مجلة الرسالة/العدد 776/ماذا تعرف عن السودان؟
→ القول للسيف | مجلة الرسالة - العدد 776 ماذا تعرف عن السودان؟ [[مؤلف:|]] |
البدر ← |
بتاريخ: 17 - 05 - 1948 |
للأستاذ إيليا حليم حنا
قطر جميل بطبيعته الفطرية، غني بموارده الكثيرة التي لم تستغل. مساحته أكثر من ثلاثة أضعاف القطر المصري ويبلغ سكانه نحو ثمانية ملايين نسمة.
سكان النصف الشمالي منه عرب مسلمون شديدو الاعتزاز بأصولهم، حتى أنك عندما تسأل أحدهم عن جنسيته لا ينسب نفسه إلى القطر كله بل إلى قبيلته.
أما سكان الجنوب فهم زنوج، لهم رطانات عديدة ومعظمهم وثنيون عراة الأجسام.
ولا تختلف مظاهر الحياة في السودان كثيراً عنها في صعيد مصر بل تتفق في كثير من التقاليد واللهجة مع الفارق في الملبس الذي يتكون من عمامة بيضاء وجلباب أبيض.
أما الموظفون فيلبسون الملابس الأفرنجية والقبعة ويسمح لهم بلبس الجلاليب والعمائم البيضاء في مكاتب الحكومة.
والنساء في المدن محجبات يخرجن مؤتزرات بملاءات خفيفة بيضاء اللون غالباً، ولا يظهر هذا الرداء من أجسامهن شيئاً غير أعينهن. وزيارتهن لبعضهن تكون بعد غروب الشمس عادة.
والمرأة السودانية على جهلها تلمح فيها ذكاء فطريا وروحاً خفيفا؛ وهي تقدس الشجاعة في الرجل، فإن جبن مرة فمعنى هذا عندها أنه تجرد من رجولته وهو في هذا الحالة يفضل الموت على وصمة العار هذه.
والسوداني شجاع لا يعبأ كثيراً بالآلام بل يستسيغها في سبيل الاعتزاز بالنفس والكرامة؛ وهو كريم إلى حد كبير، مضياف يصل كرمه إلى حد الاسراف، كما أنه ديمقراطي بطبعه يخالط ويجالس من هو أقل منه في الجاه والمركز الاجتماعي. فالعظيم والحقير كلاهما لا يرى للفوارق وجوداً. والسودانيون لا يعبأون بالألقاب؛ ويلذ لهم أن ينادي بعضهم بعضا بالاسم المجرد. والشخص العادي إذا تحدث عن كبير في المركز الاجتماعي يقول (فلانا) بدون لقب، ولكنه لا يجرد من لقبه في سياق الحديث رجل الدين أو الرجل المسن.
والسودانيون يبذلون كل ما في طاقتهم لتعليم الأبناء حتى أن هذه الرغبة القوية جعلت المدارس الموجودة اليوم لا تكفي حاجة الجميع. وهم لا يرون أي غضاضة في أن يبعث ببناتهم إلى المدارس الأولية؛ ولكن فئة قليلة جداً ترسلهن إلى المدارس الوسطى؛ لأن الفتاة عندما تصل إلى هذه المرحلة من التعليم تكون غالباً في طور المراهقة.
والحكومة مهتمة بالتعليم الأولى أكثر من اهتمامها بالتعليمين المتوسط والثانوي. وعدد المدارس الوسطى (الابتدائية) الحكومية والأهلية في السودان كله 23 مدرسة للبنين، ومدرستان ثانويتان حكوميتان، وواحدة أهلية. ما عدا المدارس المصرية والتابعة للجاليات المختلفة.
والشاب السوداني الآن يقبل على التعليم برغبة صادقة، ويرى أنه الوسيلة الوحيدة التي توصله إلى الرقي المنشود وتحقيق الأماني القومية.
والأمن مستتب في السودان على رغم قلة رجال الحفظ؛ وهذا يرجع إلى أن السوداني ليس شريراً بطبيعته. ويدهشك أن ترى المساجين يسيرون ووراءهم رجل البوليس وهم غير مقيدين بأغلال. وبعضهم يشتغل بخدمة الموظفين الحكوميين بأنمنونهم على متاعهم وأرواحهم. والغريب أنهم لا يفكرون في الهرب وهم مطلقو السراح. . .
والحياة الاجتماعية تختلف باختلاف المدن، فالمدنية تكاد تكون غربية في العواصم مثل الخرطوم، وشرقية في المدن التي أكثر سكانها من الوطنيين مثل أم درمان اما أهل الجنوب الزنوج فتكاد تكون معيشتهم فطرية.
أما المعيشة فاللحوم والطيور والأسماك رخيصة جداً. ويبلغ ثمن أقة اللحم الضأن عشرة قروش. ويوجد من الخضر ما يوجد في مصر، ولكن أسعارها هي والفاكهة أكثر ارتفاعاً. وهنا أزمة مساكن أشد مما هي في مصر والايجارات أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب.
أما جو السودان فإنه جميل جداً في مدى ثمانية شهور، فمن نوفمبر إلى منتصف ابريل جفاف واعتدال، وهذا هو وقت الشتاء. ويبدأ الحر من أواخر إبريل إلى أواخر يونيو، ولكن عندما ترتفع درجة الحرارة تسقط الأمطار فتلطف الجو. أما يوليو وأغسطس فإنهما أجمل الشهور في السودان: جو ممطر منعش وطبيعة ساحرة فاتنة. ولا أغالي إن قلت إن الجو خلال هذين الشهرين لا يقل عن جو الأسكندرية صيفاً، ويمتاز عليه بالأمطار الملطفة. وتنقطع الأمطار في سبتمبر. وقد يسقط فيه مطر خفيف يسميه الأهالي (الرشاش) أو مطر (البُخَات) أي السعداء لأنه قد ينزل في مزرعة ولا ينزل في نفس الوقت في المزرعة التي تجاورها تماماً. وخلال سبتمبر حتى معظم أكتوبر يكون الجو مشبعاً بالرطوبة اللطيفة، وتكثر في الهواء الحشرات المختلفة الألوان والأشكال وهي غير ضارة. . .
والطبيعة في السودان فاتنة جذابة؛ فهناك أرض الجزيرة بأقطاها ومحصولاتها المختلفة، وفي كروفان تتجلى البداوة بإبلها التي تسير على الكثبان الرملية الصفراء والابقار والأغنام والماعز في مراعيها الجميلة التي تنبتها الأمطار؛ والجنوب بمياهه التي تنساب في الوديان صاغية تنبت الخيرات وتجعل الأرض جنة بما فيها من الثمار المنوعة المتوافرة وغيرها من خيرات الله الوفيرة التي لو استغلت لجعلت السودان من أغنى الأقطار.
هذه لمحة خاطفة عن السودان غرضي منها أن يتعرف أبناء وطني حقيقة هذا الشطر الجنوبي من وادي النيل الذي نجهل عنه المصريون الشيء الكثير.
الأبيض_السودان
إيليا حليم حنا
دبلوم عال في التربية
دبلوم صحافة