الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 785/هذا يوم الحساب

مجلة الرسالة/العدد 785/هذا يوم الحساب

بتاريخ: 19 - 07 - 1948


التعويضات والغرامات على اليهود

للأستاذ نقولا الحداد

ينص البند 9 الأخير من مقترحات برنادوت على أن (يعترف عنصراً الاتحاد بحقوق سكان فلسطين الذين اضطرتهم ظروف القتال إلى مغادرة بيوتهم وممتلكاتهم في العودة إليها دون قيد وفي استعادة كل أملاكهم).

كثر الله خيرك يا سيد برنادوت جزاء إذنك بعودة العرب المشردين من بلادهم بسبب وحشية اليهود وفظائعهم، ومنحك إياهم حق استعادة أملاكهم! فهل لاح في خاطرك أن العرب ليس لهم في الرجوع إلى بيوتهم وفي استرداد أملاكهم ولكنك تتفضل أنت بمنحهم هذا الحق؟

هل تعني أن تعاد لهم بيوتهم منسوفة متهدمة مدكوكة إلى الحضيض ولم يبق منها إلا أرضها مغطاة بالركام؟ وهل تعني أن تعود لهم بيوتهم فارغة من كل أثاث ورياش وسجاد فاخر إلى آخره، ومن كل مؤونة كما تركوها وكانوا قد ملئوها أغذية حاسبين حساب الارتباك وفقدان الأطعمة من الأسواق؟ وهل تعني أن تعاد لهم دكاكينهم فارغة من السلع الثمينة وغير الثمينة أو متهدمة كمنازلهم، أو أن تعاد إليهم مرافقهم ومصانعهم وجميع أسباب رزقهم وقد دمرت تمام الدمار ولم يبق لهم رسم الدار؟ وهل تعني أن تعاد لهم مدارسهم وقد خربت وجعلت مرابض للبغال والمدافع ومكامن للذخائر وأوعية للأقذار - أقذار الجوييم (أي الأنجاس)؟ وهل تعني أن تعاد لهم معابدهم، وقد تدنست بأدناس الصهيونيين الفحشاء، وأرجاسهم الداعرة، ونجاساتهم (الآرية). وهل تعني أن تعود لهم مزارعهم تالفة الزراعات محصودة الغلات، وبساتينهم مقطعة الأشجار والأغصان ومأكولة البرتقال والأثمار؟

إن الذين غادروا بلادهم هم العرب وحدهم، وقد هربوا من طغيان اليهود العتاة، ففروا إلى إخوانهم العرب مستنجدين. أما اليهود فلم يغادروا مدنهم ومستعمراتهم لأن العرب لم يضطروهم إلى الهرب بأي سبب. والى أين يهربون وحولهم خصومهم من كل صوب، فإلى أي جهة فروا وجدوا أنفسهم في (أحضان العرب الخصوم يعاملونهم معاملة الخص الكريم.

سمعاً يا سيد برنادوت. لم تكن كارثة الفلسطينيين المشردين في مغادرة ديارهم وتخريبها ونهبها فقط. بل في ضياع أسباب معايشهم جميعاً وفقد أموالهم وإضاعة كسبهم ومتاجرهم في حين أنهم كانوا عالة على إخوانهم عرب مصر وشرقي الأردن وسوريا ولبنان والعراق على الرغم من أن هؤلاء الإخوان رحبوا بهم وما استثقلوا ضيافتهم بل قدموا لهم كل إعانة كأنهم أهل البيت ولكن النفوس الأبية لا تحتمل طول هذه الضيافة.

لا ندري كم من ملايين الجنيهات (لا الدولارات) خسر العرب في هذا التشريد فضلاً عن الأنفس الزكية والأرواح الثمينة التي أزهقتها فظاعات اليهود. كل هذه لم يحسب لهاالسيد برنادوت حساباً في تعطفه على العرب. ولكن العرب لا يصبرون على هذا الضيم مهما تناهوا في كرم الأخلاق لأن ضيفهم الجنس الصهيوني ساقط الأخلاق، معدوم الضمير، فلا يستحق سماحاً ولا مغفرة.

لذلك كان على الدول العربية جميعاً أن ت حصل حقوق العرب الفلسطينيين المادية (علاوة على الحق الوطني) من هؤلاء اليهود الطغاة الذين بلغ بهم الصلف كل مبلغ. وهذا التحصيل ليس بالصعب بل هو أسهل من السهل. أما أن نعتمد على قضاة برنادوت أو مجلس الأمن في تحصيل هذه الحقوق من يهود فلسطين أنفسهم فهو عبث، لأن اليهود لا يدفعون حقاً من تلقاء أنفسهم.

ولكن لإخوانهم في سائر البلاد العربية أموالاً وأملاكاً وأسهماً وأوراقاً مالية لا تحصى. وقد استنزفوها من ثروة البلاد بلا جهد ولا عناء. وكانوا يساعدون بشيء كثير منها الصهيونيين في تل أبيب - الصهيونيون الذين صنعوا هذه الكارثة الأليمة فلا يتعذر على الدول العربية أن تحصل تلك الغرامات والتعويضات من هؤلاء اليهود الأعوان. وللدول العربية عذر وجبه جداً في أحقية هذا التحصيل. وهو أن حوادث التفتيش عن الأشخاص الخطيرين في البلاد فضحت هذا العنصر الخطير (الجوييم) الذي يهيئ ثورة محلية يراد بها قلب الحكم الحاضر بحيث تكون عاقبته امتداد الصهيونية إلى مصر وجميع البلاد العربية. فكل يوم يظهر من تفتيش البوليس أشخاص يملكون أسلحة وقنابل ومنشورات بالعبرية والعربية تدل على أن في عزم الصهيونيين (الأبيبيين) أن يغزوا مصر حالما ينتهون من غزو فلسطين. والانفجارات التي حدثت في حارة اليهود أخيراً تدل على أن هناك معمل الشيطان الصهيوني؛ فإن أولئك الذين نسفهم الانفجار كانوا يصنعون قنابل شديدة الانفجار جداً. فلماذا كانوا يصنعونها؟ ولمن؟ وعلى حساب من؟ وقيل إنهم كانوا يرسلونها إلى تل أبيب. وأخيراً جاءهم بلاغ من هناك أن احفظوا هذه المتفجرات عندكم إلى أن تذهب إليكم لأننا ذاهبون.

وكلنا يعلم أن بعضاً من الأشخاص الذين قبض عليهم كخطرين ووجدت عندهم منفجرات هم كبار أغنياء إسرائيل والقابضون على أعنة مالية البلاد. فكل هذه الأمور تبرر للحكومة المصرية وكل حكومة عربية أن تصادر أموال كل صهيوني ثبتت عليه شبهة الخطر، وأن تفرض ضريبة ثقيلة على كل صهيوني غيره استرداداً لما كان يرسله من المال إلى تل أبيب سراً لإعانة الصهيونية.

فإذا جرت الحكومة على هذه الخطة أمكنها أن تجمع التعويض اللازم للعرب الفلسطينيين، والغرامة التي هي جزاء فظاعات الصهيونيين. وليس في الشرائع المدنية أو الإلهية ما يمنع هذا الإجراء، فهو حق وأقل من الحق. فعسى أن تفكر الحكومة في هذا الموضوع، فهو جدير بأن يأخذ من اهتمامها كل مأخذ.

لا بد أن تنتهي الثورة الفلسطينية بالنصر إن شاء الله. فإذا رغبت الحكومات العربية أن تسترد خسائر العرب وتغرم الصهيونيين الغرامة اللازمة لثورتهم فلا تجد وسيل لتحصيل هذه التعويضات والغرامات غير هذه الوسيلة؛ فيحسن بها جميعاً أن تشرع في هذا العمل تواً. . .

نقولا الحداد