مجلة الرسالة/العدد 772/الأدب والفن في أسبوع
→ (الشيوعية في الإسلام) | مجلة الرسالة - العدد 772 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 19 - 04 - 1948 |
الفكاهة والكاريكاتير في الأدب العربي:
كان هذا عنوان محاضرة الأستاذ كامل كيلاني في دار الاتحاد النسائي يوم الجمعة الماضي، وقد كان أكثر من هناك من الجنس الناعم، أوانس وسيدات، ولذلك رأى الأستاذ أن يستعمل نون النسوة في خطاب الحاضرين أو الحاضرات (على مذهبه) ولم يعبأ بنا ولا بالنحويين. . . ولكن هل أرضاهن بهذا الصنيع؟ أو لسن هن المطالبات بإلغاء نون النسوة؟ وقد احتججن عليه بعد الفراغ من الحاصرة احتجاجاً رقيقاً؛ وهن - وإن أنكرن نون الإناث - لم تفارقهن لوازمها في أثناء المحاضرة، فهذه إحداهن تشتغل (بالتريكو) ولا يفوتها أن تبتسم لبعض الفكاهات التي تأتي في سياق المحاضرة، وتلك أخرى تفتح حقيبة يدها وتستغرق في النظر إلى مرآتها وتصلح شيئاً من زينتها. . . ولا إلى المحاضرة إلا ضحكات صواحبها من تلك الفكاهات. أفلا ترى الأستاذ على حق في تجاهلنا واستمساكه بنون النسوة. . .؟
بدأ الأستاذ كامل كيلاني بشرح لغوي خفيف لمعنى الفكاهة حتى قال: الفاكهة ثمرة الأرض والفاكهة ثمرة العقل. ثم قال إن الإنسان يبلغ بالفكاهة البارعة ما لا يبلغه بكثير الكلام، واستشهد بما قاله (سوفيت) مؤلف (جلفر) في بعض قصصه: (ثم صفعة في احترام وأدب) وبمقالة برنادشو لأحد اللوردات وقد قال له إنك تبغي المال من رواياتك، قال له برنادشو: وماذا تبغي أنت من أعمالك؟ قال: الشرف. قال كل منا يسعى في طلب ما ينقصه.
ثم قال إن الأدب العربي زاخر بالفكاهات التي تجسم الأشياء والمعاني تجسيماً (كاريكاتيرياً) فتبرز المقصود إبراز بالغاً يشبه في الأدب فن (الكاريكاتير) في التصوير؛ ومثل لذلك بقول الجاحظ في كيسان النحوي (أعرف رجلاً يسمع غير ما يقال له، ويكتب غير ما سمع، ويقرأ غير ما كتب، ويفهم غير ما قرأ) وقد نظم هذا أحد الشعراء فقال:
تقول له زيد فيكتب خالداً ... ويقرؤه بكراً ويفهمه عمراً
ومما مثل به من هذه الصور الأدبية (الكاريكاتيرية) قول بعضهم:
أفرط نسياني إلى غاية ... لم يدع النسيان لي حسا
فصرت مهما عرضت حاجة ... مهمة أودعتها الطر وصرت أنسى في راحتي ... وصرت أنسى إنني أنسى
وقول ابن الرومي:
إن تطل لحية عليك وتعرض ... فالمخالي معروفة للحمير
علق الله في عذاريك مخلاة ... ولكنها بغير شعير
لو غدا حكمها إلى لطارت ... في مهب الرياح كل مطير
وقوله
أبو سليمان لا ترضى طريقته ... لا في غناء ولا تعليم صبيان
له إذا جاوب الطنبور محتفياً ... صوت بمصر وضرب في خراسان
وتحسب العين فكيه إذا اختلفا ... عند التنغم فكي بغل طحان
وقول المتنبي
وإذا أشار محدثاً فكأنه ... قرد يقهقه أو عجوز تلطم
وقول أبي الفرج في بعض قصصه بالأغاني: (ثم خرجت من الخوخة لحية حمراء يتبعها رجل) ولعل محرر (آخر ساعة) نظر إلي عندما كتب منذ عشر سنوات في الحديث عن رجل من رجال السياسة كان معروفاً بطول شاربيه: (ثم خرج من السيارة شاربان يتبعهما رجل).
وقال لي الأستاذ كامل كيلاني، وقد عبرت له عن استحساني لتسميته هذا الموضوع، قال: كان بعض الغربيين ومن يحاكيهم يعيبون الأدب بالمغالاة، وهذا هو نوع من المغالاة نراه مطابقاً في التعبير لطريقة فن من الفنون الحديثة.
أبو القاسم الشابي:
ألقى الأستاذ صالح جودت محاضرة عن أبي القاسم الشابي، يوم الخميس الماضي بنادي الاتحاد الأرثوذكسي. قال: عرف الأدب العربي هذا الشاعر لأول مرة في سنة 1933 حينما نشرت له مجلة (أبولو) قصيدته المشهورة (صلوات في هيكل الحب) التي أثارت اهتماماً عظيماً وأنشأت مدرسة جديدة في الشعر الحديث. كان أبو القاسم يؤمن بالسمو، ويرى أن الشعر ليس إلا تصويراً للحياة في صورة رفيعة تتكافأ مع ما للشاعر من قدسية الفن وجلالته؛ ومصداق هذه النظرة في قصيدته التي أشرنا إليها، هذه الأبيات في نجوى حبيبته:
أنت، أنت في قدسها السا ... مي وفي سحرها الشجي الفريد
أنت فوق الخيال والفن ... وفوق النهى وفوق الحدود
أنت قدسي ومعبدي وصباحي ... وربيعي ونشوتي وخلودي
ثم قال: ولد أبو القاسم سنة 1909 في بلدة توروز بتونس، وحفظ القرآن، ثم التحق بالمعهد الزيتوني، ثم بكلية الحقوق وتخرج منها سنة 1929 وكانت وفاته سنة 1934 في المنفى الذي اختاره لنفسه في مكان يقال له باب حومة العلوج.
وقال أحد الأدباء التونسيين: إن أكبر مؤثر في حياة الشابي، موت حبيبته، غير أننا لا نجد في شعره ما يشير إلى صحة هذه الواقعة. إن حبيبته موجودة في أكثر شعره، أما موتها فلا أثر له.
أما المؤثر الثاني في حياة الشابي وشعره، فهو أنه كان مجددا جريئا صاحب دعوة تقدمية كبيرة في الأدب التونسي، أثارت عليه أدباء البيئة الجامدة المحافظة التي يعيش فيها، فلقي منهم حربا شعواء. حاربوا آراءه في الأدب، وأخيلته في الشعر، كما أنه لقي من ناحية أخرى كثيرا من عنت الفرنسيين المستعمرين لبلاده، لأنه كان في شعره الوطني فولتير العربي، الذي دعا شعبه إلى الثورة من أجل الحرية في كثير من القصائد الصارخة، ومنها قصيدة رائعة مطلعها:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ... ولابد للقيد أن ينكسر
ولكن الشعب لم يستمع إلى هذه الصرخات المدوية، ولم يثر على القيد، فوقف أبو القاسم يتهكم ويتألم في قصيدة مدوية عنوانها إلى الشعب، ومنها:
أنت يا كاهن الظلام حياة ... تعبد الموت، أنت روح شقي
كانوا بالحياة والنور، لا يصغي ... إلى الكون قلبه الحجري
أنت دنيا يظلها أفق الماضي ... وليل الكآبة الأبدي
والشقي الشقي في الأرض شعب ... يزمه ميت وماضيه حي
وهكذا اجتمعت على أبي القاسم حروب ثلاث، حرب من الأدباء والشعراء الجامدين أو الحاقدين، وحرب من الفرنسيين المستعمرين، وحرب من نومة الشعب وعدم استجابته لصرخات الحرية. وقد كان كل هذا كفيلا بأن يهد كيانه، فأصابته ذات الرئة، وعاش عمرا كعمر الزهر عند باب حومة العلوج، يقرأ، وينظم الشعر، ويرعى الأغنام، حتى مات ولما يتجاوز الخامسة والعشرين.
شعر الثقافة الأزهرية:
مما يحمد لفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر اهتمامه بنشر الثقافة الأزهرية بين الشعوب العربية والإسلامية، وقد تحدث أخيرا إلى أحد زعماء العرب فقال إنه يسعده أن يستطيع الأزهر إنشاء فروع له وتوجيه بعوث منه إلى كل البلاد الإسلامية، ولكنه يرى أن على الأزهر أن يوجه اهتمامه أولا إلى الشعوب التي لا ثقافة لها، وأن هذا هو ما اعتزمه، إذ قرر إرسال بعوث إلى جنوب أفريقية وشرقها وإلى أوغندا وارتيريا، أما البلاد العربية التي تتوافر لها الآن عوامل الثقافة فهي في غنى عن ذلك، ومع هذا فإن الأزهر مستعد لأن يمدها بالمدرسين كلما طلبت حكوماتها إليه ذلك.
وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى أمر يتعلق بنشر الثقافة الأزهرية في سائر البلاد العربية، ذلك أن في الأزهر كثيرا من البعوث الوافدة إليه من مختلف البلاد الإسلامية، ومن المفهوم طبعا أن الغرض من هذه البعوث هو أن يتزود أفرادها من الثقافة الإسلامية بالأزهر، لينفعوا بها قومهم إذا رجعوا إليهم، ولكن كثيرين من هؤلاء يقضون الأعمار في مصر، وتظل أرزاقهم من الأزهر جارية عليهم، ولا يعودون إلى بلادهم. وأحسب أني لست بحاجة إلى أن أقول إن مصر لا تضيق بهؤلاء الإخوان، فهي ترحب بهم دائما ولا تعتبرهم غرباء. ولكن المسألة هي أنهم، بإقامتهم الدائمة هنا، يفوتون الغرض الذيتنشده منهم بلادهم، والذي من أجله أرسلتهم إلى الأزهر.
العربية في الباكستان:
من أنباء الباكستان أن جماعة الثقافة العربية تطالب بتعميم تعليم اللغة العربية في المدارس، حتى تصبح هي لغة التعليم هناك، وأن من أغراض هذه الجماعة نشر الثقافة العربية في الباكستان، وأنها ترمي إلى تكوين جمهور يقرأ المؤلفات ودواوين الشعراء التي تصدر في البلاد العربية.
وهذا أمر طبيعي، فقد عرف المسلمون الهنود منذ الفتح الإسلامي بالإقبال على تعلم اللغة العربية، وقد نبغ منهم فيها كثيرين في الأدب وعلوم الدين؛ ولغة التخاطب الحالية تحتوي على كثير من الألفاظ والتراكيب العربية. وشعور المسلمين في الباكستان يتجه الآن نحو البلاد العربية، وقد بدا أخيرا في تأييدهم لقضية فلسطين، ولاشك أن اللغة العربية وآدابها وثقافاتها، هي أهم ما يربطها بالبلاد العربية، وهي وسيلتها إلى كتلة الجامعة العربية.
العربية وهيئة الثقافة الدولية:
عاد الأستاذ شفيق غربال بك من باريس، حيث حضر اجتماع اللجنة التنفيذية لهيئة التربية والتعليم والثقافة الدولية (الأونيسكو) وهو عضو دائم فيها.
وقد قام الأستاذ شفيق بك بمساع لجعل اللغة العربية لغة رسمية لمؤتمر الهيئة إلى جانب اللغتين الإنجليزية والفرنسية، فكللت مساعيه بالنجاح.
ومن المعلوم أن هذه الهيئة تدعو إلى حسن التفاهم العالمي عن طريق التقارب الثقافي، فمن أغراضها محاربة طرق التربية التي تغرس في نفوس الناشئة فكرة السيادة العنصرية، وهي لهذا تعني إعادة نشر التعاليم الديمقراطية في ألمانيا واليابان.
وستعقد الدورة الثالثة لمؤتمر الهيئة العام في بيروت ابتداء من يوم 14 أكتوبر القادم ويتمثل به الدول العربية، وتهتم الإدارة الثقافية بالجامعة العربية، بتنسيق الصلة بهذا المؤتمر.
القصة والشعر:
ظهر من إحصاء في الولايات المتحدة أن المجلات الخاصة بالشعر من أكسد المجلات، ويقابلها المجلات القصصية التي تعد من أروجها؛ والحال عندنا تشبه ذلك من حيث قلة الاهتمام بقراءة الشعر والإقبال على قراءة القصص؛ وإن كان ليس لدينا الآن مجلة خاصة بالشعر بعد مجلة (أبولو) التي كان يصدرها الدكتور زكي أبو شادي وقد تعطلت منذ سنين؛ كما أنه ليس لدينا مجلة خالصة لفن القصة الرفيع بعد مجلة (الرواية) التي أدغمت في (الرسالة) وأرى أنه يجب المبادرة بفك هذا الإدغام لضرورة الاحتفاظ بمستوى القصة باعتبارها فنا من فنون الأدب، لأن التسابق على تقديم مواد تافهة للقراءة السهلة، يكاد ينحدر بالقصة إلى مستوى هذه المواد.
كتابة التسلية:
في مقال بمجلة النداء عنوانه (الصحافة المصرية. . . تطورت!!) قال الأستاذ سلامة موسى:
(إن الكتاب التافهين قد فشوا في هذا المناخ الصحفي الجديد، وصار دأبهم تسلية القراء دون أن ينفعوهم، وهناك مجلات أسبوعية ليس فيها شيء آخر غير التسلية، وهي حرب على الذكاء والفهم كما أنها تنشر الأمية السياسية بين القراء. والأب الذكي والأم المستنيرة التي تبصر للمستقبل يجب أن يقاطعا مجلات التسلية حتى ينشأ أبناؤهما على جد ونقد وذكاء في معالجة الشؤون السياسية والاجتماعية، أن جرائد التسلية تبلد الذهن وتجعل القارئ يهتم بالتافه دون الجدي من الشؤون، ويصبح هذا الاتجاه خطته في الحياة لا في القراءة فحسب).
كتب مصرية لجامعة ألمانية:
طلبت إحدى الجامعات الألمانية إلى بعض المراسلين الألمان في مصر، أن يتصلوا بالمؤلفين المصريين ويطلبوا منهم نسخا من مؤلفاتهم ليرسلوها إلى هذه الجامعة، حتى تستطيع بذلك أن تعوض ما فقدته، بسبب القنابل في الحرب الأخيرة، ومن الكتب والمخطوطات العربية التي كانت تحتويها مكتبتها.
معهد السينما:
اجتمعت لجنة النهوض بشؤون السينما يوم الأربعاء الماضي برياسة وزير الشؤون الاجتماعية، لمواصلة بحث وسائل ترفيه فن السينما؛ وفي اجتماعها الأخير عهدت إلى يوسف وهبي بك وأحمد بدرخان ومحمد عبد العظيم، وضع برنامج الدراسة في معهد السينما المزمع إنشاؤه. وينتظر أن تبدأ الدراسة في هذا المعهد في العام الدراسي القادم، وسيكون مستواه التعليمي مماثلا لمعهد التمثيل العالي، وستتجه الدراسة فيه إلى الناحية النظرية والعملية في وقت معا.
العباس