مجلة الرسالة/العدد 786/الفريقان المتحاربان في فلسطين الحق والباطل
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 786 الفريقان المتحاربان في فلسطين الحق والباطل [[مؤلف:|]] |
مشاهدات وملاحظات: ← |
بتاريخ: 26 - 07 - 1948 |
للدكتور عبد الوهاب عزام بك
سفير مصر لدى المملكة السعودية
يحترب في فلسطين فريقان: فريق العرب يذود عن ذماره، ويدفع عن حقه، ويدعو إلى النصفة والعدل، وإلى أن يعيش هو وخصمه أمة واحدة في بلد واحد، لكل حقه وعلى كل واجبه وفريق آخر من شذاذ الآفاق وخبث الأقطار، يلجون على العرب ديارهم بأيديهم المال والسلاح، وما أورثهم تاريخهم والعيش الذليل في أوربا من ختل وغدر، يظنون أنهم صاروا أمة لأن باطلاً يجمعهم، وعدواناً يربط بينهم، وكل فرقة منهم تنمي أمة، وكل جماعة تنتسب إلى بلد، وكل فرد يحل سحنة تنافر سحنة أخيه ولا تشبهها إلا في سمات اللعنة فيها، ومياسم الخزي عليها ويقول هؤلاء الأرذلون: لا نرضى نصفه معكم ولا مساواة بكم ولكنا نريد وطناً ودولة وأنف الحق راغم، ودعوة العدل صاغرة وإن لنا قوة من سلاحنا ومالنا وحيلنا وغدرنا وخيانتنا. ولنا أعوان في أوروبا وأمريكا يسخرون بالمال ويسخرون بكل الوسائل رؤساء الدول، وأئمة الساسة، وأصحاب الصحف، وبيدهم المصارف، ودور السينما وكل وسائل النشر والتضليل، فيا أيها العرب المساكين! أفسحوا المجال لدولة إسرائيل!
ويقول العرب: لا لا بل تعالوا إلى كلمة سواؤ، نسويكم أيها الطراء المتطفلون بأهل البلاد الذين أقرهم التاريخ فيها لا يعرفون غيرها وطناً، ولا يتخذون غيرها داراً، فهلموا إلى الدولة الواحدة، والشريعة العادلة، والتآخي والتناصف.
فتقول هذه الوجوه الملعونة، وهذه الفئات الطريدة: لا لا إن أرضكم لنا، ودياركم لدولتنا، فانزلوا على حكمنا صاغرين. . .
ويحمي العربي، وهو سمح لا خنوع، وجواد لا جبان، وحليم لا ذليل، ويستنصر حقه، ويتوكل على ربه ويستمد سجاياه وشيمته، وأخلاقه ومكارمه، ثم يستوحي تاريخه ويحشد مآثره فيستبق إليه من أحداث تاريخه ومآثره أمته ما يثبته في المحنة، ويوقره في الشدة، وينثال إليه من عز ماضيه ومجد سلفه ما يهون عليه كل خطب، ويقحمه كل هول.
ويصول عليه عدوان اليهود ومن ورائه مدد من قوى أوروبا وأمريكا، وتدور به خدع المخادعين وتهاويل المهولين، وهو العربي الذي يعرف نفسه ويعرفه التاريخ، ويهزأ بالشدائد إذا جد الجد. ويحق الأهوال إذا اشتد البأس.
فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها: من تحت أخمصك الحشر
أن العربي يعرف ما في أيدي أعدائه وأعوان أعدائه من مكر، وما لديهم من سلاح، وما عندهم من علم وفن؛ ولكنه يعرف كذلك ماله من حق، وما عنده من كرامة، وما فيه من إباء وما يمده به تاريخه من ثبات في الأزمات، وصبر في الخطوب. فيقدم على الأهوال ذاكراً قول سلفه.
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
فيتقدم فيزيده الهول مضاء، والنار صفاء، منشداً:
فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... بنعمي وبؤس والحوادث تفعل
فما لينت منا قناة صليبية ... ولا ذللتنا للذي ليس يجمل
ولكن رحلناها نفوساً كريمة ... تحمل مالا تستطيع فتحمل
وقينا بحسن الصبر منا نفوسنا ... فصحت لنا الأعراض والناس هزَّل
حسب الصهيونيون أن الأمم مال وربا، وأشكال وألوان، وهياكل وجدران، وبغي وعدوان، وغفلوا عن حقيقة الإنسان وما وراء ذلك صور وزخارف، وخدع وأباطيل، تذوب إذا وقدت النار، وتبوخ إذا حمى الوطيس.
ألا ساء فأل الأوغاد، وخاب ظنهم حين زينت لهم أموالهم وزخارفهم أنهم للعرب أكفاء وأنداد. فلتبطل دعواهم الوقائع، ولتكذب ظنونهم المعارك.
ألا أنه إن تحدى الصهيونيين حق العرب، وجرؤ شذاذ الآفاق على خير الأمم، ولم يلفوا كفاء بغيهم من ردع، وجزاء عدوانهم من خزي.
فيا موت زرا إن الحياة ذميمة ... ويا نفس جدي أن دهرك هازل
أيها العرب الأباة! أنه يوم له ما بعده؛ فاصدعوا الأهوال بقلوب متفقة، وأيد مجتمعة، وامضوا إلى الغاية التي هي بكم أجدر، وبتاريخكم أليق. إنكم تقاتلون حيث قاتل آباؤكم في اليرموك وأجنادين وحطين، وقد حطموا الباطل في كبريائه، وردوا البغي في غلوائه، فزلزلوا بهؤلاء البغاة الديار، وردوا جند الصهيونيين بالخزي والدمار. واتركوها على التاريخ مأثرة إلى مآثر آبائكم، وسجلوها على الأيام مفخرة إلى مفاخر أسلافكم.
(ولا تهنوا ولا تحزنوا انتم الأعلون والله معكم.)
(للكلام صلة)
عبد الوهاب عزام