مجلة الرسالة/العدد 770/الأدب والفنّ في أسبوع
→ أين الخلان؟ | مجلة الرسالة - العدد 770 الأدب والفنّ في أسبوع [[مؤلف:|]] |
الكتُب ← |
بتاريخ: 05 - 04 - 1948 |
مواجهة الأزمات الفكرية:
ألقى الأستاذ محمد شفيق غربال بك وكيل وزارة المعارف، محاضرة موضوعها (مواجهة الأزمات الفكرية) في مساء الخميس الماضي بقاعة الدكتور عبد الحميد سعيد التذكارية بجمعية الشبان المسلمين.
قال الأستاذ المحاضر: إن الأزمات الفكرية ليست شراً، إنما الشر من عدم مواجهتها وإصلاحها؛ وهي تدل على اليقظة والحياة، لأن المجتمع الذي يتناسق في تفكيره مجتمع راكد. وقال إنني أريد أن أخرج الدعوات الحزبية السياسية من الأسباب المؤدية إلى الأزمات الفكرية، لأن هذه الدعوات، وإن أحدثت صخباً وجلية، ليست عميقة التأثير في التيارات الفكرية، وكذلك سعى طوائف من الناس لتحقيق مصالح عاجلة، فإن هذا النوع من القلق الفكري لا يعدو شعور طائفة بأنها مظلومة نتيجة لبطئ الأداة الحكومية وعدم سيرها على قواعد منتظمة، فتسلك هذا الطائفة مسلكا غير نظامي لنيل حقوقها، وهذه الظاهرة هي كذلك عمل وقتي قليل التأثير في الأزمات الفكرية. إنما تأتي هذه الأزمات من دعوة دينية أو اجتماعية، فدعوة الدين الجديد تؤدي إلى أزمات نفسية وصراع فكري بين الدعوة الجديدة وبين ما كان عليه الآباء من القديم. أما الدعوة الاجتماعية فكانت قديماً تقترن بالدين وبتتبع حوادث التاريخ يظهر أن كل دعوة إصلاحية لبست ثوب الدين. ومما يدل على الارتباط بين الدين والأفكار الاجتماعية ما يلاحظ في تاريخنا الإسلامي من اقتران الدعوة الشيعية في بعض البلاد بالفكرة الاجتماعية كثورة الزنج في العصر العباسي.
وفي العصر الحاضر لا يمكن القول بتمام الاتصال بين الدعوات الاجتماعية والدينية، فنحن نرى دعوات اجتماعية مادية لا تعبأ بالدين، وخطر هذه الدعوات أنها تجعل للمادة كل الأهمية دون اعتبار للروحية أو الدينية.
ثم قال: من الخطأ مواجهة هذه الدعوات الاجتماعية المادية الخطرة بالقمع والكبت، لأن القمع يؤدي إلى استفحالها والتمسك بها لاعتقاد أن للحاكمين مثلا مصلحة في محاربتها لظلم المحكومين، وكذلك من المواجهة المخطئة محاولة الاقتصار على التفنيد وبيان العيوب والأضرار، لأن الحجة تقارع الحجة، ولا يكون لذلك نتيجة حاسمة. أما المواجهة الحقة النافعة فهي وضع مراس للسفينة هذه المراسي تلجأ إليها وتستقر فيها. ولوضع هذه المراسي يجب أن يكون مفهوماً أننا أمة لا تعيش في مهب الريح تتقبل كل ما يرد إليها، بل نحن أمة ذات تراث تنشئ منه العدة التي تواجه بها الظروف والطوارئ، فكل ناحية لا بد أن تصطبغ بذلك الميراث، فالتعليم ينبغي أن ينشأ فيه الناشئ متأثراً باللون التراثين ومما يؤسف له أن مادة التعليم في مصر إلى الآن عديمة اللون. والجماعة التي ينتمي إليها الأفراد سواء أكانت ثقافية أم اقتصادية أم غير ذلك. ينبغي أن يكون منهجها مشتقاً من ذلك الميراث، فلا تقتصر على الناحية الخاصة من نشاطها، بل يجب أن تتجه إلى تكوين المواطن بتثبيته في مرساه لا تزعزعه العواصف.
وقد كانت هذه المحاضرة مكتنزة دسمة، كما وصفها الدكتور منصور فهمي باشا في تعقيبه عليها، وقد ألقاها الأستاذ شفيق بك في ارتجال وإيجاز وضحت معهما مراميها البالغة.
التسجيل الثقافي في مصر وفي سوريا:
أعدت الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف في الفترة الأخيرة برنامجاً لأعمال ثقافية جديدة كما أعدت الوسائل الفنية لتنفيذها، ومن هذه الأعمال إصدار سجل ثقافي سنوي يحوي مظاهر النشاط الثقافي خارج النطاق المدرسي في عام، وأنشأت له إدارة التسجيل الثقافي التي تعمل الآن في إعداد سجل سنة 1948، ومن تلك الأعمال أيضاً إحياء الذخائر الأدبية، وطبع كتب تمت ترجمتها ومراجعتها.
وأدرجت الإدارة في ميزانيتها اعتمادات لتنفيذ ذلك البرنامج ولكن مشروع الميزانية الجديد تناول بالحذف أو التخفيض جانباً كبيراً من هذه الاعتمادات، فحذف مما حذف ثلاثة آلاف جنيه كانت مخصصة لطبع السجل الثقافي، وهذا الحذف وإن كان لا يعوق إصدار السجل إذ يمكن طبعه من اعتمادات أخرى، إلا أنه مما يؤسف له أن تتجه الدولة إلى التقتير على الأعمال الثقافية الإنشائية النافعة في الوقت تسخر فيه على أمور نعتقد أنها ليست إلا وسائل لهذه الأعمال كإيفاد الأعضاء إلى المؤتمرات في البلاد الأوربية وغيرها، وهذا بصرف النظر عما تبذله الدولة من الأموال في استقدام فنانين أجانب لن تجني البلاد منهم إن جنت إلا فوائد كمالية.
هذا ف0ي الوقت الذي تلقت فيه الجامعة العربية من سوريا أن وزارة المعارف بها قررت تأليف لجنة برياسة وزير المعارف، تكون مهمتها تتبع وتسجيل الحركات العلمية والأدبية والثقافية في البلاد العربية بجميع مظاهرها والعمل على تشجيع هذه الحركات وتوجيهها نحو الرقي والكمال عن طريق الاتصال بالهيئات والمحافل العلمية والفنية والأدبية من ناحية، والعمل على عقد مؤتمرات دورية وتأسيس جمعيات اختصاصية في مختلف فروع العلم والثقافة من ناحية أخرى. ومن مهمة هذه اللجنة أيضاً إعداد ما يلزم للاتصال باللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية وذلك بدرس المسائل التي تكون موضوع أبحاث اللجنة المذكورة وتهيئة أسس الاقتراحات التي يجب أن تقدم إليها حول تلك المسائل، والاتصال أيضاً بهيئة التربية والعلوم والثقافة لمنظمة الأمم المتحدة، وذلك بدرس المسائل التي تدخل في مناهج أعمال الهيئة المذكورة وتهيئة المقترحات التي يجب أن تقدم إليها مع مراعاة التوجيهات والتوصيات التي تصدر بشأنها من اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية.
أعلام الأدب العربي في الإذاعة:
أعلنت الإذاعة أنها ستقدم سلسلة جديدة من الأحاديث الدورية، يقدم فيها قادة الأدب والفكر في مصر عرضاً مسلسلا لأكبر شخصيات الأدب العربي، وأبطال الفكر الذين كان لهم أثرهم في نهضة العقل العربي وتقدم آثاره في ميدان الفكر العالمي في مختلف فنونه من شعر ونثر. وقد افتتح هذه السلسلة الدكتور أحمد أمين بك يوم الجمعة الماضي بحديث بين فيه خصائص الأدب وآثاره في الحياة. وفي يوم الجمعة الآتي يتحدث الدكتور محمد صبري عن الشاعر الأول (امرئ القيس) بدءا من العصر الجاهلي وستتابع حلقات السلسلة مع العصور المتعاقبة.
ويلاحظ أن حلقات تلك السلسلة تتكون من شخصيات الأدب العربي المشهورة المدروسة في كتب تاريخ آداب اللغة العربية للمدارس الثانوية، كامرئ القيس والأعشى وطرفة ولبيد وحسان والفرزدق والأخطل وبشار وأبي نؤاس والبحتري وأبي تمام والمتنبي وأبي العلاء المعري. الخ.
وقد اختير لتقديم هذه السلسلة أدباء الدولة الذين تغلب عليهم الصفة الرسمية، حتى أنه روعي في اختيارهم تمثيل المعاهد والوزارات المصالح. . كما أن الشخصيات التي سيتناولها البرنامج قد أخذ تاريخها طابعاً رسمياً لاستقرارها وثباتها بالمناهج المدرسية الرسمية فبينها وبين من اختيروا لتقديمها جناس تام. . .
ولا شك أن إذاعتنا قد شعرت بتقصيرها نحو الأدب، بالنسبة إلى الإذاعاتالعربية الأخرى التي تفتن في تقديم برامج أدبية متنوعة مشوقة، فأرادت - ولها أجر المجتهد - أن تأخذ بشيء في هذا السبيل، فعمدت إلى تقديم سلسلة أعلام الأدب العربي المذكورة. وكنا نود أن توفق إلى تقديم شئ غير مملول لتكراره، شئ فيه جدة، يستحق أن يبذل فيه أعلامنا المتحدثون مجهوداتهم وتظهر فيه ابتكاراتهم.
وعيب الإذاعة العام، هو فقرها في ذوي الاختصاص الفني، فالموظف الواحد يشرف على نواح فنية متعددة ليس من أهلها أو المبرزين فيها، وإلى هذا السبب يرجع كثير من الاضطراب في تقديم الفنون بها.
الاتحاد الثقافي
نشأت فكرة الاتحاد الثقافي في أوائل العام الماضي، على أثر الخلاف الذي قام بين أعضاء الاتحاد المصري الإنجليزي، بين المصريين منهم وبين الإنجليز، ذلك الخلاف الذي أدى إلى حل هذا الاتحاد، ورأى الأعضاء المصريين تكوين اتحاد ثقافي يحل محل الاتحاد المنحل.
وقد اجتاز الاتحاد الثقافي عقبات منها (المكان) إذ وفق أخيراً إلى اختيار الباخرة (مصر) مقراً له. وفي يوم السبت الماضي احتفل بافتتاحه، وقد خطب عبد الله بك أباظة في هذا الافتتاح فوضع فكرة الاتحاد بقوله إن هذه الفكرة اختمرت لدى نخبة من الأعضاء الذين تضامنوا في حل الاتحاد المصري الإنجليزي حينما خاب أملهم في قيامه بتحقيق الأغراض التي ساهموا فيه من أجلها وهي إقناع شركائهم فيه حينذاك بوجهات النظر المصرية الصحيحة وإيجاد جو من التفهم القائم على احترام الحقوق الوطنية خارج نطاق المحيط الحكومي والرسمي، فلم يتم لهم ذلك وتقرر حله على الوجه الذي أرادوه. وقد وصف رسالة الاتحاد بأنها ستكون ثقافية مصرية وطنية بعد أن ظلت نحو عشر سنوات مختلطة بالطابع الأجنبي.
وأهم أغراض الاتحاد ما يأتي:
1 - توفير الوسائل الاجتماعية لتحقيق التعارف والصداقة بين الأعضاء.
2 - تهيئة أسباب الجمع بين مختلف الثقافات في مصر.
3 - إعداد مركز للوقوف على وجهات النظر في التفكير.
4 - تمهيد السبل للوقوف على وجهات النظر في التفكير العالي وذلك بغية المعاونة على معالجة الشؤون العامة برأي ناضج.
ومما يستلفت النظر في تكوين هذا الاتحاد الثقافي أن أعضاءه من ذوي المناصب الكبيرة وكبار رجال السياسة والاقتصاد، وليس لأكثرهم نشاط فكري أدبي أو ثقافي. وحبذا لو نفوا عن أنفسهم صفة الأرستقراطية ويسروا سبيل الانضمام إليهم للمشتغلين بالإنتاج الأدبي والثقافي، وخاصة عنصر الشباب المثقف، وبهذا يخدمون فكرة الاتحاد، ويكون ذلك أدعى إلى تحقيق أغراضه.
الاتجاهات السياسية والاجتماعية في العالم العربي:
هذا هو عنوان المحاضرة التي ألقاها محمد صلاح الدين بك في قاعة يورت التذكارية بالجامعة الأمريكية يوم الجمعة الماضين وقد بدأ ببيان الصلات التي تجمع البلاد العربي، ومنها وحدة الآلام والآمال، أما الآلام فهي معاناة الاستعمار الأجنبي الذي يسير على طريق (فرق تسد) و (قسم تسد) و (خرب تسد) والتخريب بالتمكين للفقر والجهل والمرض: أما الآمال المشتركة فهي التخلص من هذا الاستعمار فتملك الأمة أمرها وتعالج أحوالها. ثم انتقل إلى تفصيل الاتجاهات السياسية في الحقبة الأخيرة، فقال: كان العالم العربي عندما نشبت الحرب العالمية الأولى مختلف الاتجاه، فكان القسم الشرقي منه (العراق والشام والحجاز) ضد تركيا وألمانيا والقسم الغربي (مصر وشمال إفريقيا) كان الشعور فيه مع تركيا وألمانيا ضد الإنجليز والحلفاء. ولكن بعد الحرب اتحدت الوجهة إزاء إخلاف الوعود في أثناء الحرب، ضد دول الاستعمار، وقامت الحركات الوطنية في الأمم العربية ووصلت إلى طور العمل، وكان له مظهران: الثورة والمفاوضة، وعقدت المعاهدة العراقية سنة 1930 والمعاهدة المصرية سنة 1936 ومن حسن حظ سوريا ولبنان أنهما لم ترتبطا بمعاهدة مع فرنسا قبل الحرب. ولما نشبت الحرب العالمية الثانية خدعت الأمم العربية مرة ثانية بميثاق الإطلانطيق وغيره من الوعود، فما انتهت الحرب حتى تكشفت النيات الاستعمارية السوداء، وفي هذه المرة تغير الاتجاه الوطني في العالم العربي، فقد أصر الرأي العام على رفض المفاوضات، وسبقت الشعوب الحكومات في ذلك. وهنا تساءل المحاضر: ماذا نصنع الآن: المفاوضة غير مجدية، والهيئات العالمية تحكم للأقوياء، ولا قوة حربية لدينا، قال: ليس هنا إلا أن نجمع الكلمة ونصلح أمورنا بالقضاء على الفقر والجهل والمرض، ولا بد أن يسبق هذا ما يقال من تقوية الجيش، فلن يكون هناك جيش قوي لأمة ضعيفة ينهكها الفقر والمرض والجهل.
وقال إن الإنجليز يخيفوننا الآن بقرب وقوع حرب ثالثة لنتعاهد معهم، ونحن يجب علينا أن نبقى على الحياد حتى لو وقعت الحرب، ومن العجيب أن يخيفنا الإنجليز باستعمار روسيا ونحن لم نتخلص بعد من استعمارهم؛ وبين المحاضر ضرورة إعلان الحكومة بطلان معاهدة سنة 1936 خشية أن يتمسك بها الإنجليز عند وقوع الحرب الثالثة.
فكاهة.
كانت ليلة مرح ممتعة، تلك التي (أحياها) الأستاذ محمد مصطفى حمام في نادي نقابة الممثلين، وذلك بمحاضرته التي عرض فيها ألواناً من الفكاهات في القديم وفي الحديث، ومما اطرف به أن معالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا كان مرة يتحدث مع وزير سابق، وكان الحديث أولا في الأدب ثم انتقل إلى السياسة، فقال الوزير السابق: دع لنا السياسة يا دسوقي وتكلم أنت في الأدب. فقال دسوقي باشا:
- أنا معترف بأن سعادتك في السياسة أب لي.
- وفي الأدب؟
- أمي!
العباسي