتها، وهي تستطيع أن تصرح استنادا إلى المعلومات التي لديها أن لبنان لم يعلن الحرب على اليهود في فلسطين، بل بالعكس، فهو واقفموقف الدفاع، وقد حشد جيشه على الحدود، لا رغبة منه في الغزو أو الفتح، وإنما للدفاع عن أرضه وتأمين السلام والأمن في ربوعه؛ على أن إدارة اليونسكو سوف تدرس الحالة في لبنان في ضوء التطورات الجديدة.
ومما لا يلاحظ أن مؤتمر اليونسكو قد شغل الدول العربية عن عقد المؤتمر الثقافي العربي الثاني في هذا العام، مع أن هذا أجدى عليها وأدنى إلى الناحية العملية من حيث تنفيذ توصياته. أما اليونسكو فما هي إلا إحدى هيئات الأمم المتحدة (المتحدة ضد العرب فقط) ونحن الآن في حالة توجب علينا ألا نثق في هذه الهيئات، سياسية كانت أم ثقافية، أو على الأقل لا نرجو منها خيراً.
إذاعات من باريس عن أدباء العرب
الأوربي للإذاعة المصرية قرر إذاعة سلسلة من الأحاديث باللغة الفرنسية عن الأدباء والشعراء العرب والمصريين مع ترجمة قصائدهم شعراً، وعهد بذلك إلى الأديب الفرنسي مسيو جاستون برتيه مراسل جريدة (الفيجارو) الباريزية والذي عاش في مصر طويلا. وقد شملت أول سلسلة من هذه الأحاديث إذاعات عن أحمد شوقي وخليل مطران وحافظ ابراهيم وابن الرومي وأبي تمام وأبى نواس وعباس محمود العقاد وعبد الرحمن صدقي وأحمد رامي وشعر الفرنسية عند العرب وما نقله منه واصف غالي باشا. وستذاع هذه الأحاديث قريبا من محطة إذاعة باريس، وسيعقبها أحاديث عن الناثرين والقصصيين.
ويمكن أن نفهم تكليف الأديب الفرنسي مسيو جاستون بأعداد هذا البرنامج على أنه مشرف على تنظيمه ويعاونه فيه أدباء مصريون. وإلا فكيف يدرس ابن الرومي وأبا تمام وأبا نواس؟ وأني له القدرة على ترجمة أشعارهم؟ مؤتمر المستشرقين:
جاء من باريس أن المؤتمر الدولي للمستشرقين عقد جلسته الافتتاحية بالمعهد الوطني للعلوم السياسية في يوم 24 يوليه الحالي وقد شهد الجلسة ممثلون لجميع البلاد التيتهتم بدرس حضارة الشرق الأدنى وتاريخه، وفي مقدمتهم مندوبو مصر برياسة أحمد ثروت بك سفيرها في فرنسا، ومندوبو الباكستان والهندستان وتركيا النمسا ولبنان. وسيوالي المؤتمر أعماله في عشر لجان أولها الجنة الدراسات المصرية.
وقد تكلم في هذه الجلسة الدكتور طه حسين بك فقال إنه يحمل إلى المندوبين الفرنسيين وإلى أعضاء المؤتمر تحية مجمع فؤاد الأول للغة العربية وتحية مصر كلها التي يسرها أن تشترك في مؤتمر تعده جوهريا بالنسبة إليها، لأن الدور الذي قامت وستقوم به في الثقافة الشرقية وفي أبحاث المستشرقين يقضى عليها بأن تشترك في كل اجتماع من هذا النوع. ثم قال: يسرني أن أنتهز هذه الفرصة لأعلن شكري وشكر جيل كامل من المصريين جيل المهتمين باللغة والآثار المصرية للمستشرقين الفرنسيين وغيرهم من المهتمين بتلك اللغة وهذه الآثار. فما من مصري يعني بالشئون الشرقية لا يشعر بأنه مدين بأمور كثيرة للمهمة العظيمة التي قام بها المستشرقون سواء هناك في القاهرة أو هنا في باريس لقد كنا جميعاً من تلامذة المستشرقين الفرنسيين، فسمعنا دروسهم على ضفاف النيل، وعلى ضفاف السين، في مختلف الجامعات الفرنسية. فإذا أعربت لكم عن شكر أبناء الجيل الذين تجاوزوا سن الشباب الآن، والذين أمثلهم أنا هنا، فإني أعزب لكم عما نشعر به شعوراً عميقاً، وأقوم بواجب أعده واجب الأبناء نحو الآباء.
من طرف المجالس:
قال أحد الأصحاب إنه من سلالة علي بن أبى طالب، وسلسلة النسب بين علي وعدنان معروفة، وهو يريد أن يبحث عمن بين عدنان وآدم، لتتم له معروفة سلسلة نسبه إلى آدم.
فانبرى له صاحب آخر قائلا:
أتريد أن نثبت أنك من بنى آدم!
على طريقة طه حسين: بدا لي أن أكتب في هذا الموضوع الذي تستطيع أن تقول إنه ليس موضوعاً، وإنما هو بحث عن موضوعه. وسواء اتفقنا على أنه موضوع أو أنه غير موضوعأم لم نتفق على شئ من ذلك فالأمر الذي لاشك فيه أني دفعت إلى الكتابة فيه دفعا وحملت عليه حملا. فأنا أريد أن أملأ هذه الصفحات الثلاث التي أملؤها كل اسبوع، والمطبعة تريد أن تملأها أيضاً، والقراء ينتظرون أن يقرؤوها أو بعبارة أخرى يريدون أن يملؤوا هم أيضا فراغهم بقراءتها.
كتبت من هذه الصفحات الثلاث ما كتبت، ثم رجعت إلى ما كتبت، وقسمته إلى ما تعودت أن أكتب كل أسبوع، فوجدته أقل منه بحيث لا يسد الفراغ، ولم أجد عندي ما أكتبه، أو قل لم أجد أدبا ولا فنا ولا شيئا يصح أن يقال عنه إنه أدب أو فن أو شبيه بالأدب والفن من قريب أو من بعيد.
هذه الصحف وهذه المجلات، يومية وأسبوعيه وشهرية، يحررها محررها ويكتبها كاتبوها في هذا الحر الشديد، لأنها لا تتوقف عن الصدور في الصيف كما لا تتوقف عن الصدور في الشتاء. تقرأ هذه الصحف وهذه المجلات يصبح الصباح، وحين يرتفع الضحى، وحين يقبل المساء، فلا ترى فيها أدبا أو فنا أو شيئا من قبيل الأدب والفن يترك في نفسك أثراً أو صدى بعد قراءته، ويظل عقلك فارغا من هذا الأثر وهذا الصدى كما كان قبلهذه القراءة.
وهذه القاهرة تكاد تخلو أنديتها وهيئاتها الثقافية الرسمية وغير الرسمية، تكاد تخلو من كل نشاط أدبي أو ثقافي في هذا الصيف كما تعودنا أن نراها كل صيف.
قلت لصاحبي: ماذا أصنع هذا الموضوع؟ فقال في شئ من الإنكار: وهل هو موضوع؟ فلم أجد مناصاً ولا مفرا ولابدا من أن أتمثل بهذا البيت الذي طالما تمثلت به قبل الآن وسأتمثل به في كل آن:
أيتها النفس أجملي جزعاً ... إن الذي تحذرين قد وقعا
وأكبر الظن أن أوس بن حجر حينما قال هذا البيت في رثاء فضالة الأسدي لم يكن يخطر له على بال ولم يكن يدور له في خلد أنني سأتمثل به حينما أقع في أزمة الأدب والفن في هذا الأسبوع.
العباسي