مجلة الرسالة/العدد 779/اللقيطة
→ نهاية شاعر | مجلة الرسالة - العدد 779 اللقيطة [[مؤلف:|]] |
في أخريات الشباب ← |
بتاريخ: 07 - 06 - 1948 |
للأستاذ حسني كنعان
إن هذه الوليدة التي أولدها (ترومان) بالأمس معترفاً بصراحة نسبها، وسماها أهلوها (دولة إسرائيل) ما كادت تتلقفها أيدي القابلات الآسيات حتى تلففتها يد عزرائيل وخنقت في مهدها قبل أن تهبط الأرض وتتفتح عيناها للنور وتستنشق النسيم، حتى أن بعض أعضاء مجلس الأمن من المحبذين لها اضطروا إلى استبدال هذا الإسم تحت تأثير ممثل سورية العلامة الداهية الأستاذ فارس بك الخوري، فأطلقوا عليها (السلطات اليهودية)، وبهذا التأثير وهذه الحملة الصادقة قضى على أحلام اليهود ودفنت آمالهم، وبات من المحقق أن يبحث لها مولدوها عن قبر بدلا من هذا المهد الذهبي الذي كان ينتظرها طوال هذه السنين تمخضت بها. وهكذا شأن كل وليدة لقيطة غير صريحة النسب، فاعتراف بعض الدول الموالية لأهلها بها لم يفت في سواعد العرب المناضلين المكافحين عن عروبة الديار التي يراد إقامة المهد فيها، ولم يفل من عزائمهم ومضائهم. إن الأمة العربية جمعاء من أقصى حدود النيل إلى تهامة فنجد فاليمن فإلى الغوطتين وشواطئ فينيقية فإلى مياه الرافدين والأردن كلها هبت هبة رجل واحد وبقلب واحد شاهرة الحسام في وجه هذه اللقيطة الباغية، وفي وجه كل من لف لفها أو والاها أو قال بقولها، ولن تتراجع عن تصميمها ما لم يكتب لها النصر - بإذن الله - أو الموت والإبادة - لاسمح الله ولاقدر -!
وليست الأمة العربية وحدها هي التي ستكون حائلا دون تحوي وتقوي هذه اللقيطة الأفعى، بله جميع الأمم الشرقية التي تتاخم حدود أراضيها للبحر الأبيض المتوسط، ستكون عوناً للعرب على خنق اللقيطة وعدم السماح لها بالظهور والبقاء. وستقف بجانبها دول أوربية لها ضمائر تساند العرب في حقهم. وسوف لا تتكرر مأساة التصويت على التقسيم مرة ثانية، لأن الدول بدأت تتراءى لها مناورات البيت الأبيض والكرملين، وبدأت تنظر إلى القضية الفلسطينية العادلة بغير النظرة التي كانت تنظرها يوم عرضت على التقسيم والتصويت. .
حتى أن الشعب الأمريكي جله إن لم نقل كله ناقم على سياسة حكومته لتحيزها لجانب دون آخر لأن الأوربيين والأمريكيين وإن كانوا لا يمتون إلى العرب بصلة أو نسب، فإن بعضهم (عندهم ضمائر). . . ودليلي على ذلك حادثة المستر كارلتون عميد الكلية الأمريكية في الشهباء وقنصل أمريكا الفخري، والحديث الذي دار بينه وبين المحافظ الأستاذ عادل العظمة الذي جاء فيه أن اعتراف المستر ترومان بالدولة اليهودية (التي ولدت ميتة) لا يعبر عن وجهة نظر الشعب الأمريكي، وهو يعبر عن رأيه بمفرده. . . وإن جميع الأمريكيين يعرفون مكر اليهود وخداعهم ومقدرتهم على اشتراء الضمائر والأصوات والتلاعب بالعواطف ببذل الأموال وبذل أشياء أخر.
ثم قال العميد: (إن الأغلبية في الشعب الأمريكي تشجب عمل ترومان وتمقته، وسيظهر أثر ذلك في الانتخابات الآتية، حيث ينتظر أن يسقط فيها هذا الصهيوني الأول سقوطاً مربعاً ما بعده من سقوط. . .)
فرد عليه المحافظ شاكراً له هذه العواطف الفياضة نحو العرب وقضيتهم العادلة. وقال فيما قاله: يحق للسوريين أن يدهشوا كل الدهشة لموقف الشعب الأمريكي النبيل الذي لم تمت فيه الضمائر ولم تبلغ منه الغايات، فالسوريون قاطبة يقدرون مزايا الإخلاص والحرية والعدالة في الشعب الأمريكي الذي لهم بينه جاليات ومؤسسات، وما من أحد ينكر فضل الدنيا الجديدة على المدنية والحضارة. ولأمر ما صوت السوريون للأمريكيين مفضلهم على جميع أمم أوربا يوم عرض عليهم الانتداب عام 1920، عندما أبصروا أن لابد من انتداب دولة ما من الدول الحليفة عليهم)
وكان لكلمة عطوفة المحافظ التأثير الحسن لدى العميد الأمريكي، ذهب بعدها شاكراً، مودعاً بمثل ما استقبل، وهذا دليل قاطع على نقرة الشعوب الحرة من سياسة حكوماتها، ومقت الصهيونية المتجنية الآثمة العاتية.
فالأمة العربية بأسرها لا يرتضى واحد من رجالاتها المسئولين ان يمثل الدور الذي مثله من قبله أبو عبد الله الصغير فيستحق لعنة الأحفاد كما استحقها ذلك الخليفة (الضعيف الإرادة).
وإنما يريد كل واحد منهم أن يمثل ذلك الدور الذي مثله المعتصم العباسي، فيلبي نداء الفتاة العربية السبية في فلسطين، كما لباها ذلك الخليفة بعمورية.
وبهذا يصبح كل عربي في نفسه معتصما، فلا يتخلف أحد عن إجابة النداء والواجب. إن في تقديم الدم كما فعل طلاب المدارس العليا بدمشق، وذلك بتقديم دمائهم لجرحى المجاهدين، وهي أقصى ما يملكونه، أو في المال أو في التضحية بكل ما يمتلكون
إن هذه الجيوش العتيدة الزاحفة إلى ساحات الجهاد في الأراضي المقدسة، أولى القبلتين، لتطهيرها من أرجاسها وأنجاسها تخوض اليوم هناك مع شذاذ الآفاق معركة الموت أو الحياة، وهي لن تتراجع عن تصميمها - كما جاء سابقاً - ما لم يكتب لها الظفر بدفن اللقيطة وأهلها. . . وما غلب قوم عن قلة إن كانوا متساندين متعاضدين، والنصر من عند الله يؤتيه من يشاء من عباده، وهو جدير بمنحه للمؤمنين. . .
وإن مصر وهي المتبنية لهذه الحركة التحريرية نظراً لنمو نواة الجامعة العربية في واديها وعلى ضفاف نيلها السعيد، لن يعجزها المال والرجال، وتكتل الشعوب العربية في ظليل راياتها لمتابعة هذه الحركة حتى النصر النهائي، فإما رايات خفاقة إلى الأبد، وإما ميتة شريفة - لا قدر الله - وحياة خالدة عامرة بالجهاد والمفاخر. . .
وليست هذه هي المأثرة الأولى التي حفزت هذا القطر الشقيق إلى تبني قضايا العرب، وهو مأثرة من مآثر لا تزال مائلة للعيان في الزحف المصري لإقامة الدولة العربية الكبرى في ظل ساكن الجنان جد الأسرة العلوية محمد علي باشا وولده إبراهيم. . .
(دمشق)
حسني كنعان