الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 773/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 773/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 773
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 26 - 04 - 1948


جائزة فؤاد الأول الأدبية:

نشرت (أخبار اليوم) أن لجنة فؤاد الأول الأدبية رأت تقسيم الجائزتين المخصصتين لسنتي 1947و1948 بين أربعة أدباء، هم الأساتذة عباس محمود العقاد والدكتور محمد حسين هيكل باشا والدكتور طه حسين بك والدكتور أحمد أمين بك، ثم قالت: (وعلم ذلك الأستاذ العقاد، فأرسل كتابا إلى وزير المعارف يحتج فيه على تقسيم الجائزة إلى جائزتين، وعلى مساواة مؤلف له 17 كتابا بمؤلف له جزء من كتاب، ويعني أنه أصدر خلال السنوات الخمس الأخيرة17 كتابا بينما لم يصدر الدكتور طه خلال هذه المدة إلا الجزء الأخير من هامش السيرة، وأن هذا الجزء ليس دراسة ولكنه تصوير لفترة من التاريخ الإسلامي. كذلك أرسل الأستاذ العقاد كتابا آخر إلى رئيس ديوان جلالة الملك - مقدم الجائزة - شرح فيه تصرف اللجنة، وقال إنه يخالف الفكرة التي أنشئت من أجلها الجائزة، وقد أرسل معالي رئيس الديوان كتاب الأستاذ العقاد إلى وزير المعارف، فأحاله إلى اللجنة وطلب إليها أن تبحث وجهة نظره، وهل تقسم الجائزة؟ ويستحسن أن يحتفظ بوحدتها لتكون تتويجا مناسباً للعمل الأدبي الذي أنتجه الفائز بها).

والواقع أن قانون الجوائز ينص على جواز التقسيم في حالة تساوي قيمة النتاج، ولكن اللجنة رجحت فكرة التوحيد لتحقيق التتويج الأدبي المقصود من الجائزة، فرأت أن يمنح كلا من الجائزتين أديب واحد. وهي الآن بصدد النظر في ثلاثة كتب، هي (عبقرية عمر) للأستاذ العقاد، و (الصديق أبو بكر) لهيكل باشا، و (ظهر الإسلام) للدكتور أحمد أمين بك. أما كتاب الدكتور طه حسين بك وهو الجزء الثالث من (على هامش السيرة) فهو لا يدخل في الموضوع الذي قررت اللجنة تخصيص هاتين الجائزتين له، وهو (الدراسات الإسلامية الأدبية) على أن تكون جوائز السنين القادمة في فنون الأدب الأخرى كالشعر والقصة. . الخ.

ولذلك استبعدت اللجنة هذا الكتاب لأنه أقرب إلى التصوير الأدبي، والمؤلف نفسه يقول في مقدمته أنه ليس دراسة ولا تاريخاً.

ويتصل ذلك بما قالته (أخبار اليوم) من أن الأستاذين المازني وتوفيق الحكيم اعتذرا م عدم الاشتراك في هذه المباراة، وقد بينت فيما مضى أن جوائز فؤاد الأول ليست مباراة وإنما هي للتتويج، فهي تشبه جائزة (نوبل). وأضيف الآن إلى ذلك أن الأستاذين المازني وتوفيق الحكيم لم يؤلفا كتباً في الدراسات الإسلامية الأدبية - وهي موضوع الجائزتين - في خلال السنوات الخمس الأخيرة ولا فيما قبلها، فمم يعتذران. . .؟

عضوية المجمع اللغوي:

رأى مجمع فؤاد الأول للغة العربية في جلسته الأخيرة، أن يؤجل الآن شغل الكرسي الذي خلا بوفاه أنطوان الجميل باشا، وذلك لفترة قد تتجاوز الدورة الحالية للمجمع.

ومما يذكر أن أحد الأعضاء اقترح وضع قواعد لشغل الكراسي التي تخلو بالمجمع، كالاعتماد على الآثار العلمية والأدبية للعضو المرشح للاختيار، كما اقترح توزيع كراسي الأعضاء بحسب الاختصاص في العلوم والفنون والآداب، حتى إذا خلا مكان روعي فيمن يشغله أن يكون مختصاً في فن سلفه. ولم يبت شيء من ذلك برأي.

إمارة الشعر:

قال الأستاذ العقاد في حديث له مع محرر (الزمان) وقد سأله عن رأييه في إمارة الشعر:

الشعر مذاهب كثيرة ولكل مذهب شخصية بارزة ممثلة له. ولقد وجد في إنجلترا في عصر واحد أكثر من عشرة شعراء لا يمكنك أن تسمي واحداً منهم أميراً للشعر. ومع ذلك يمكنك أن تقول إن كلا منهم كان إماماً في شعره. فأنت لا تستطيع أن تفاضل مثلا بين بيرون وشلي وكلوردج من حيث العظمة الشعرية، ولكنك ترى لكل منهم نمطا من الشعر يتفوق فيه، فهو إمامه وإذا شئت فهو أميره. . .

الأدب الرمزي:

وقال الأستاذ أيضاً وقد سأله المحرر عن رأيه في الأدب الرمزي:

كلمة الأدب الرمزي كلمة سخيفة، لأن الأدب قبل كل شيء الافصاح، فمن عجز عن الإفصاح فأولى له أن يترك الأدب، ومن كان لا يتكلم إلا بالرموز فخير له أن يخترع له لغة أخرى غير هذه التي تواضع الناس على التفاهم بها، وليخترع إن استطاع نوعاً من الهيروغليفية القديمة تغني فيها الصور والإشارات عن الحروف والكلمات. إن ما يسمونه بالأدب الرمزي سواء في مصر أو في أوربا ليس له عندي أشرف من كلمة واحدة باللغة العامة وهي (تهجيص)!

نهر النيل في الأدب:

ألقى الدكتور محمد عوض محمد بك محاضرة عنوانها (نهر النيل في الأدب) بالاتحاد المصري الثقافي يوم الثلاثاء الماضي، قال في أولها: أريد أن أطوف بالميدان الأدبي لكي أنظر إلى الشعراء أو الكتاب الذين كان النيل ملهما لهم ودافعاً إياهم إلى بعض الإنتاج الأدبي في موضوع نهر النيل، وأنا لم أحاول أن أفتش في كل الآداب عما يتصل بالنيل، فهذا العمل يحتاج إلى عصابة قوية من الباحثين، إنما أريد أن أعرض ما عثرت عليه بطريق المصادفة المحضة، ويسرني أن ألقى مساعدة من الأدباء في استكمال هذا البحث حتى تتكون لدينا مجموعة عظيمة لأدب نهر النيل تستحق أن يتألف منها مجلد ضخم.

ثم تتبع موضوع النيل في الأدب بالترتيب الزمني، فبدأ بالأدب المصري القديم وأورد منه قصائد في النيل؛ وتحدث عن ثلاث قصائد في موضوع النيل لثلاثة من كبار شعراء الإنجليز هم شلي وكيتش وهنت، فقال إن هؤلاء الشعراء الثلاثة اجتمعوا في يوم من سنة 1818م واتفقوا على أن يؤلف كل منهم أنشودة موضوعها النيل، على سبيل المنافسة الأدبية، وقال إن هذا الاتفاق يرجع إلى أن اهتمام الناس في أوروبا بنهر النيل قد أخذ ينتعش في أوائل القرن التاسع عشر، وقد أخذ بعض المستكشفين يقوم برحلات للبحث عن منابع النهر، ثم ينشر قصة رحلاته فيلفت الأنظار مرة أخرى إلى هذا الموضوع القديم.

ثم انتقل الدكتور عوض بك بعد ذلك إلى الأدب العربي فقال إننا نلاحظ أن نهر النيل لم يجد في الأدب العربي القديم من يعني بشأنه سواء من زار مصر وأقام على ضفاف النهر أو من سمع به وكان من الجائز أن يصفه على السماع كما فعل الشعراء الإنجليز. وقد أشار إليه القرآن الكريم: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) ونلاحظ أن وصف الأرض بأنها تجري من تحتها الأنهار كثيراً ما ورد في وصف الفردوس. كذلك ورد ذكر مصر ونيلها في الحديث وفي الكتب التي تنسب إلى عمرو بن العاص ولكن ذكرها لم يرد على لسان الشعراء إلا قليلا. وقد زار مصر من كبار الشعراء العرب عدد ليس بالقليل منهم أبو نواس الذي مدح والى مصر (الخصيب) بشعر جميل لم يرد فيه ذكر النيل ومصر إلا عرضاً كما ترى في قوله:

أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلا كما بحر

وقد نشأ أبو تمام في مصر ولكنه لم يذكر في شعره مصر ونيلها مع أنه كان يسقي ماء النيل بالجرة في المسجد الجامع بمصر. كذلك زار مصر المتنبي وقد ذكر النيل عرضا في شعره. وهو وأن لم يهتم بالقول في النيل إلا أنه لم ينج من أثر النيل في شعره؛ فإن أشعاره التي قالها في مصر هي أبدع وأروع مما ألفه قبل إقامته في مصر وبعدها. وأرجع الدكتور عدم اهتمام هؤلاء الشعراء بمعالجة موضوع نهر النيل إلى عدة أسباب، أهمها أن وصف الأنهار والبحار والغابات لم يكن من الموضوعات التي ألفها شعراؤنا، وأن الشعراء في أوائل العهد العربي لم يكونوا من المصريين، ولم يكثر ذكر النيل في الشعر العربي إلا بعد أن أصبحت العربية لسانا لأهل مصر ولغة أدبائهم. ومع ذلك فإن الشعراء المصريين كانوا في أول الأمر مقيدين بما ورثوه من تقاليد شعرية. ومما يلاحظ أن العصر الذي أخذ فيه الشعراء المصريون يعالجون موضوع نهر النيل كان الشعر قد أخذ ينحط كثيراً عما كان عليه في العصر العباسي الأول. وهم على كل حال كانوا يحسون بالنهر ويشعرون به فقالوا في التشوق إليه وفي وصفه وفي فيضانه والمقياس الذي يقاس به وفاء النيل وفي جزيرة الروضة ومنظر الفن في النهر وأيام اللهو على ضفته والرياض التي يجري وسطها وما إلى ذلك.

ثم انتقل الدكتور عوض إلى عصر النهضة الحديثة التي ازدهر فيها الأدب وأصبح شاعراً بوجود النيل إلى أن قال: إن شعراء مصر في عصرنا هذا قد يخصون النيل بأبيات أو مقطوعات أو إشارات، أما شوقي فقد جاراهم في هذا ولكنه بزهم بأن خص النيل بقصيدة من أروع قصائده تجمع بين الوصف الصادق والخيال المبتكر والنزعة الفلسفية والنظر إلى النيل ككائن مستقل لا كعرض من أعراض الحياة، وتجمع بين الوصف الشعري وبين حوادث التاريخ، وهي القصيدة التي أهداها شاعرنا إلى العالم المستشرق مرجليوث والتي يخاطب النهر في أولها بقوله:

من أي عهد القرى تتدفق ... وبأي كف في المدائن تفدق

وقال الدكتور: بهذه القصيدة نستطيع أن نقف أمام شعراء الغرب الذين تناولوا هذا الموضوع أمثال كيتس وشلي وهنت، دون أن نخجل من تقصير أدبنا عن أدبهم في موضوع شديد الصلة بحياتنا دون حياتهم.

تحول فكري في أمريكا:

في يوم الجمعة الماضي ألقى الأستاذ فؤاد صروف محاضرة في قاعة يورت بالجامعة الأمريكية، موضوعها (الاتجاهات السياسية والاجتماعية الحاضرة في الولايات المتحدة الأمريكية) وهي حلقة من سلسلة محاضرات (العالم كما هو اليوم) التي ينظمها قسم الخدمة العامة بالجامعة الأمريكية.

بين الأستاذ المحاضر ما يسود الولايات المتحدة الآن من التيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وقد أجملها في ثلاثة، فقال أن في حياة الولايات المتحدة ثلاثة تيارات عميقة، وهي خروجها من عزلتها، وميلها إلى تعزيز نظام الاجتهاد الحر الذي يقوم على مبدأ (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى) بتوفير أسباب العدالة الاجتماعية، واتجاه أهل الفكر والتربية فيها إلى دراسة الأساس الخلفي الاجتماعي للحضارة الصناعية التي تعد الولايات المتحدة أتم مثال لها. وأوضح هذا التيار الفكري بقوله: أن قيام الدولة الأمريكية في قارة غنية صرف التربية الأمريكية خلال زمن طويل إلى تقديم دراسة التكنولوجيا (علم الحرف والصناعات) على دراسة العلوم الإنسانية، فالأب الذي يريد أن يقدم هدية إلى ابنه الصغير، يميل على الأكثر إلى تقديم مجموعة من الآلات يلهو بها، فيفكها ويركبها؛ وهذا الانصراف إلى تقديم التكنولوجيا على دراسة الآداب القديمة، هو الذي جعل تقديم أمريكا الصناعي شيئا يبهر النفس في سرعته وعظمته، ولست أريد أن ازعم أن طائفة كبيرة من الجامعات العريقة نبذت العناية بتقديم التكنولوجيا هي الغالبة. بيد أن طائفة من رجال الفكر أخذت تدعو إلى نهج جديد، فمشكلات العالم الحديث في رأيها ليست مشكلات معرفة وإنتاج وحسب، فقد تقدمت المعرفة تقدما عظيما وارتقت وسائل الإنتاج الصناعي والزراعي ارتقاء باهرا، فلم يغن كل ذلك في حل المشكلات الاجتماعية وزيارة سعادة الناس، ولكن المشكلات ترتد - في رأيها - إلى جهل ما للمعرفة ووسائل الإنتاج من قيمة اجتماعية، فالاجتماع البشري الذي يسير في طريق الكمال ليس يكفيه أن تكثر فيه المعرفة وان تتوافر فيه وسائل الإنتاج، بل ينبغي له أن تكون المعرفة طريقا إلى الحكمة، وان تفضي وفرة الإنتاج إلى حسن التوزيع بين الناس، فإلى الرضا والطمأنينة والسعادة؛ وهذا التيار في التربية الأمريكية لا يزال في اوله، ولكنه قوى زاخر.

ثم قال: أن مستوى المعيشة العالي أو الكافي ليس سوى مرحلة في الطريق المفضي إلى مستوى صحيح للحياة، والرخاء لا نقع فيه إلا على قدر ما يهيئ من جو يكفل سعادة العقل وسكينة النفس. ولن نستطيع أن نقيم على سطح الأرض حضارة صالحة للبقاء، إذا أقمناها على الرخاء وحسب دون الفضائل العريقة ودون إدراك القيم الاجتماعية والروحية للأشياء المادية التي صرنا نحسن صنعها وعرضها. وإذن اتجاه الأمة الأمريكية إلى استكشاف هذه القيم ودراستها والعودة بها إلى الأصول التي قامت عليها الأمة الأمريكية في عهدها الأول هو أهم اتجاه حديث في حينها اليوم؛ لأنه إذا استطاع الشعب أن يحل مشكلة حياده الخاصة ويصون فضائله العريقة وإيمانه بالمثل التي من اجلها هجر آبائه الأولون قارة أوربا وفي سبيلها خاض حربين عالميتين، ففي وسعنا أن نطمئن إلى أن ضمان حق الحياة والحرية وطلب السعادة في حضارة تعد الرجل رجلا لا عبدا سوف يكون المصباح الذي يهتدي به الأمر يكون في علاقاتهم بسائر الناس.

العباس