مجلة الرسالة/العدد 758/من رسائل الشيخ شامل
→ موقف اليهود في مصر | مجلة الرسالة - العدد 758 من رسائل الشيخ شامل [[مؤلف:|]] |
الفتوة الإسلامية ← |
بتاريخ: 12 - 01 - 1948 |
(على هامش الثقافة العربية في الاتحاد السوفيتي)
للأستاذ برهان الدين الداغستاني
في شهر يونيو من سنة 1943 أذاع الأستاذ أغانوطيوس كراتشكوفسكي محاضرة عن الثقافة العربية في الاتحاد السوفيتي جاء فيها ما يأتي: (ولا يزال بعض سكان داغستان يتكلمون بلغة عربية قديمة إلى جانب لغتهم الأصلية، ويستخدمونها في التخاطب والكتابة، وحتى في نظم الشعر وفق الأوزان العربية القديمة الخ).
ونشرت خلاصة تلك المحاضرة في بعض الصحف المصرية يومئذ فقام أحد كبار الكتاب المعنيين بالشئون القوقازية، وكتب مقال في إحدى الصحف اليومية الكبيرة حاول فيه التشكيك فيما قاله المحاضر عن ذيوع اللغة العربية في بعض جهات الداغستان، وكتبت في ذلك الحين مقالا طويلا شرحت فيه مكان اللغة العربية في القوقاز وبينت أنها عماد الثقافة العامة في الداغستان من أمد بعيد. وقد تفضلت الرسالة الغراء فنشرت ذلك المقال في العدد الأول من سنتها الثانية عشرة (يناير سنة 1944).
هذه كلمة وجيزة أردت بها التمهيد قبل نشر بعض الرسائل التي عثرت عليها مما كتبه الشيخ شامل نفسه في شؤون مختلفة بلغة عربية سليمة فيها سلاسة العبارة، ووضوح الفكرة.
وهي أربع وسائل عثرت عليها اتفاقا عند أحد شيوخ الداغستانيين في حمص - سورية - في الصيف الماضي وهذه الرسائل تفيدنا أن شاملا كان يدعو نفسه - كما كان يدعوه أصحابه واتباعه في القوقاز - أمير المؤمنين. كما نعرف منها أن أسمه المعروف به هناك هو (شمويل) وإن أشتهر في خارج بلاد القوقاز باسم الشيخ شامل.
وهذه هي الرسائل
- 1 -
من أمير المؤمنين شمويل إلى والده الأعز جمال الدين وإلى أخويه الكريمين الحاج على العسكري والقاضي حجيو والى أهل بيته، فإلى كافة جماعة القريتين.
سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد فلقد وقع بيننا وبين الكفار وقائع وحروب بحيث لم يقع مثلها إلى الآن في ديار (ججان)، بل في ديار داغستان يومي الأحد والاثنين بالمدافع الكبار والصغار والسيوف الصوارم، ونصرنا الله تعالى وأيدنا تأييد النبي المختار محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وخذل أولئك الملاعين أينما توجهوا ورجعوا من أمام باب شعيب إلى قلعة (أي سنقر) مقهورين منهزمين بحيث لا يرجعون إلى ديارنا بعد، فحمدنا الله تعالى وشكرناه على أياديه العظام، وإعانته لنا. وهذا بشرى لكم أيها الكرام، ولعل هذا التأييد بسبب بركات دعواتكم وخشوعكم وتضرعكم. ونحن نرجع إلى الأوطان بلا طول فصل، أن شاء الله تعالى. والباقي يخبركم الحامل بالتفصيل التام. هذا والسلام.
- 2 -
من الكتاب الفقير شمويل إلى إخوانه الكرام قاضي وعلماء وجميع جماعة (بن):
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وصانكم الله تعالى من كل آفة ما ظهر منها وما بطن أمين أما بعد.
فاعلموا - يا أخواني - أني تركت أخذ كافلكم للرهن ثقة بكم أن لا تخونوا دين الله تعالى ورجاء أن يكون ذلكم الترك سببا لزوال الكدورة من بينكم، وزيادة الألفة والمحبة فيكم فلا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا، ولا يقصد بعضكم ضر بعض ولا تكونوا جواسيس (أنصال) لإيصال المضرة إلى بعضكم وكونوا عباد الله أخوانا.
هذه نصيحة من الفقير، فمن لم يقبلها ولم يعبا بها، وسعى بمخالفتها. فإن أصابه منا تعزيز بليغ - ولا شك أنه يصل أن شاء الله تعالى بعونه وقوته أما بالقتل أو ما هو أيسر منه - فلا يلومن إلا نفسه، والباقي يخبركم الحامل بأوضح بيان، بالمشافهة واللسان. والسلام
- 3 -
من أمير المؤمنين شمويل إلى خادم الكفار - ومحارب القهار. وخليل الشيطان الغرار (أغلار).
سلام على من أتبع الهدى ونهى النفس عن موادات العدى. أما بعد.
فأن هذا النصراني قد أختار دين الإسلام، من خدمة عبدة الأوثان والاصنام، وإن أخترتم العكس. هذا.
- 4 -
من أمير المؤمنين شمويل إلى أخيه النائب أبي بكر. سلام كثير. فالذي يقوله هؤلاء الحاملون من أخذ مزارع البنات المتزوجة إلى الأخرى، مما لا يقبله العقل والنقل، فأحذر منه، فالسلام.
يوم السبت 3 من جمادى الأولى سنة 1271 هـ
هذا هو نص الرسائل التي عثرت عليها وهي - كما أرى القارئ - رسائل عربية الإهاب واضحة الأسلوب مع مراعاة أنها كتبت قبل محو مائة سنة، وأن كاتبها رجل لم يغدر بلاده إلى بلاد عربية فضلا عن أنه كان مدى ثلاثين سنة متواصلة في حرب مستمرة مع عدو قوي جبار.
والرسائل الثلاث الأولى كتبت في أبان الثورة وفي شئون متصلة بها أشد اتصال. والرسالة الرابعة كتبت ردا على استفتاء في شان من شئون الحياة. وتمتاز عن بقية الرسائل بأنها مذيلة بتاريخ وهو السبت الثالث من جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف من الهجرة. أي قبل استسلام شامل بنحو خمسة أعوام، فقد أضطر إلى التسليم في صفر سنة ست وسبعين ومائتين وألف.
والشيخ شامل كان لا يعرف اللغة الروسية مع أنه عاش في بلاد كان نفوذ الروس فيها عاما شاملا في كثير من الأوقات بل كان لا يعرف إلى جانب لغته الأصلية إلا اللغة العربية التي كان يحسنها إحسانا فقد ذكر الفيكونت فيليب دي طرازي في تاريخ الصحافة. (ج2 ص173) عند كلامه عن سليم دي نوفل واستدعائه سنة 1861 م لتدريس اللغة العربية في جامعة بترستبورغ ما يأتي. (واتفق أن شاملا المشهور الذي حارب روسيا مدة 32 سنة خضع وسلم لها في ذلك الزمن، وكان لا يحسن اللغة الروسية، بل العربية، فكان سليم ترجمانا بينه وبين القيصر أسكندر الثاني).
وعلى ذكر القيصر أسكندر الثاني أقول: (ذكر الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني الذي كان أسيرا لدى الروسيين مع الشيخ شامل - هذه الحادثة:
كان الشيخ شامل مدعوا إلى إحدى الحفلات المقامة في قصر الإمبراطور أسكندر الثاني، وبينما كان جالسا بجانب القيصر أسكندر الثاني على المائدة التفت إليه القيصر واظهر له عظيم الاحترام والتقدير وقال له:
(إنني فخور جدا أن أرى في مثل هذا اليوم السعيد رجلا عظيما مثلكم في ضيافتي).
فلم يترك شامل هذه التحية تمر بسلام، فالتفت إلى القيصر وأجاب بهدوء:
(لو أن شخصكم الكريم كان في أسرى وضيافتي لكان سروري أعظم وافتخاري بذلك أجل!)
رحم الله شاملا ويرد أثره، فقد عاش كريما يناضل في سبيل دينه ووطنه أكثر من ثلاثين عاما حتى إذا أضطر إلى اللقاء السلاح والاستسلام إلى عدوه لم تفارقه روح الرجل المسلم المناضل الحر، ولو كان جليسه إمبراطور روسيا القيصر أسكندر الثاني.
برهان الدين الداغستاني