مجلة الرسالة/العدد 766/أنات غريب
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 766 أنات غريب [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 08 - 03 - 1948 |
تأليف الأستاذ حبيب الزحلاوي
كان أدب الأقصوصة إلى وقت قريب هو أكثر الآداب تأخراً في اللغة العربية، ولعل للسينما أثراً كبيراً في هذا التخلف، فقد كانت تخطف كل نجم تأمل فيه الخير حتى احتسبنا الله في الأقصوصة وقنعنا من الأدب بألوانه البواقي الأخرى.
قد كان ذا. . حتى خرج إلينا الأستاذ حبيب بهذه المجموعة الأخيرة فإذا بها ترد إلينا أملاً كدنا نفقده، وتطمئننا أن للأقصوصة أصحابها. . والأستاذ حبيب أديب مطبوع بارع في حبكة قصته، ماهر في إيجاد العقدة وحلها، وهو بعد ذو قدرة فاتنة في التمسك بقارئه حتى ينتهي من قصته.
ليس من الميسور أن أتكلم عن جميع الأقاصيص التي دبجها الأستاذ حبيب في مجموعته الأخيرة ولكنني في قصته الثانية لاحظت له رأياً متطرفاً بعض الشيء نظم فيه قواعد عامة للقصة يصعب علينا أن نقبلها مرة واحدة. . وقبل تأمل هذه القواعد يطيب لي أن ألفت الأستاذ حبيباً - وهو أستاذ لا مراء - إلى أن صفة الأستاذية يجب علينا نحن أن نضفيها عليه منزلين بذلك الأمر في منزله، أما إذا قالها هو عن نفسه فإنني أخشى أن يظن الجاهلون أننا لا نعطي ذا الحق حقه حتى في الأدب.
عنوان هذه الأقصوصة (دميم) وهي في ذاتها جميلة. . ولكنه حين ساقها قدم لها بنقاش بينه وبين شاب من شداة الأدب، وكان الشاب يستنكر على الأستاذ حبيب دعواه بأن الأقصوصة لابد لها من عقدة وحل وحبكة ووحدة زاعماً - أي الشاب - أنه سريع الخلق لأشخاص روايته قوي الديباجة في عرض للقصة وهو قانع بهاته المواهب معتقداً أنها فوق الكفاية؛ ثم هو يعرض على الأستاذ حبيب مثالاً هزيلاً يستطيع أي قارئ أن يهدم الصلة بينه وبين القصة غير محتاج في ذلك للأستاذ حبيب ليظهر زيفه ويقارن بينه وبين أقصوصته الكاملة (دميم) التي خلقها في جلسته ليقنع الشاب بتفوقه عليه.
ولكن أيعتقد الأستاذ حبيب حقاً أنه لا غنى للقصة عن العقدة والحل؟! فماذا نسمي (غاية المرأة). . أهي أقصوصة أم مقال. . وإن كانت أقصوصة فأين العقدة. . فإن رشينا بحب الفتاة لرفيق صباها الذي ظهر فجأة عقدة. . فأين الحل؟!. . لا والله إنها أقصوصة رائعة كل الروعة ولكنها ما زالت بغير عقدة ولا حل. (غاية المرأة) هذه أقصوصة يعالج فيها الأستاذ حبيب فتاة على أبواب الزواج ويتعمق نفسيتها من يوم أن تعرفت بخطيبها حتى ولدت منه. . وكم كان الأستاذ حبيب بارعاً في عرضه هذا! وكم كانت ريشته دقيقة في رسم الخلجات المتغايرة التي تمر بها نفسية الفتاة الشابة!
والأقاصيص الأخرى كلها من هذا النوع في السمو. . تهدف جميعها إلى غاية، وتخرج من أيها بعبرة. . وهذا لون من ألوان القصص. . لكنه لا يمنع القصص غير ذات الهدف أن تكون هي الأخرى جميلة. . ولا يمنعنا نحن أن نقدر الطاقة الفنية المبذولة في هاته القصص.
(أنات غريب) عنوان يجبه القارئ ويوقفه مشفقاً على هذا الغريب يعز عليه أن يحل بمصر عربي أديب ويطلق في أجوائها الرحبة أنه مهما خفتت. . وهي التي تنزل الضيوف جميعاً أهلاً فكيف بالأديب. . ولكن قبل هذا التساؤل. . أهو غريب!. أيحل أي منا غريباً بأي قطر عربي!. . لا والله كلنا فيه الأهل. دارت بذهني هذه الأسئلة وما زالت به تدور حتى قرأت الإهداء فأشرقت نفسي واستقرت. . لقد كان العنوان ابن غمامة زائلة بددتها شمس مصر الضاحكة فأطلقت أستاذنا حبيباً مشرقاً ضاحكاً
ثروت أباظة